(الحضور الكنعاني) في شعر عزّالدين المناصرة بقلم:د.بنان صلاح الدين
تاريخ النشر : 2018-05-16
(الحضور الكنعاني) في شعر عزّالدين المناصرة بقلم:د.بنان صلاح الدين


(الحضور الكنعاني) في شعر عزّالدين المناصرة

·       الدكتورة بنان صلاح الدين (القدس)*

مقدّمة

لقد شكل (التاريخ الكنعاني) مساحة كبيرة في شعر عزالدين المناصرة (ولد عام 1946)، فقد أفرد مساحة واسعة من قصائده لشعرية التاريخ والمكان، متميزاً بذلك عن غيره من الشعراء العرب المعاصرين، فتواصل مع التاريخ الكنعاني وبخاصة الجانب الحضاري منه، انطلاقاً من إيمان المناصرة بأن الكنعانيين عروبيّون في الأصل والأساس، معتبراً أن مفهوم الكنعنة هو المعادل أحياناً لمفهوم العروبة([1]). فيرى أن كنعان هو الاسم الأول لفلسطين، ثم أصبح الاسم الجغرافي لفلسطين ولقسم كبير من سوريا الطبيعية، وكذلك فلا يوجد فارق بين الفلسطينيين والكنعانيين لأن الفلسطينيين هم قبائل كنعانية([2]).

آراء المناصرة في (الكنعنة):

ويذّكر المناصرة بأنه اهتم منذ طفولته بمتابعة تاريخ ما قبل التاريخ، فقد تعرف على (الكنعنة) كفكرة حضارية من خلال الآثار الكنعانية وبقايا اللغة في لهجة أبناء بلدته (بني نعيم الخليلية)، فانغرس في وجدانه بأن هذه الأرض لها تاريخ قبل تاريخ هيرودوت، وأن هذا التاريخ مستمر في الثقافة الشعبية للناس رغم إعلانهم رفض الوثنية([3]). ويعبّر الشاعر عن انغراس الغرس الكنعاني والكنعنة بقوله "بدأت من رؤيتي للآثار القديمة والبحر الميت في طفولتي وبعض المفردات في لهجة بلدتي وهي لهجة مليئة بألفاظ غير عربية، ثم أنني تطلعت إلى لغة الأدب الكنعاني القديم خصوصاً في اللآلئ للكاهن الكنعاني، فوجدت أن العالم الفلسطيني المعاصر هو استمرار للتراجيدية القديمة". ويقول أيضاً "كنت في طفولتي أركض بين آثار كنعانية عريقة، الخليل مدينتي هي مركز حضارة العماليق الكنعانية، لقد أحسست منذ طفولتي بالكنعنة الفطرية الطبيعية مما جعلني أنتبه إلى عنصر الهوية الفلسطينية([4]). ويذكر أيضاً لقد كنت "أشاهد آثار أجدادي الكنعانيين العمالقة ماثلة أمامي، وكنت أسمع صهيل الجغرافيا والتاريخ يومياً([5]).

ويعتبر المناصرة أن (الجذور الكنعانية) قبل الإسلام تشكل عنصراً أساسياً في الهوية الفلسطينية، فالعمالقة الكنعانيون أقاموا حضارتهم الأولى في جبل الخليل، ثم انطلقوا نحو الساحل الفلسطيني، وتُعد فلسطين جذر الحضارة الكنعانية، بينما تشكل سوريا ولبنان والأردن أغصان الشجرة الكنعانية([6])، ويعبر المناصرة عن الهدف من الكنعنة في شعره باعتبارها إحدى تجليات العروبة، فهي أرض وصفة وذاكرة وجذور شعب([7]) فجمعت بين الزمان والمكان والماضي والحاضر والمستقبل، بين التاريخ والجغرافيا، فكانت "رحيل الأشواق نحو الأرض التي تحبّها، إنها ارتباط برموز التاريخ في شكل النقوش الكنعانية"([8]), كما أنها عبارة عن لملمة أجزاء الهويّة الحضارية الفلسطينية شعرياً"([9])، فارتبطت بشعره كما يقول بعشق المكان وحساسية التاريخ، فالمكان ليس تراباً وحجارة وأشجاراً وينابيع فقط، بل يشتمل على تاريخ البشر وعلاقاتهم الإنسانية، وبالتالي فإن الكنعنة هي حالة شعرية زمكانية تروي تاريخ الإنسان في ارض كنعان التي تضم بلاد الشام في جدليتها مع حضارات النيل والفرات لتصل العالم عبر البحر الميت المتوسط([10]). وانطلاقاً من إيمانه بالحضارة الكنعانية الفلسطينية، التي وصلت إلى شمال أفريقيا، وجزر الكناري، وغيرها، يرى أنه بدون فهم هذه الحضارة لا يمكن فهم الشخصية الفلسطينية([11]).

