و للحمقى دور في قيادة الشعوب !بقلم:ماهر الصديق
تاريخ النشر : 2018-05-20
و للحمقى دور في قيادة الشعوب !بقلم:ماهر الصديق


و للحمقى دور في قيادة الشعوب !

"الأحمق المطاع "  كان  هذا وصف الرسول عليه الصلاة والسلام لزعيم قبيلة غطفان العربية العريقة عيينة بن حصن . كان  الرجل موصوفا بالحمق و التسرع و التردد و لكنه كان مطاعا في قبيلته  القوية و يتمتع بقيمة عالية  لدى القبائل العربية المحيطة . قال ابن الاعرابي : الحماقة
مأخوذة من " حمقت السوق" إذا كسدت ، فالاحمق  كاسد العقل و الرأي ، فلا يُشاور و لا  يُلتفت اليه في امر حرب . قال ابن اسحاق : اذا بلغك ان غنيا افتقر فصدق ، او حيا مات  فصدق ، و اذا بلغك أن احمق استفاد عقلا فلا تصدق . و للاحمق اسماء  كثيرة منها : الرقيع..
الخطل.. المأفون.. الاهرج.. الاخرق.. الجعبس.. الهتور .. المائق ، و اسماء اخرى . قال
حليم العرب الاحنف بن قيس " إذا رأيت الرجل عظيم الهامة طويل اللحية فاحكم عليه
بالرقاعة و لو كان امية بن عبد شمس " و قال ابن سيرين : اذا رأيت الرجل طويل اللحية
فاعلم ذلك في عقله ، و اما زياد ابن ابيه قال : ما زادت لحية رجل عن قبضته الا كان ما زاد فيها نقصا من عقله . و قال بعض الشعراء :
اذا عرضت للفتى لحيته .... و طالت فصارت الى سُرته
فنقصان عقل الفتى عندنا .... بمقدار ما طال في لحيته
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ما عدمت من الاحمق فلن تعدم خلتين : سرعة الجواب
و كثرة الالتفات . و من خصال الاحمق فرحه بالكذب في مدحه ، و تأثره بتعظيمه و إن كان
غير مستحق لذلك . و قال الاصمعي : إذا اردت ان تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه
بحديث لا اصل له ، فإن اصغى اليه و قبله فاعلم انه احمق ، و إن نكره فهو عاقل .
تناولنا قول بعض الاعلام عن اصحاب اللحى الطويلة من باب النظر في بعض الحمقى الذين
يحاولون استخدام الدين لتنفيذ حماقاتهم او للتدليس على الناس و تبرئة ساحة اسيادهم من الحكام .
اولئك الحمقى  من اصحاب اللحى لا دين لهم ،  قد يكونوا مسلمين او مسيحيين او يهود او بوذيين
او سيخ و قد يكونوا علمانيين لا يعترفون بالاديان و لا يقرون بالدساتير و لا بالكتب السماوية .  
و من اخلاق الحمق : العجلة و الخفة و الجفاء و الغرور و الفجور و السفه و الجهل و الخيانة
و الظلم و التفريط و الغفلة و الخيلاء و المكر . و لقد  فند العرب مزايا الحمقى و هي عديدة
قد لا يمكننا حصرها . فهناك احكام قامت على المظهر و اخرى على الفعل ، و كلها ممكنه
و قائمة و لا بد من ملاحظتها . و الحمقى ليست لهم طبقة معينة و ليسوا فئة اجتماعية واحدة .
فمنهم الفقراء و الاغنياء ، و الرعاع و القادة ، و اشباه المثقفين و الجهلة . و منهم من له
اصل و نسب و منهم بلا انساب ، و منهم من تسبب بقتل ملايين البشر و منهم من تسبب
بقتل نفسه ، و منهم الجميل في المظهر و منهم القبيح ، و منهم الطويل او القصير
و الهزيل و السمين و المتمدن و المتخلف و الاشقر و الاسود و العربي و غير العربي .
