حتمية المواجهة الأمريكية الإيرانية بقلم محمد عبدالله البشيتي
تاريخ النشر : 2018-05-16
لعل الولايات المتحدة امتنعت عن استيراد الفستق والسجاد الإيراني, وامتنعت إيران عن استيراد الأدوية والقمح الأمريكي , ووقفت الدول الأوروبية حائرة عاجزة غير قادرة أمام قرار الرئيس ترامب الخروج من الاتفاق النووي وشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتزام وعدم خرق إيران لذلك الاتفاق الذي جرت المناقشات والمجادلات بشأنه منذ 2006 وبعد 18 شهرا من الجلسات والمفاوضات في -جينيف وفيينا و لوزان- والتي أطلق عليها حينئذ المفاوضات الماراثونية , تم التوصل لاتفاق لوزان النووي والتوقيع عليه من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن –برطانيا,روسيا ,فرنسا,أمريكيا, الصين بجانب ألمانيا -أي مجموعة 5+1 مع إيران بمصادقة الأمم المتحدة عليه وبذلك يكون الاتفاق ذو صبغة دولية .
ولكي نفهم حقيقة وطبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية لا بد لنا من إلقاء نظرة سريعة لأهم المحطات التاريخية والمعاصرة التي أثرت على العلاقات بين البلدين والتي غلب عليها طابع التوتر وعدم الاستقرار والمواجهة أحيانا خصوصا بعد قيام ثورة 1979 والتي أطاحت بنظام محمد رضا بهلوي الموالي للولايات المتحدة ويمكن لنا أجمال ذلك فيما يأتي :
1- بدأت العلاقات الدبلوماسية رسميا بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران عام 1944 بعدما قامت الولايات المتحدة بتثبيت حكم محمد رضا بهلوي خلفا لأبيه الذي عمل مع ألمانيا الهتلرية التي كانت معادية لأمريكا , حيث قام محمد بهلوي بسن القوانين والسماح بإقامة قاعدة أمريكية شمال إيران ومنح الامتيازات التي لا تعرف حدود لصالح الولايات المتحدة التي ساعدته من خلال جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA في تأسيس جهاز المخابرات السري "سافاك" وذلك 1970وبمعاونة الموساد الإسرائيلي تم تعذيب واضطهاد المعارضين لمحمد بهلوي , وبذلك يمكن القول بأن العلاقات الأمريكية الايرانية في تلك الفترة شهدت عصرها الذهبي الذي ربما لا يتكرر, حيث أن الولايات المتحدة قامت بخلع محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني الذي كان ينوي بتأميم النفط الايراني 1953 وجاءت بالشاه بهلوي وقوت حكمه واستمرت العلاقات على أحسن حال إلى أن جاء 1979.
2- وفي ذلك العام وبسبب الفساد والاضطهاد قام الشعب الإيراني بثورته التي أطاحت بحكم محمد بهلوي وتخلت عنه الولايات المتحدة وفر للخارج ثم استقبلته أمريكا لتلقي العلاج فكان رد فعل الثائرين الإيرانيين أن قاموا باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز 52 مواطن أمريكي حيث طالبو بتسليمه وإرجاعه لإيران وهنا بدأت الأمور بالتدهور على كافة الأصعدة مابين إيران مابعد الثورة والولايات المتحدة وتم فرض الحظر التجاري والمالي والعقوبات على إيران , بالاضافة أن إيران محمد بهلوي اعترفت بقيام إسرائيل بعد سنتين من قيامها 1950 , ولكن إيران ما بعد الثورة قامت بإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وبذلك يتبين لنا مدى الانقلاب والانعكاس الذي حدث في السياسة الخارجية الإيرانية مابعد الثورة عن قبلها والذي قابلته أمريكا بفرض مزيدا من العقوبات والضغط على مجلس الأمن والأمم المتحدة لإصدار قرارات بحق إيران كقرار 1747 لعام 2007 بمنع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي وقرارات 1803 وقرار 2010.
3- وعلى أثر قيام الثورة وانتصارها 1979 جاء آية لله الخوميني رئيسا لإيران عن طريق استفتاء حيث رفع كما رفعت الثورة الإيرانية شعارات كانت معادية لأميركا وتعكس مدى التحول الكبير في العلاقات مابين البلدين ومن بينها "الموت لأمريكا" و"أمريكا تنهب خيرات الشعوب" .
4- قامت الولايات المتحدة بإسقاط طائرة إيرانية أودت بحياة 290من الإيرانيين 1988, وقامت بضرب عدد من المنشآت النووية الإيرانية , كما أنها تدخلت بحرب الخليج بدعم العراق بالأسلحة لكي يستمر الاستنزاف العراقي الإيراني "سياسة الاحتواء المزدوج" .