ويعتبر المناصرة أن العودة إلى جذور الحضارة (حضارة أريحا في الألف العاشر ق.م.)، التي كانت في بداية الخلق الأول هي جزء من الحضارة الإنسانية، وجزء من الأرض نفسها، إذ لا يمكن فصل "هذه البقعة من الأرض على أنه تاريخ هذه المرحلة أو تلك... نظرية تكامل الإنسان لا يمكن أن تجزأ وكذلك التاريخ، هي شعرية تاريخ وشعرية مكان بينهما جدلية، شعرية المكان ليست بمفهومه السياحي أو التاريخي الماقبلي، وإنما بتفاعل مع هذا المكان بحيث يصبح جزءاً من الحياة باعتبارها خيطاً متواصلاً منذ بداية التاريخ، أي إن التاريخ المعاصر، والمرحلة الحالية ليست مفصولة عن الماضي، وكذلك فإنها لا تخضع لاسترجاعات الماضي فقط، لهذا لجأت إلى اللغة القديمة بتكسيرها وليس بتقليدها، بإعادة إنتاجها من جديد للتعبير عن شاعرية حديثة([12]).

انعكاس (الكنعنة) في شعر المناصرة:

من شدة تمسك المناصرة بالكنعنة وحرصه على إضفاء الكنعانية على رؤيته الشعرية، فقد احتلت الكنعنة مساحة واسعة في العديد من قصائده ودواوينه حتى لا يكاد أي من دواوينه يخلو من الملامح الكنعانية، ويبين الجدول التالي ذلك:

الرقم عنوان الديوان عنوان القصيدة سنة الطبع مكان الطبع عدد ومرات ورود كلمة كنعان ومشتقاتها
1 يا عنب الخليل، 1968 أمثال 1963 فلسطين 1
  يا عنب الخليل 1966 القاهرة 3
  قِفا نبكِ 1965 القاهرة 1
  زرقاء اليمامة 1966 القاهرة 1
  أغنيات كنعانية 1964 القاهرة 2
  في الرّد على الأحبة 1965 القاهرة 1
  جفرا في سهل مجدو 1964 فلسطين 3
  قراءة أولية لطريق العين 1964 فلسطين 2
  خان الخليلي 1965 القاهرة 1
  قاع العالم 1968 القاهرة 2
2 الخروج من البحر الميت، 1969 الخروج من البحر الميت 1966 القاهرة 1
  مواصلات إلى جسد الأرض 1967 القاهرة 1
  دليلة الغزية 1968 القاهرة 2
  مذكرات البحر الميت 1969 بيروت 6
3 قمر جرش كان حزيناً، 1974 دادا ترقص على ضفة النهر 1971 عمان 1
  كنعان صابر لن يستنكر 1971 عمان 1
  تقبل التعازي في أي منفى 1972 عمان 7
4 بالأخضر كفناه، 1976 دموع الكنعانيات 1976 بيروت 6
  علوّاه غير م حدد عمان 2
  خطبة أعالي الليل 1976 بيروت 1
  لن يفهمني أحد غير الزيتون 1976 بيروت 1
5 جفرا، 1981 كيف رقصت أم علي النصروية 1976 قانا/ لبنان 2
  غافلتك وشربت كأس الخليل 1981 صوفيا 2
  لا تغازلوا الأشجار حتى نعود 1977 صوفيا 4
  نشيد الكنعانيات 1977 بيروت 16
6 كنعانياذا، 1983 عيد الشعير 1983 صوفيا 2
  رعدية البندق 1983 صوفيا 1
  حجر مؤاب 1983 صوفيا 2
  عيد الكروم 1983 صوفيا 1
  جاك بريفير الأول 1983 صوفيا 1
  فخاخ لاصطياد الوعل 1983 صوفيا 2
  في حفل عائلي بهيج 1983 صوفيا 1
  ضع نبيذاً في الجرار 1983 صوفيا 2
  وسقطت سهوّاً في محبتكم 1983 صوفيا 2
  غيمة ساحلية 1983 صوفيا 2
  سأخبرك غداً إن استطعت 1983 صوفيا 1
  سراويل كنعانية 1983 صوفيا 2
  خذ جرعة لليقظة 1983 صوفيا 1
  بدو بحريون 1983 صوفيا 1
  أبو النحل النباطي 1983 صوفيا 1
  تاريخ الزجاجات 1983 صوفيا 1
  انشقاقات الفيتو 1983 صوفيا 1
  جنازة الإيقاع 1983 صوفيا 1
  الناصري 1983 صوفيا 2
7 حيزية، 1990 يتوهج كنعان 1984 تلمسان/ الجزئر 11
  مطر حامض 1984 ألمانيا الغربية 1
  نص الوحشة 1986 عنابة/ الجزائر 1
  مناكفات 1988 تلمسان 3
  حصار قرطاج 1982 تونس 2
8 رعويات كنعانية، 1992 الأرجوانية 1989 تلمسان 1
  غابة قلبي 1983 تونس 1
  إلى البحر خذها 1986 سكيكدا/ الجزائر 1
  دار عمتي جليله 1987 قسنطينة/ الجزائر 1
  وسواس أبيض 1986 دمشق 1
  رخويات طنجة 1988 طنجة 2
  عاصفة من فلفل اكحل 1988 فاس 7
  سجلات البحر الميت: البحر الميت لي 1989 تلمسان 4
  رذاذ اللغة 1990 تلمسان 1
  فراشات متوحشة 1991 تلمسان 6
  في أعالي كنعان 1988 تلمسان 8
9 لا أثق بطائر الوقواق، 2000 بأغنيتي أسحر العناقيد غير محدد عمّان 1