ان الاحمق البسيط عندما يقوم بافعاله الخرقاء يكون تأثيره في معظم الاحيان محدودا في
محيطه و على عائلته و جيرانه و بلدته و ربما يكون هو نفسه ضحية حماقاته . ان فعل الاحمق يستنكره كل عاقل مهما كانت مكانته الاجتماعية او العلمية . هذه هي القواعد المنطقية للتعامل مع الحمقى ووضعهم في مكانتهم و ضمن حدودهم حتى لا تؤثر حماقاتهم على ارواح و ارزاق الناس  . لكن الحقيقة مغايرة  في كثير من الاحيان ، فكم من الحمقى قادوا شعوبهم الى الهلاك و بلدانهم الى الدمار و أعادوا البشرية قرونا الى الوراء . المشكلة لا تكمن هنا ، بل كيف وصل الاحمق الى سدة الحكم و كيف تمكن من اصدار قرارات مصيرية و أين حكماء القوم و المثقفون و المتعلمون و أين افراد الشعب ؟ بل الحقيقة التي تثير العجب عندما يكون الاحمق -الزعيم- قد تم اختياره من الشعب او من قادة الحزب،  و عندما يقوم  الاعلاميون و المثقفون ووجهاء الامة بدعمه  و الوقوف الى جانب قراراته ، ثم ينخدع الشعب و يسير خلف قادته و رجال اعلامه و يقبل ان يكون ضحية رجل احمق يسير بهم الى الدمار و الكراهية و الحقد و الحروب العبثية .
لقد مر على الامم و الشعوب القديمة و الحديثة حمقى قادوا اممهم للهلاك و كانت اممهم
مستعدة للفناء من اجل ارضاء غرور و حماقة الزعيم . عندما دخل بعض العقلاء على الزير سالم التغلبي لوضع حد للحرب بين ابناء العمومة بني تغلب و بني بكر  قالوا له اطلب ما تريد دية عن اخيك كليب فرد عليهم : اريدكم ان تردوا الي كليب حيا .
فدامت حرب البسوس مدة اربعين عاما تخللتها ممارسات وحشية لا يقبلها عقل كقتل الاطفال
و بقر بطون الحوامل ، و تسببت هذه الحرب بقتل عشرات الالاف من الطرفين .
اما الحرب بين قبيلتي عبس و ذبيان العربيتين العريقتين فكان يمكن حلها في جلسة بسيطة توزع فيها الحلوى  و يرتشف الحاضرون قهوتهم و يتسامحون و تنتهي العداوة .
لكنهم اختلفوا على سباق داحس للغبراء ، و لان افراد من ذبيان غدروا بداحس بعدما تأكدوا من فوزه على الغبراء فقامت الحرب الطاحنة التي افنت القبيلتين معا .
فإن كان العرب قد عرفوا مثل تلك القيادات الخرقاء في جاهليتهم ، و انقادوا لحروب يخطط لها مجموعة من الحمقى المتخلفين ، فإن غير العرب قد اشتهروا بمثل هذا في الماضي و الى ايامنا الحاضرة . فهذا جنكيزخان يقود شعبه المتوحش
الصغير و الذي يعيش في مناطق نائية على حدود الصين الى غزو بلدان العالم الكبرى .
احتل هذا الشعب الصغير روسيا  و الصين و اليابان و الهند و معظم اوروبا  و الشرق الاوسط و انهى الخلافة العباسية عندما اقتحم بغداد في عام 1258 و قتل الخليفة المستعصم .
لكن بالنهاية ماذا كان يريد سوى سفك الدماء ، لم تكن له رسالة و لا غاية لاخضاع الشعوب، لم يكن يريد سوى القتل ! حتى انتهت اسطورة المغول على ايدي المسلمين المماليك في عين جالوت عام 1260 بقيادة القائد المسلم سيف الدين قطز ، ثم استكمل الحكام المماليك مهمة انهاء الدولة المغولية . قبل ذلك حكم نيرون الامبراطورية الرومانية و لحمقه و كراهيته لوالدته و اقاربه و حاشيته احرق روما بعدما قتل الكثير من السياسيين
و رجال الدوله و رجال الكنيسة الكاثوليكية ، كان هذا جزاء اختيار القادة الروم لامبراطورهم .