5- وظلت العلاقات الإيرانية الأمريكية تزداد تحريضا وسوءا من قبل الولايات المتحدة على النظام الإيراني باستخدام ألفاظ و تعابير تستهين وتمتهن كرامة النظام الإيراني في ذلك الحين كاستخدام كلمة "السلوك الإيراني " حيث أن كلمة سلوك يتم استخدامها في اللغة الانجليزية للإشارة للخارجين عن القانون والحيوانات , أي بقيت النظرة الأمريكية لإيران نظرة كراهية وتأجيج الرأي العام العالمي ضد النظام الإيراني , إلى أن جاءت الضربة القاضية 1997 المخيبة لآمال وشعارات السياسية الأمريكية تجاه إيران ألا وهي إجراء انتخابات ديمقراطية حرة حصل بموجبها محمد خاتمي على أغلبية 70% من الأصوات و أصبح رئيسا لإيران بطريقة حضارية بينما كانت وما زالت أمريكيا تشهر وتنعت النظام الإيراني بالدكتاتوري .
6- وعلى أثر تلك العملية الديموقراطية كانت قد أصبحت بعض الأصوات داخل المجتمع الأمريكي التي نادت بتغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران , إلا أن تلك الأصوات لم تجد لها صدى , واستمرت العلاقات تزداد سوءا أحيانا بتأثير من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لدرجة أن الرئيس كلينتون حرص على إعلان بعض العقوبات على إيران أمام جالية يهودية , وفي هذا الصدد لابد من ذكر بأن إيران قامت بالتعهد بإنقاذ أي مواطن أمريكي من خطر يمكن أن يتعرض له في المنطقة , بل أنها ذهبت لفتح موانيها لنقل القمح للجنود الأمريكيين في أفغانستان 2001, أي أن إيران قامت بمساعدة أمريكا في محاربة طالبان والقاعدة إلا أن النكران والجحود الأمريكي بقي سيد الموقف .
7- بعد أحداث 11/سبتمبر 2001 أعلنت إيران بأنها ضد الإرهاب بجميع أشكاله وأدانت الهجمات التي تعرضت لها أمريكيا , إلا أن الرئيس بوش قام 2002 بذكر كلا من "إيران وكوريا الشمالية والعراق على محور الشر والإرهاب العالمي, ويجب الإشارة هنا بأنه تم التخلص من النظام البعثي العراقي السابق بحجج وذرائع ربما ليس لها نصيب من الحقيقة وحاليا يتم محاولات وجولات للتوصل لاتفاق ما بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وبالتالي يتبقى إيران فكيف سيكون الحل معها ؟!!
8- قامت إيران بإسقاط طائرة تجسس فوق أراضيها عام 2011, بالإضافة لسيطرة البحرية الايرانية على قاربين امريكيين بطريقة بقدر ما أشعرت النظام الإيراني بشهوة القوة والانتصار بقدر ما أشعرت الأمريكيين بالمجد المفقود والذي لابد من إعادته ولو بالقوة.
9- سياسة فرض العقوبات المستمرة واغتيال العلماء الإيرانيين العاملين في المجال النووي والاستفزازات وربما المواجهات المباشرة وغير المباشرة التي تحدث في مناطق تعتبرها إيران مناطق حيوية ونفوذ لها وخسرانها يعني لها الكثير وبالمثل الولايات المتحدة والمناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ وحيوية لها , وهو ما يحدث تصادم مع ايران والقوى الحليفة لها , بالإضافة لصدور قرار محكمة أمريكية باقتطاع 2 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة لديها وتحويلها كتعويض لأسر ضحايا البحرية الأمريكية البالغ عددهم241 ضحية في عملية تمت في لبنان عام 1983والتي تحمل الولايات المتحدة إيران المسؤولية عنه وصدر هذا القرار عام 2016.
10- ولا يمكن لنا أن ننسى أو نغفل التهديد الإسرائيلي المستمر خصوصا أن السياسة الإسرائيلية والامريكية تسيران بشكل متوازي ومنسجم في كثير من الأحيان , أي أن التهديد الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملة واحدة حيث أن كلاهما يرى بأن إيران تشكل خطرا وتدعم الإرهاب وتهدد وجود إسرائيل والسلام العالمي , ويظهر ذلك جليا في التصريحات الإسرائيلية الأمريكية التي تنطلق بين الفينة والأخرى .