- يتضح من الجدول السابق أن جميع دواوين الشاعر قد تضمنت قصائد اشتملت على كلمة كنعان أو مشتقاتها، (ونحن نعتمد الطبعة الخامسة من الأعمال الشعرية، الصادرة عام 2001) وكان ديوان كنعانياذا في المرتبة الأولى، فقد بلغ عدد القصائد فيه التي وردت فيها كلمة كنعان أو مشتقاتها تسع عشرة قصيدة من بين اثنتين وثلاثين قصيدة ونسبة ذلك (59.37%) من إجمالي عدد قصائد الديوان ونسبة (30.15%) من إجمالي عدد القصائد التي اشتملت على الكلمة ومشتقاتها ونسبة (10.27%) من إجمالي العدد الكلي لجميع القصائد الواردة في الأعمال الشعرية للشاعر البالغ عددها (185) قصيدة. ويُلاحظ أن ديوان (رعويات كنعانية) كان في المرتبة الأولى من حيث عدد الكلمات والبالغة (34) كلمة موزعة على إحدى عشرة قصيدة، أما أقل الدواوين فكان ديوان لا أثق بطائر الوقواق، والذي اقتصر وجود الكلمة فيه على قصيدة واحدة اشتملت على كلمة واحدة فقط. أما مجموع القصائد التي اشتملت على كلمة كنعان فقد بلغت (63) قصيدة ونسبة ذلك (34.5%) من إجمالي العدد الكلي للقصائد([13]).

ويبين الجدول التالي النسبة المئوية للقصائد التي اشتملت على كلمة كنعان ومشتقاتها مقارنة من مجموع القصائد لكل ديوان.

 

الرقم عنوان الديوان عدد القصائد التي وردت فيها الكلمة العدد الكلي النسبة المئوية
1.         يا عنب الخليل 9 31 29.03
2.         الخروج من البحر الميت 5 18 27.77
3.         قمر جرش كان حزيناً 3 16 18.75
4.         بالأخضر كفناه 4 15 26.66
5.         جفرا 4 14 28.57
6.         كنعانياذا 19 32 59.37
7.         حيزية 5 9 55.55
8.         رعويات كنعانية 11 26 42.30
9.         لا أثق بطائر الوقواق 1 24 4.16
  المجموع 63 185 34.5


- يبدوا واضحاً من الجدول السابق أن ديوان "كنعانياذا"  جاء في المرتبة الأولى وتلاه مباشرة ديوان حيزية، بينما كان ديوان "رعويات كنعانية" في المرتبة الثالثة، وكان هناك تقارب إلى حد ما في أربعة دواوين، ويأتي ديوان "قمر جرش كان حزيناً" في المرتبة الثامنة، بينما جاء ديوان "لا أثق بطائر الوقواق" في المرتبة التاسعة والأخيرة.

- لقد جاء اهتمام المناصرة بالكنعنة والتركيز عليها محاولة للتمسك بالجذور الحضارية للشعب الفلسطيني الذي وصفه بأنه شعب الدم والمذبح والبطولة، علاوة على الرد على أوهام التاريخ الإسرائيلي، فالكنعانيون الفلسطينيون كانوا موجودين في الأرض في الألف العاشرة قبل الميلاد([14]).

وانطلاقاً من هذه الرؤية يفنّد المناصرة النظريتين اللتين سادتا حول أصل الفلسطينيين النظرية الأولى التي تقول بأن أصلهم من (جنوب الحجاز وعسير) في شبه الجزيرة العربية، بينما تقول النظرية الثانية بأن أصلهم من جزيرة كريت اليونانية اعتماداً على نصوص توراتية، والأرجح لدى المناصرة أن الفلسطينيين هم كنعانيون أصليون في فلسطين، وكانوا قبائل متفرقة من القبائل الكنعانية التي كانت في فلسطين منذ الإنسان الأول، وكان الفلسطينيون منفتحين على ثقافة جزر بحر إيجه وشبه الجزيرة العربية عبر التجارة([15]).

جدي كنعان بحار بدوي

يوزع الحروف الجديدة واللغات غير الدارجة

قيل: جاء على فرس من عسير

وعلى مركب أبيض من كريت

قيل: مهرٌ من اليمن في سفينة أثينية

قيل، ماذا يعني ذلك الآن

فسائل الحروف فرعنت في العالم([16]).