و حكم مجموعة من الحمقى دولهم و قادوها الى الهلاك كما كان الحال مع نابليون وستالين و
هتلر و موسوليني و غيرهم من الذين لا يمكن حصرهم على مدى التاريخ البشري .  لم تتعلم
الشعوب من الماضي فبقيت هذه العينات من الحمقى تصل الى اعلى مستوى من المسؤولية
في بلدانها و تركت على غواربها تتخذ قرارات مصيريه و تضع شعوبها في صراعات لا طائل
منها و عداوات لا ضرورة لها و اقتصاديات منهارة و خسائر بشرية بلا اسباب موجبة .
و ربما يكون ابرز احمق في العصر الحالي هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، و اختياره
يعبر عن مستوى التدني في العمل السياسي و الحزبي في الولايات المتحدة و عن مستوى
تدني المسؤولية في الاختيار لدى الناخب الامريكي . هذا رجل غير سوي اطلاقا ، و لولا ان هناك مؤسسات تحكم البلاد و قضاء قوي فوق الاشخاص لكان الرئيس ترامب قد قاد بلده الى حرب عالمية جديدة لا يدري احد كم ستكون خسائرها مع تطور الصناعات الحربية و امتلاك الدول للاسلحة النووية المدمرة . قد يقف المرء حائرا امام اختيار الشعب الامريكي لهذه الشخصية غير المتوازنة و المختلة عقليا و التي يمكن لحمقها ان ترتكب كل شئ و تورط الدولة في مشاكل  و صراعات دولية لا مصلحة للشعب الامريكي بها . بدأ بتهديد كوريا الشمالية التي يقودها صبي لا يخلو من الحمق ايضا . و افتعل مشكلة بخصوص المبادلات التجارية مع جارتيه كندا و المكسيك ، و مشكلة في التصدير و الاستيراد مع الصين و اوروبا . و مشكلة مع ايران و مع غيرها من الدول على مساحة الكرة الارضية .
لكن اهم ما ارتكبه هذا الاحمق المطاع هو نقل سفارة دولته الى القدس و هو بهذا لا يعادي
الشعب الفلسطيني و الامة العربية و المسلمين فقط بل انه يخالف القانون الدولي الذي لا يقر بالاحتلال الصهيوني للقدس و للاراضي المحتلة عام 1967 . هذا القرار الذي لا يعدو كونه عن قرار متسرع و موغل بالكراهية و العنصرية و العداء ، فهو ليس في مصلحة الشعب الامريكي الذي يضعه ترامب في دائرة المواجهة مع الامتين العربية و الاسلامية  و ذلك خدمة لاهداف الاحتلال الصهيوني . فلو كانت الامة العربية في وضع افضل و كان حكامها يتمتعون بشئ من الكرامة الوطنية و القومية لكان لهذا القرار تداعياته
الاقتصادية و الامنية و السياسية على الولايات المتحدة . و بكل الاحوال فإن هذه الحماقة
الامريكية  لا تؤخر أو تقدم بالحقيقة و بالحتمية التاريخية بأن القدس عربية إسلامية و أن عودتها و معها كل ذرة تراب من فلسطين هي مسألة وقت . فوجود سفارة أو قنصلية  أو حتى  قاعدة أمريكية لا يتعدى عن كونه هروب للإمام من أجل طمأنة الاحتلال و إدارة الظهر للحقيقة الثابته بأن الشعب الفلسطيني و من ورائه الأمتين العربية و الاسلامية
 لن يتخلوا عن فلسطين مهما تقادم الزمن . القدس لم تكن يوما رهينة بأيدي زعيم غربي أو عميل عربي أو مستسلم فلسطيني. انها شرف الأمة و من يتخلى عن شرفة إلا كل رخيص؟
 فلو اجتمعت امريكا و معها كل دول العالم لن يصنعوا  من الاحتلال شرعية مادام أصحاب الأرض
 متمسكين بأرضهم ، و شعب فلسطين لم و لن يتخلى عن  ارض فلسطين التاريخية الا من قبل
بعض اليائسين المستسلمين الذين لا يرون آفاقا للمستقبل ، و يعتقدون ان هذا الواقع باق  كما هو
الى يوم القيامة ! على الشعب الفلسطيني أن يطالب و يتحرك و يستنكر لكن دون أن يعطوا
