ذاكرة القهوة بنكهة رمضان(3) بقلم: سماح خليفة
تاريخ النشر : 2018-05-20
ذاكرة القهوة بنكهة رمضان(3) بقلم: سماح خليفة


"النار فاكهة الشتاء"
......
"النار فاكهة الشتاء" عبارة رددها والدي رحمه الله على مسامعنا كثيرا، وفي كل مرة تضرب هذه الجملة طبلة أذني حتى تترك رنينا قويا يدفعني إلى سؤال والدي:
"كيف يعني النار فاكهة الشتاء؟!!"، فيرد والدي بابتسامة: طبعا النار فاكهة الشتاء، ثم يشير إلينا ونحن نتحلق حول الكانون، نمد أيدينا بحماس، نغرف الدفء بحب ونلتهمه بلذة، فيقول: "شوفوا حالكم كيف مجمعين على الكانون، رح توكلوا النار كمان شوي".
نضحك بصوت مرتفع، ثم ننتشر بخفة كالفراشات، نحضر الخبز والزيت والزعتر، ونبدأ بقرمشة الخبز بعد دهنه بالزيت والزعتر على النار، فتفوح رائحته في كل ركن في البيت، مما يدفع أمي للاحتجاج: "كيف رح تتغدو وانتم عبيتم معدتكم خبز مقرمش ؟!"، فنرد بصوت واحد :"ما تخافي علينا رح نتغدى".
كان والدي يخطف منا الملل ويطرد برد الشتاء بحكاياته الجميلة ونكاته اللطيفة، وأما نحن لا نفتأ نتوقف عن السؤال المعتاد :"ليش ما بتتلج عندنا في طوباس؟!
والله نفسنا نلعب بالتلج".
أذكر كيف نمنا ذاك اليوم في شتاء عام 1992 على صوت زخات المطر القوية وهي تنقر صفيح الزينكو كسرب طيور غاضبة، وعلى نقيض هذا النقير القوي استيقظنا صباحا متفاجئين لحجم الهدوء الذي اجتاح المنطقة، مما دفعنا لنكتشف الوضع في الخارج، لم نصدق أعيننا، الأرض تكتسي ثوبها الأبيض، وأخيرا حل الزائر الأبيض ضيفا على
طوباس، هرع الجميع من بيوتهم إلى شوارع الحي فرحين، وبدؤوا يصنعون كرات الثلج يرمون بها بعضهم البعض، كانت كرات الثلج تتطاير في فضائنا الصغير كأنها مشاعل نور لأحلامنا البسيطة قيد النضوج.
كان صدى ضحكاتنا يدوي في الأرجاء مما حجب عن مسامعنا صوت والدتي وهي تطلب منا الدخول حتى لا نصاب بالبرد.
أنهكنا من فرط السعادة التي تلبستنا حتى ارتمينا على الأرض يغشينا صمتنا ليعلو صوت والدتي فيخترق مسامعنا.
"جايين انت روحي واحنا وراك" أجبنا بصوت واحد.
تبعناها فعلا ولكن لا لندخل ونلتهم فاكهة الشتاء بل تسللنا بخفة إلى السطح عبر الدرج الصاعد للأعلى، عقدنا صفقة فرح جديدة مع هذا الزائر الأبيض وبدأنا نصنع رجلا من الثلج، وضحكاتنا يتردد صداها في كل الأرجاء.
لم يغفل والدي رحمه الله عن تلك اللحظات الجميلة، بل أتى إلينا يحمل كاميرته الخاصة ووثقها بكل الحب.
#سماح_خليفة