- وهكذا فقد طرح المناصرة الفكرة الكنعانية متمترساً خلفها لتكذيب الادعاءات الإسرائيلية ودحض الافتراءات التوراتية، فالكنعانيون هم أصحاب البلاد قبل مجيء اليهود بآلاف السنين، وكانت البلاد عامرة بسكانها وذات حضارة إنسانية عريقة، وما الفلسطينيون الحاليون سوى امتداد للقبائل الكنعانية عبر التاريخ، ويتضح ذلك لدى تعريف المناصرة بنفسه مظهراً اعتزازه بكنعانيته وانتماءه للكنعانيين، يقول:

أنا – عزالدين المناصرة:

سليل شجرة كنعان وحفيد البحر الميت

قبطان سفن الزجاج المحملة بالحروف

أسافر في مدن العالم كالطائر أحمل رموزاً ورسائل

من بني نعيم إلى كرمل الدالية

هو قلبي الذي يتمدد تحت بساطير الجنود الغرباء

شلال دمي في عاصمة برتقالية صهيل كالمهر

ولا أشكو

 

فالشكوى لغير "الخليل" مذلة([17]).

وفي مكان آخر يقول في قصيدة كتبها عندما كان طالباً في (المدرسة):

أنا ابن نعيم شقيق تميم.. وأنت ابن من!!

أنا ابن – المناصرة العاشقين وأنت ابن من!!

أنا ابن دليلة: غزّية البرتقال...

وأمك من؟!!

وسيدي: كنعان يسكن رأس الأعالي

وسيدك من؟!!

وأقتات من خشب الورد

إن داهمتني الليالي

وتقتات: سلوى ومنْ

أبي من سلالة كنعان – جد البحار

وأنت ابن من؟!!!

أيها القادم من غيتوهات العَفَنْ.([18])

حرص الشاعر في هذا المقطع على أن يؤكد انتماءه للكنعانيين، وذلك انطلاقاً من أن الفلسطينيين هم بالأساس ينحدرون من سلالة القبائل الكنعانية، وبالتالي فهم متجذرون بالأرض منذ القدم، ثم يفصح أيضاً بأن (بلدة بني نعيم) تنحدر من نسل الصحابي نعيم بن أوس الداري شقيق الصحابي تميم الداري اللذين منحهما الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في السنة التاسعة من الهجرة الإقطاع المعروف باسم (إقطاع آل الداري)، واشتملت الوقفية على ثلثي أراضي مدينة الخليل وجميع أراضي مزرعتي المردوم وبيت عينون القائمتين في أراضي بلدتي بني نعيم وسعير قضاء الخليل([19]).

أما نعيم والذي عُرفت قرية بني نعيم مسقط رأس الشاعر نسبة إليه فكان من أحفاده في هذه القرية عائلتا الطرايرة والمناصرة التي ينتمي إليها الشاعر([20]). فالشاعر يعتبر نفسه، الوارث لتميم ونعيم الداري/ الصحابي.

وهكذا أخذ الشاعر يؤكد له بأن نسبة وأصله معروفان كنعاني ومن ذرية الصحابي نعيم الداري، ولعله في قوله "أبي من سلالة كنعان" أراد أن يؤكد على انتمائه للعرب قبل الإسلام، بينما أكد بقوله "أنا ابن نعيم شقيق تميم" بأنه مسلم ويُلاحظ أنه كرر سؤاله للآخر مستفسراً عن هويته خمس مرات، سأله في ثلاث منها بقوله "أنت ابن من"؟ وفي واحدة سأله عن جده بقوله "وسيدك من"؟. أما في المرة الأخيرة فقد سأله عن أمه بقوله "وأمك"؟. لقد أراد في هذه الأسئلة أن يبين للمحتل بأنه غريب عن هذه البلاد ولا يربطه بها أي رابط، بينما جذور الفلسطيني فيها راسخة منذ القدم، فقد ورثوها عن أجدادهم الكنعانيين الأوائل. ويحرص الشاعر على تأكيد كنعنة الفلسطينيين وانتمائهم للكنعانيين، فغدت الحروف الخمسة التي تتكون منها كلمة كنعان أنشودة يستعملها الأطفال الفلسطينيون في المدارس في المرحلة الدراسية المبكرة يتغنون بها صباحاً، وكأنها النشيد الوطني لتبقى راسخة في عقولهم، فتزهر وجدانهم عشقاً ابدياً، وتنحدر في وعيهم رمزاً للحقوق الوطنية([21]). ففي قصيدته بعنوان "غيمة ساحلية" يقول:

أكرر كلمة كنعان؛ أ... مو... طّو... ها

 

هكذا في الصف

كا

نا

عا

ن

حتى أصدق أنها تخصني وحدي

أرسمها على النحو التالي: ك – ن – ع – أ – ن

حتى تشبه الصوص في البيضة([22]).