 هذه الخطوة أكثر من حجمها ،  فمادام هذا الشعب يقاوم و يمارس كفاحه المسلح فإن كل مؤامرة تتكسر على صخرة صموده  و على قوة تمسكه بالحقوق و عدم المساومة على شيء منها.  نعم ان في البيت الابيض احمق ، و هناك في كثير من الدول حمقى يقودون بإرادة شعوبهم و باختيار حر ، و عندنا اثنان و عشرون احمقا مفروضين على الامة . منهم جاء بقوة السلاح و بالتزوير و بالخداع و بما تفرضه علينا الدول الكبرى و المنظمات الماسونية . حمقى يقدمون المليارات للاحمق الاكبر و يتآمرون على شعوبهم و امتهم . حمقى يقتلون و يدمرون من اجل كراسيهم ، حمقى يحبون انفسهم و يحبهم اعداء الامة و تكرههم شعوبهم . بعضهم دخل في خرفه  بعد طول عمر من الحكم حتى صدأ الكرسي تحته ، و بعضهم جاءه الحكم بالتوريث و على طبق
من ذهب فعاث فسادا و تنكيلا . و اغرب ما في الامر ان هناك حمقى من العامة هم الاكثر تضررا
 يصفقون و آخرون من الشعراء و الاعلاميين و رجال " الفكر" و الانتهازيين و الوزراء و المستفيدين
 يطبلون،  و اصحاب عمائم على المنابر يدعون له بطول البقاء ، فأية طامة اكبر من هذا !
هؤلاء الذين يجب ان يقفوا في المحاكم ليحاكمون على ما  فرطوا بحق الامة ، و على ضياع القدس
في عهودهم  تقال فيهم القصائد و تكتب المقالات و تتصدر صورهم الصحف و تلوى اعناق  الآيات و  الاحاديث للحث على طاعتهم و الانصياع لارادتهم . حماقات مركبة ، فيما العقلاء يقبعون في المعتقلات او يمنعون من الكلام او مهددون او منفيون . و مع هذا فالخير في الامة موجود، و الامل كبير و التغيير قادم ، و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون . 

و للحمقى دور في قيادة الشعوب !

"الأحمق المطاع "  كان  هذا وصف الرسول عليه الصلاة والسلام لزعيم قبيلة غطفان العربية العريقة
عيينة بن حصن . كان  الرجل موصوفا بالحمق و التسرع و التردد و لكنه كان مطاعا في قبيلته
 القوية و يتمتع بقيمة عالية  لدى القبائل العربية المحيطة . قال ابن الاعرابي : الحماقة
مأخوذة من " حمقت السوق" إذا كسدت ، فالاحمق  كاسد العقل و الرأي ، فلا يُشاور و لا
يُلتفت اليه في امر حرب . قال ابن اسحاق : اذا بلغك ان غنيا افتقر فصدق ، او حيا مات
فصدق ، و اذا بلغك أن احمق استفاد عقلا فلا تصدق . و للاحمق اسماء  كثيرة منها : الرقيع..
الخطل.. المأفون.. الاهرج.. الاخرق.. الجعبس.. الهتور .. المائق ، و اسماء اخرى . قال
حليم العرب الاحنف بن قيس " إذا رأيت الرجل عظيم الهامة طويل اللحية فاحكم عليه
بالرقاعة و لو كان امية بن عبد شمس " و قال ابن سيرين : اذا رأيت الرجل طويل اللحية
فاعلم ذلك في عقله ، و اما زياد ابن ابيه قال : ما زادت لحية رجل عن قبضته الا كان
ما زاد فيها نقصا من عقله . و قال بعض الشعراء :
اذا عرضت للفتى لحيته .... و طالت فصارت الى سُرته
فنقصان عقل الفتى عندنا .... بمقدار ما طال في لحيته
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ما عدمت من الاحمق فلن تعدم خلتين : سرعة الجواب
و كثرة الالتفات . و من خصال الاحمق فرحه بالكذب في مدحه ، و تأثره بتعظيمه و إن كان
غير مستحق لذلك . و قال الاصمعي : إذا اردت ان تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه
بحديث لا اصل له ، فإن اصغى اليه و قبله فاعلم انه احمق ، و إن نكره فهو عاقل .