ومع كل ما سبق ذكره يتبين لنا أن العلاقات الأمريكية الإيرانية في اغلبها علاقات يشوبها شوائب ربما لا يستطيع أحد التخلص منها إلا عن طريق المواجهة فالحسم العسكري لصالح إحدى الطرفين , إلا أنه وبعد محاولات وجولات من المفاوضات واللقاءات وعقود من العقوبات على إيران واستمرار التسلح والتلويح والتهديد وبعد جهود مضنية لحل أو على الأقل تخفيف حدة أزمة ربما هي الأخطر على العالم , تم التوصل لاتفاق لوزان النووي 2015 , واعتبره الرئيس باراك أوباما في ذلك الحين انجازا تاريخيا وبأن طريق المفاوضات هو الأجدى مع إيران , واعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خطأ تاريخي وبموجبه ستمتلك إيران القنبلة الذرية وتهدد بقاء إسرائيل , واعتبرته إيران نصرا لها سيجنبها مزيدا من العقوبات ويرفع عن عنقها ما سلف من العقوبات وحظر اقتصادي اتفق عليه أكبر وأكثر دول العالم , حيث تبلغ العقارات والأموال المجمدة لإيران في الخارج من100-120 مليار دولار في حال أفرج عنها تكون على الأقل قادرة على لملمة الاقتصاد الايراني ومحاولة إعادة بناءه بعد عقود من الحصار المفروض.
إلا أن أمريكا ترامب كسرت القواعد الدبلوماسية المعمول بها والتي أساسها الالتزام بما يتم الاتفاق عليه بين الدول , إذ أن ترامب أعلن انسحابه من الاتفاق الدولي وهدد بعواقب وخيمة إن لم تقبل إيران بإعادة صياغة الاتفاق بحجة أنه لا يشمل ولا يتناول الصواريخ الباليستية ولا يتناول دور إيران ودعمها لحركات تعادي حليفتها إسرائيل , ولكن ألا يدري ترامب بأن الاتفاق قد تم و أن إيران تلتزم به وأن انسحابه يبدو سخيفا لدرجة أن الدبلوماسية الأمريكية لم يعد يعول عليها .
وإن كان من دلالات بالنسبة لخروج ترامب من الاتفاق والذي أيدته إسرائيل واعتبرته قرار شجاع فإنما يدل على ما يأتي :
1- ضربة للمصداقية والدبلوماسية الأمريكية والتي أصبحت خاضعة لتأويلات واجتهادات شخصية تغلب القرارات والاتفاقيات الأمريكية التي تم اتخاذها وتوقيعها على أساس مؤسسات المجتمع الأمريكي .
2- إحراج وعدم تقدير للدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق , فكيف لاتفاق سعت إليه الدول جهدا ومشاورات ومفاوضات توصلوا إليه في النهاية واعتبروه انجازا ويجنب العالم ويلات الحروب يأتي رئيس أمريكي يريد هدم الجهد الذي تم , وكيف لدول أن تثق إذا ما أرادت أن توقع اتفاقا سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا بأن الاتفاقيات تحترم والمعاهدات تصان والمؤسسية الأمريكية تٌخضع الأشخاص وإن كانوا رؤساء وليس العكس .
3- ضربة في خاصرة السلم والأمن الدوليين خصوصا بأن الاتفاق كان يحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم والمياه الثقيلة التي تستخدم في صناعة الأسلحة النووية وبموجبه يحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الفحص الدوري والمستمر للمنشآت النووية الإيرانية وهذا ما كانت تهدف إليه وترضى عنه الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما , ولكن الرئيس ترامب يريد أن يفرض كل ما يشتهي الأمر الذي دفعه للانسحاب منه .
نعم لقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي الجماعي مع إيران وصرح بأنه يسعى لصيغة أخرى تأخذ بعين الاعتبار المطالب التي يرى بوجوب وجودها ضمن الاتفاق , ولكن من يضمن بأن ايران وعلى الرغم من اعلانها الاستمرار في الاتفاق مع الدول الاوروبية أن تستمر وتلجأ للتسلح وزيادة تخصيب اليورانيوم , و بالتالي تجد أمريكا مع انعدام التفاهمات والأفق نفسها في مواجهة إيران خصوصا بأن العوامل التاريخية والحالية تزكي المواجهة على السلم إذا ما استمرت الأمور في هذا الاتجاه .
وعند الحديث عن حتمية المواجهة الأمريكية الإيرانية فإن حديثنا من منطلق بأن لكل بداية نهاية و لكل بداية ونهاية حكاية , أي ان بدايات العلاقات مابين البلدين كانت ماقبل الثورة على أفضل حال , أما بعد الثورة إلى يومنا هذا ومع انسحاب أمريكا من الاتفاق فهي آخذة في التدهور السريع خصوصا مع ازدياد رقع المواجهة بين الطرفين ومن يدور في دائرتهما , والمواجهة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة من خلال دعم جماعات أو دول تعمل ضد إيران وبالتالي تكبيد إيران خسائر جسيمة وربما انهيارها بمساعدة مباشرة وفعلية أمريكية .