إن الشاعر في هذا المقطع يكاد أن يجعل الجذر الكنعاني مقتصراً على الفلسطينيين وحدهم " حتى أصدق أنها تخصني وحدي" فيظهر بذلك متزمتاً ومتشدداً في حرصه على تأكيد انتماء الشعب الفلسطيني للكنعانيين، ليؤكد من خلال ذلك على عروبة فلسطين.

لقد استند الشاعر في المقطع السابق على أن (الكنعانيين) هم الذين ابتكروا الحروف الأبجدية التي تجمع حروف هجاء اللغة العربية، فكانوا أول من استعمل (الحروف الهجائية) في الكتابة ليقدموا بذلك أعظم عمل للحضارة الإنسانية وليكون ذلك أيضاً من أعظم المآثر الإنسانية في العصور القديمة وأعظم إنجاز حضاري عرفته البشرية على صعيد الكتابة ومن أهم الاختراعات في تاريخ الحضارة البشرية. وبذاك كان مهد الأبجدية في بلاد كنعان. ويرى المناصرة أن الأبجدية الأولى في العالم ظهرت في جنوب فلسطين وسيناء، وبالتالي فإن الكنعانية السينائية هي المرحلة الأولى في تطور الكنعانية وتلتها كما يقول الأوغاريتية، والجبيلية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد([23]).

رموز الحضارة الكنعانية

لقد حفلت قصائد المناصرة الشعرية بالكثير من رموز الحضارة الكنعانية مبدياً اعتزازه بها كحضارة متميزة عبر التاريخ، وكان من أبرز شواهدها صناعة الفخّار والحديد، والزجاج الذي ارتبط باللون الأرجواني الذي رمز لهذه الحضارة منذ القدم، فيقول:

جدي كنعان بحّار بدوي

...

كان يخلط الحنين بالزجاج والفخار

ثمَّ يسقيه بدمع الأرجوان

يصلي في الجامع الأبيض في صور

يقرأ الصحف الأولى في حيفا

يشرب الخمور الفاخرة في مطعم البحر

يطلب الثأر قدّام حجر مؤاب([24])

لقد تجلت مظاهر الحضارة ببراعة الكنعانيين بصيد الأسماك التي توارثتها الأجيال في مدينة حيفا، وصناعة الفخار والزجاج ذات اللون الأرجواني التي توارثتها الأجيال في مدينة الخليل.

إن استحضار اللون الأرجواني والذي كان من أكثر الألوان حضوراً في شعر المناصرة يمثل استحضاراً للتاريخ والحضارة الكنعانية. ويرتبط هذا الاسم بالفينيقيين الذين هم بالأساس قبائل كنعانية سكنت في سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية (الشاطئ السوري واللبناني والفلسطيني)، وكان أول من أطلق عليهم هذا الاسم هم الإغريق نسبة إلى الصباغ الأرجواني (Phoinikies) الذي كانوا يستخرجونه من أصداف محار المريق أو الموريكس (Murix) المتواجد بوفرة على الساحل الكنعاني. وقد أدخلوه على أقمشتهم فاشتهروا به واحتكروا تجارته للإغريق فعرفوهم به([25]).

وبذلك تكون كلمة فينيقي مرادفة لكلمة كنعان، وكان الفنيقيون يسمون أنفسهم بالكنعانيين ويدعون بلادهم بأرض كنعام، فقد أشارت رسائل تل العمارنة إلى سكان الساحل الفينيقي باسم كناهي (Kinakhi) أوكناهو (Kinahu). ويجزم (المناصرة) بأن (الفينيقيين) هم حرفياً (بني كنعان)([26]).

- لقد أبدى (المناصرة) في المقطع الشعري السابق اعتزازه بحضارة أجداده الكنعانيين، فاختلط فيها حب الأرض والحنين إلى تاريخها وماضيها الصافي قبل قدوم الغزاة المحتلين، فجده الكنعاني هو الفاتح العربي الذي استرد أرضه وأقام الصلاة في الجامع الأبيض بصور. أنه الرجل الذي كان يقرأ الصحف التي لم تأتِ له بما يسر من أخبار في مقاهي مدينة حيفا الأمر الذي دعاه لشرب الخمر الفاخرة التي كانت تأتي عبر بحرها([27]). وفي قصيدته بعنوان "لا تغازلوا الأشجار حتى نعود" برسم الشاعر في اللوحة السابعة من القصيدة صورة تشع منها رموزاً تاريخية، ربط من خلالها الشاعر بين مواطن مختلف القبائل الكنعانية، فيذّكر في هذه اللوحة مرة أخرى بالأرجوان وبزجاج الخليل وقرميد اللاذقية، ورمال البتراء الزجاجية، يقول:

لا يهمني يا جفرا

إذا كان قلبك من أرجوان صور

أو كان قلبك من زجاج الخليل الملون

أو كان قلبك قرميداً في اللاذقية

أو رمالاً نشكلها في زجاجة وادي الأنباط([28]).