تناولنا قول بعض الاعلام عن اصحاب اللحى الطويلة من باب النظر في بعض الحمقى الذين
يحاولون استخدام الدين لتنفيذ حماقاتهم او للتدليس على الناس و تبرئة ساحة اسيادهم من الحكام .
اولئك الحمقى  من اصحاب اللحى لا دين لهم ،  قد يكونوا مسلمين او مسيحيين او يهود او بوذيين
او سيخ و قد يكونوا علمانيين لا يعترفون بالاديان و لا يقرون بالدساتير و لا بالكتب السماوية .  
و من اخلاق الحمق : العجلة و الخفة و الجفاء و الغرور و الفجور و السفه و الجهل و الخيانة
و الظلم و التفريط و الغفلة و الخيلاء و المكر . و لقد  فند العرب مزايا الحمقى و هي عديدة
قد لا يمكننا حصرها . فهناك احكام قامت على المظهر و اخرى على الفعل ، و كلها ممكنه
و قائمة و لا بد من ملاحظتها . و الحمقى ليست لهم طبقة معينة و ليسوا فئة اجتماعية واحدة .
فمنهم الفقراء و الاغنياء ، و الرعاع و القادة ، و اشباه المثقفين و الجهلة . و منهم من له
اصل و نسب و منهم بلا انساب ، و منهم من تسبب بقتل ملايين البشر و منهم من تسبب
بقتل نفسه ، و منهم الجميل في المظهر و منهم القبيح ، و منهم الطويل او القصير
و الهزيل و السمين و المتمدن و المتخلف و الاشقر و الاسود و العربي و غير العربي .
ان الاحمق البسيط عندما يقوم بافعاله الخرقاء يكون تأثيره في معظم الاحيان محدودا في
محيطه و على عائلته و جيرانه و بلدته و ربما يكون هو نفسه ضحية حماقاته . ان
فعل الاحمق يستنكره كل عاقل مهما كانت مكانته الاجتماعية او العلمية . هذه هي
القواعد المنطقية للتعامل مع الحمقى ووضعهم في مكانتهم و ضمن حدودهم حتى لا تؤثر
حماقاتهم على ارواح و ارزاق الناس  . لكن الحقيقة مغايرة  في كثير من الاحيان ،
فكم من الحمقى قادوا شعوبهم الى الهلاك و بلدانهم الى الدمار و أعادوا البشرية
قرونا الى الوراء . المشكلة لا تكمن هنا ، بل كيف وصل الاحمق الى سدة الحكم
و كيف تمكن من اصدار قرارات مصيرية و أين حكماء القوم و المثقفون و المتعلمون
و أين افراد الشعب ؟ بل الحقيقة التي تثير العجب عندما يكون الاحمق -الزعيم- قد
تم اختياره من الشعب او من قادة الحزب،  و عندما يقوم  الاعلاميون و المثقفون ووجهاء الامة
بدعمه  و الوقوف الى جانب قراراته ، ثم ينخدع الشعب و يسير خلف قادته و رجال اعلامه
و يقبل ان يكون ضحية رجل احمق يسير بهم الى الدمار و الكراهية و الحقد و الحروب العبثية .
لقد مر على الامم و الشعوب القديمة و الحديثة حمقى قادوا اممهم للهلاك و كانت اممهم
مستعدة للفناء من اجل ارضاء غرور و حماقة الزعيم . عندما دخل بعض العقلاء
على الزير سالم التغلبي لوضع حد للحرب بين ابناء العمومة بني تغلب و بني بكر
قالوا له اطلب ما تريد دية عن اخيك كليب فرد عليهم : اريدكم ان تردوا الي كليب حيا .
فدامت حرب البسوس مدة اربعين عاما تخللتها ممارسات وحشية لا يقبلها عقل كقتل الاطفال
و بقر بطون الحوامل ، و تسببت هذه الحرب بقتل عشرات الالاف من الطرفين .
اما الحرب بين قبيلتي عبس و ذبيان العربيتين العريقتين فكان يمكن حلها في جلسة
بسيطة توزع فيها الحلوى  و يرتشف الحاضرون قهوتهم و يتسامحون و تنتهي العداوة .