يتقاطع في هذه اللوحة أرجوان مدينة صور الكنعانية التي كانت من بين المدن الكنعانية الهامة اقتصادياً وسياسياً([29]) وزجاج مدينة الخليل الكنعانية، وقرميد مدينة اللاذقية الكنعانية، والزجاج الرملي في مدينة البتراء عاصمة الأنباط العرب. فتقاطعت هذه الدلالات الأربع بدلالة واحدة رمزت لأصالة الحضارة العربية القديمة، فكانت أيونات حضارية تغنى بها المناصرة مؤكّداً من خلالها على البعد الحضاري والتاريخي للعرب سواء أكانوا في فلسطين أو لبنان أو الأردن أو سوريا.

زراعة الكرمة:

تُعدّ الزراعة من أهم المخلفات الحضارية للكنعانيين منذ (حضارة أريحا)، فقد برعوا في زراعة الكثير من مختلف أنواع المزروعات وبخاصة الكرمة، إذ يعود إليهم الفضل في إدخال هذا النوع من الزراعة للبلاد وبخاصة الخليل التي بقيت تتوارثها عبر الأجيال وحتى وقتنا الحاضر.

وحرص الشاعر على تحقيق التواصل مع الأرض والجذور والتاريخ ليربط بين الماضي والحاضر متباهياً بالموروث الحضاري لأجداده الكنعانيين بناة الحضارة الأولى ومرسخي زراعة الكرمة بمختلف أنواعها، يقول:

من دمع كروم الكنعانيين، صلاة الأسياد

من لهفة جدتنا في الصحراء على الماء

من طين الحور، تعصره، تنتظر النبع المتدفق في غرتها

من لبن الدالية أرضعُ أحرف جدي

من حقل الآرامي

من حجر رخام من مصنع جفرا الكنعانية

عنب دابوقي

عنب دابوقي

عنب دابوقي([30])

- فأجداده الكنعانيون هم أول من غرس كروم العنب في فلسطين، وتوارثتها الأجيال عبر التاريخ وصولاً إلى أجداده أبناء إسماعيل بن هاجر عليه السلام، إنها جدة العرب كما هو ابنها الذي جابت الصحراء تتلهف لتجد له شربة ماء تزيل عطشه، وبالتالي فإن العرب أبناء إسماعيل هم ورثته، أي أنه عندما خاطب الرب إبراهيم أثناء وقوفه على تلة في ارض كنعان "فلسطين". كانت كلمة "لنسلك" أي نسل إبراهيم، تعني العرب دون غيرهم لأن إسماعيل هو الابن الأكبر لإبراهيم. وإذا أخذنا هذا الوعد بحرفيته فإن الوعد عندما أعطي لإبراهيم لم يكن اسحق قد ولد بعد([31]).

ويؤكد الشاعر في المقطع الشعري السابق أنه سيجعل من عصير العنب لبناً وحليباً لترضع منه الأجيال وتترسخ في عقولهم ووجدانهم الحروف الخمسة لاسم جده كنعان الذي أرسى دعائم الحضارة العمرانية بحجارة الرخام التي تستخرج من بلدة بني نعيم مسقط رأس الشاعر، التي كانت تدعى قبل الميلاد (بنو عام) – علاوة على زراعة العنب التي كان لكنعان الفضل في تأسيسها حتى غدت تحمل أسماء وأنواعاً مختلفة، ولعل عنب الدابوقي أكثرها شهرة. ويروي الشاعر مقاطع من قصة حياته في مساعدة أسرته خلال موسم قطف العنب وبيعه بأسواق مدينة الخليل.

كان نعيمي([32]) ينهر بغلته في أول خيط للفجر

كي لا تترضرض اثداء العنب الدابوقي

يشرح لي عن سلسلة من نسب لسلالة أجداد الكرمة

كنت أرافقه للسوق على ظهر الفرس الشهباء

يتغزل باللون وبالطول وبالطعم

وبالأسماء([33])

فوالده كان يقطف العنب فجراً عندما تشق الشمس أشعتها حيث تكون الرؤيا واضحة لكي لا يداس على القطوف قبل قطافها، ويعبئ بالسحاحير ليحملها على ظهر فرسه، وفي الطريق كان يقص على ابنه قصص أصول أجداده الكنعانيين وهو يتغزل بأنواع العنب وألوانه وطعمه وأسمائه. ويبين الشاعر كيف كان الفلاحون يتعرضون لابتزاز التجار فيقول:

كان الوسطاء سماسرة يمتصون النصر كدبّور

يمتصون عروقي وعروق أبي

 كان أبي يتأكد من خاتمة العنب الدابوقي

حتى لا تسرقه الخماره

حتى لو خسر جهاراً بغلته وحماره

كان يداريني حين يداهمني التعب وكان يغطيني

بعباءته من لسعة برد سرى الليل

عنب دابوقي كنعاني شفاف كغلالة عذراء

يتدلى فوق سحاحير الفجر ملاكاً يغرق في النوم([34])