لكنهم اختلفوا على سباق داحس للغبراء ، و لان افراد من ذبيان غدروا بداحس بعدما
تأكدوا من فوزه على الغبراء فقامت الحرب الطاحنة التي افنت القبيلتين معا .
فإن كان العرب قد عرفوا مثل تلك القيادات الخرقاء في جاهليتهم ، و انقادوا
لحروب يخطط لها مجموعة من الحمقى المتخلفين ، فإن غير العرب قد اشتهروا
بمثل هذا في الماضي و الى ايامنا الحاضرة . فهذا جنكيزخان يقود شعبه المتوحش
الصغير و الذي يعيش في مناطق نائية على حدود الصين الى غزو بلدان العالم الكبرى .
احتل هذا الشعب الصغير روسيا  و الصين و اليابان و الهند و معظم اوروبا  و الشرق
الاوسط و انهى الخلافة العباسية عندما اقتحم بغداد في عام 1258 و قتل الخليفة المستعصم .
لكن بالنهاية ماذا كان يريد سوى سفك الدماء ، لم تكن له رسالة و لا غاية لاخضاع الشعوب،
لم يكن يريد سوى القتل ! حتى انتهت اسطورة المغول على ايدي المسلمين المماليك
في عين جالوت عام 1260 بقيادة القائد المسلم سيف الدين قطز ، ثم استكمل الحكام
المماليك مهمة انهاء الدولة المغولية . قبل ذلك حكم نيرون الامبراطورية الرومانية
و لحمقه و كراهيته لوالدته و اقاربه و حاشيته احرق روما بعدما قتل الكثير من السياسيين
و رجال الدوله و رجال الكنيسة الكاثوليكية ، كان هذا جزاء اختيار القادة الروم لامبراطورهم .
و حكم مجموعة من الحمقى دولهم و قادوها الى الهلاك كما كان الحال مع نابليون وستالين و
هتلر و موسوليني و غيرهم من الذين لا يمكن حصرهم على مدى التاريخ البشري .  لم تتعلم
الشعوب من الماضي فبقيت هذه العينات من الحمقى تصل الى اعلى مستوى من المسؤولية
في بلدانها و تركت على غواربها تتخذ قرارات مصيريه و تضع شعوبها في صراعات لا طائل
منها و عداوات لا ضرورة لها و اقتصاديات منهارة و خسائر بشرية بلا اسباب موجبة .
و ربما يكون ابرز احمق في العصر الحالي هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، و اختياره
يعبر عن مستوى التدني في العمل السياسي و الحزبي في الولايات المتحدة و عن مستوى
تدني المسؤولية في الاختيار لدى الناخب الامريكي . هذا رجل غير سوي اطلاقا ، و لولا
ان هناك مؤسسات تحكم البلاد و قضاء قوي فوق الاشخاص لكان الرئيس ترامب
قد قاد بلده الى حرب عالمية جديدة لا يدري احد كم ستكون خسائرها مع تطور الصناعات
الحربية و امتلاك الدول للاسلحة النووية المدمرة . قد يقف المرء حائرا امام اختيار
الشعب الامريكي لهذه الشخصية غير المتوازنة و المختلة عقليا و التي يمكن لحمقها
ان ترتكب كل شئ و تورط الدولة في مشاكل  و صراعات دولية لا مصلحة للشعب الامريكي
بها . بدأ بتهديد كوريا الشمالية التي يقودها صبي لا يخلو من الحمق ايضا . و افتعل مشكلة
بخصوص المبادلات التجارية مع جارتيه كندا و المكسيك ، و مشكلة في التصدير و الاستيراد
مع الصين و اوروبا . و مشكلة مع ايران و مع غيرها من الدول على مساحة الكرة الارضية .
لكن اهم ما ارتكبه هذا الاحمق المطاع هو نقل سفارة دولته الى القدس و هو بهذا لا يعادي
الشعب الفلسطيني و الامة العربية و المسلمين فقط بل انه يخالف القانون الدولي الذي
لا يقر بالاحتلال الصهيوني للقدس و للاراضي المحتلة عام 1967 . هذا القرار الذي
لا يعدو كونه عن قرار متسرع و موغل بالكراهية و العنصرية و العداء ، فهو ليس في مصلحة
الشعب الامريكي الذي يضعه ترامب في دائرة المواجهة مع الامتين العربية و الاسلامية
و ذلك خدمة لاهداف الاحتلال الصهيوني . فلو كانت الامة العربية في وضع افضل
و كان حكامها يتمتعون بشئ من الكرامة الوطنية و القومية لكان لهذا القرار تداعياته
الاقتصادية و الامنية و السياسية على الولايات المتحدة . و بكل الاحوال فإن هذه الحماقة
الامريكية  لا تؤخر أو تقدم بالحقيقة و بالحتمية التاريخية بأن القدس عربية إسلامية
 و أن عودتها و معها كل ذرة تراب من فلسطين هي مسألة وقت . فوجود سفارة أو قنصلية
 أو حتى  قاعدة أمريكية لا يتعدى عن كونه هروب للإمام من أجل طمأنة الاحتلال
 و إدارة الظهر للحقيقة الثابته بأن الشعب الفلسطيني و من ورائه الأمتين العربية و الاسلامية
 لن يتخلوا عن فلسطين مهما تقادم الزمن . القدس لم تكن يوما رهينة بأيدي زعيم غربي
 أو عميل عربي أو مستسلم فلسطيني. انها شرف الأمة و من يتخلى عن شرفة إلا كل رخيص؟
 فلو اجتمعت امريكا و معها كل دول العالم لن يصنعوا  من الاحتلال شرعية مادام أصحاب الأرض
 متمسكين بأرضهم ، و شعب فلسطين لم و لن يتخلى عن  ارض فلسطين التاريخية الا من قبل
بعض اليائسين المستسلمين الذين لا يرون آفاقا للمستقبل ، و يعتقدون ان هذا الواقع باق  كما هو
الى يوم القيامة ! على الشعب الفلسطيني أن يطالب و يتحرك و يستنكر لكن دون أن يعطوا
 هذه الخطوة أكثر من حجمها ،  فمادام هذا الشعب يقاوم و يمارس كفاحه المسلح
 فإن كل مؤامرة تتكسر على صخرة صموده  و على قوة تمسكه بالحقوق و عدم المساومة
على شيء منها.  نعم ان في البيت الابيض احمق ، و هناك في كثير من الدول حمقى يقودون
بإرادة شعوبهم و باختيار حر ، و عندنا اثنان و عشرون احمقا مفروضين على الامة . منهم جاء
بقوة السلاح و بالتزوير و بالخداع و بما تفرضه علينا الدول الكبرى و المنظمات الماسونية . حمقى
يقدمون المليارات للاحمق الاكبر و يتآمرون على شعوبهم و امتهم . حمقى يقتلون و يدمرون من اجل
كراسيهم ، حمقى يحبون انفسهم و يحبهم اعداء الامة و تكرههم شعوبهم . بعضهم دخل في خرفه
بعد طول عمر من الحكم حتى صدأ الكرسي تحته ، و بعضهم جاءه الحكم بالتوريث و على طبق
من ذهب فعاث فسادا و تنكيلا . و اغرب ما في الامر ان هناك حمقى من العامة هم الاكثر تضررا
 يصفقون و آخرون من الشعراء و الاعلاميين و رجال " الفكر" و الانتهازيين و الوزراء و المستفيدين
 يطبلون،  و اصحاب عمائم على المنابر يدعون له بطول البقاء ، فأية طامة اكبر من هذا !
هؤلاء الذين يجب ان يقفوا في المحاكم ليحاكمون على ما  فرطوا بحق الامة ، و على ضياع القدس
في عهودهم  تقال فيهم القصائد و تكتب المقالات و تتصدر صورهم الصحف و تلوى اعناق
الآيات و  الاحاديث للحث على طاعتهم و الانصياع لارادتهم . حماقات مركبة ، فيما العقلاء يقبعون
في المعتقلات او يمنعون من الكلام او مهددون او منفيون . و مع هذا فالخير في الامة موجود،
و الامل كبير و التغيير قادم ، و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون . 

 ماهر الصديق