إن والده الذي كان يغطيه بعباءته من لسعة البرد هو فلاح محافظ يميز بين الحلال والحرام، يرفض أن يبيع لتجار البراميل الذين كانوا يأتون إلى كروم العنب مباشرة لشراء العنب ووضعه في براميل ليتم نقله إلى خمارات بيت لحم ويتحول هناك إلى نبيذ، ورغم أنهم كانوا يدفعون سعراً أعلى من السعر الذي يدفعه تجار السوق([35]) إلاّ أ، والد الشاعر كان يصر على أن لا يبيعه لتجار البراميل خوفاً من ارتكاب الإثم، فيبيعه لتجار السوق بسعر أقل، وحتى لو كان في ذلك خسارة لرأس المال الممثل ببغلته وحماره. والشاعر في المقطع ينقل لنا صورة الصراع الطبقي في بيع العنب، فالفلاح الذي يبذل جهداً شاقاً طوال العام في حراثة أرضه وتعشيبها وتسميدها وتنقيب الدوالي فيها، يكون نصيبه غالباً أقل من ناتج الثمر، فأجرة النقل والسوق والسمسار والمرابي في حال الدين كل منهم يأكل حصته، ثم يكون الصراع بين البراميل والسحاحير التي يوضع فيها العنب، إنه صراعُ دينيُ طبقيّ، فالبراميل تنقل في شاحنات إلى الخمارات في بيت لحم، بينما تنقل السحاحير إلى أسواق مدينة الخليل، فمن حيث الشكل كلاهما وسيلة نقل وتعبئة، غير أن القشرة الأيدلوجية الدينية جعلت العامل يتنازل عن جزء من حقوقه هو فارق السعر بين البراميل الأغلى سعراً والسحارة الأقل سعراً وهذا ما يجعل معادلة (البراميل – السحاحير) تشكل فارقاً طبقياً بين أصحاب الكروم وأصحاب الخمارات([36]).

ويستحضر المناصرة بعض العادات والتقاليد السائدة حالياً المرتبطة بتصنيع العنب، والتي ورثها الفلسطينيون المعاصرون عن أجدادهم الكنعانيين كتصنيع الزبيب والدبس والملبن،ووظّف الشاعر الرمز الأسطوري الكنعاني "بعل" الذي يرمز للخصوبة والرعاية، فيقول:

عنب جندلي وإيقاعه فاعلن في المزاد، وقيل: فعولن

لأن الخبب

يرتوي من بحور الذهب

فيمشي الهوينا كدحرجةٍ لقناني النبيذ على الطاولات

وفي بيت لحمَ التي لا تنام

يحلُّ عليه التعب

ينام على حجر من صخب

لترعاه عين (العناية) في حضن (بعل) الذي لا ينام

الخليل تفضله في الصباح زبيباً ودبساً إذا كان ملبنه صافياً كبنات الشآم

...
ونحن الأعاريب نعشقها كرمةً تتجلى غلالاتُها في المنام

نخبئها في السلاسلِ، بردانة، ثم بين فروع النبات

نُمزمزها في الصواني

إذا هلَّ هذا الصقيعُ على الكائنات

ونقطفها في ديسمبر

في عيد عيسى عليه السلام، عليه السلام.([37])

استخدم الشاعر في هذا المقطع اسم أحد أنواع العنب الخليلي وهو (العنب الجندلي) لبناء صورة موقف هو أقرب إلى البناء التجريدي، الفانتازي، وذلك عبر استخدام أسلوب (التداعي الحر) لبناء مزيج من الصور التجريدية؛ الحسية معاً/ فالعنب الجندلي له إيقاع فاعلن أو فعولن، ويرتبط ببحر الخبب، والذي يرتبط بدوره بنهور الذهب. كما أن لهذا العنب صوتاً إيقاعياً كتدحرج قناني النبيذ في بيت لحم التي لا تنام، وهي ترتشف نبيذ عنب الخليل، فبالإضافة إلى الدلالة لبيت لحم في الدين المسيحي، فهي أيضاً ذات علاقة مع العنب، مصدر النبيذ، وبيت لحم إشارة إلى العشاء الأخير للمسيح وأتباعه([38]).

ومما يعزز ارتباط هذا النوع من العنب تحديداً ببيت لحم أنه يقطف متأخراً وتحديداً في شهر كانون الأول من العام نظراً لتأخر نضجه، حيث أنه في هذه الفترة تشهد أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية فيزداد عليه الطلب لارتشافه نبيذاً. وإذا كان نصارى بيت لحم يفضلون عنب الخليل الجندلي نبيذاً، فإن أهالي الخليل يصنعون منه دبساً ليكون فطورهم في الصباح، فيذكر الشاعر أن الأمهات الخليليات كن يحرصن على أن يشرب أولادهنّ صباحاً وقبل ذهابهم إلى المدارس كأساً من الدبس اعتقاداً منهن بأنه يقوي الدم وينقيه ويجلب لأبنائهن الذكاء([39]) إضافة إلى أنه يشحن الجسم بالدفء خلال فصل الشتاء، ويعبر عن ذلك بقوله:

شربت كؤوساً من الدبس

غمَّستُ في العنطبيخ الخليلي

من أجل برد يجيء([40])

أما الزبيب فإن أكثر أنواع العنب المفضلة في تصنيعه هي الحبات الصغيرة الشقراء، وكانوا يطلقون عليها بنات الشام([41]) من شدة جمالها وطعمها اللذيذة. ومن الصناعات المرتبطة بالعنب كانت صناعة العنطبيخ أو العنب المطبوخ الذي يصنع من حبات العنب التي تشبه البلون في شفافيتها، فكان الفلاحون يقطفون العنب من كرومهم ويضعونه في سلال من القش، يطبخونه بقدور توقد تحتها النار من القش والجذوع اليابسة، وكانوا يغسلونه بالزيت ليزداد لمعاناً، يقول:

يا نواطير كرومي

الكنعانيون يهرعون لحشو القش تحت قدور العنطبيخ

كالقيامة يزحفون وتزحف السلال

العنب البلوري كدموع المسيح يوم الصلب

...

ناوليني يا سارة الزيت كي نغسل بنات الشام.([42])

وفي قصيدته (عيد الكروم) يستذكر الشاعر موسم العنب الخليلي ودور المرأة الخليلية في مساعدة زوجها للتغلب على شظف العيش ومشقة الحياة يقول:

العموريات والآدوميات يتآخين في نقر الماء في القف

عند الخلجان الجبلية قرب بلوطات ممرا

يغسلن القنابيز في السيل، يستغبن الرعد والمطر

بين كروم الكريستال وأحابيلها

بين آبار الأفاعي الشقراء والعرائش

يا نواطير جبالي وسهولي ونسائي المتشحات بالعروق

الأحمر

الكعكباني

عرق محمد العابد

عرق ظريف الطول([43])

- إن العموريات والآدوميات هن كنعانيات وإن اختلفت قبائلهن، فالأدميون هم قبائل آمورية أو عمورية كنعانية عربية، وتأسست دولتهم في جنوب فلسطين على يد (حَرَد الأدومي الفلسطيني). ويكشف الشاعر عن الملابس الكنعانية التي ما زالت تستخدم حتى الآن فالقنباز الذي يرتديه الرجال تعود أصوله إلى الكنعانيين، كما أن ثياب النساء الموشحة والمطرزة هي أيضاً ذات أصول كنعانية؟، ثم تطور تطريزها بالحرير الأحمر والكعكباني، وأخذت عروق الحرير تحمل مسميات مختلفة كعروق محمد العابد وظريف الطويل. ويتغنى الشاعر أيضاً بدور المرأة الفلاحة، في تربية أبنائها وتوفير الطعام في مواسم القحط والجفاف.

ماذا أقول للكنعانيات الواقفات تحت أشجار الحور

أأقول ... تمتطين حميركن نحو معاقل البدو الأثرية

تبحثن قرب الاثافي عن أوراق الخبيزة في زمن العصملي

تطعمن صغاركن بعد أن شبعوا من طهي الصخور!!!

يكشف الشاعر في هذا المقطع عن الظروف المعيشية الصعبة للفلسطينيين خلال العهد العثماني، فكانوا يعانون من الفقر والجوع، مما جعل المرأة الفلسطينية الكنعانية تقف إلى جانب زوجها في تحمل مشاق الحياة وتوفير الطعام لأبنائها، فكانت تمتطي الحمار، فتسير في مرتفعات برية البحر الميت، فتجمع أوراق الخبيزة التي غالباً ما تنمو حيثما كان البدو يحلون لتتغذى من زبل مواشيهم، لقد كشف في هذا المقطع عن رحلة العذاب للأسرة الفلسطينية وكفاح المرأة مستذكراً قصة عمر بن الخطاب عندما مر عن امرأة فوجدها مع أولادها الصغار يتجمعون حول قدر على النار ليس فيه سوى حجارة وماء لتلهي أولادها عن الجوع حتى يناموا.

الآثار الكنعانية:

كان المناصرة مفتوناً بتعلقه بالآثار الكنعانية لما تحمله من دلالات ومعان تاريخية هامة تّؤكد على عمق الجذور الفلسطينية، فيربط بين الفضاء الجفراوي والفضاء الكنعاني، ويظهر ذلك بشكل واضح في اللوحة السابعة عشرة من قصيدة "لا تغازلوا الأشجار حتى نعود" وجاءت هذه اللوحة بعنوان "جفرا... التي في اريحا" قال فيها:

لماذا بدأ قلبي بالرفيف أيتها الجرسونه

لأنني أشبه جفرا التي في أريحا أيها الفتى

أذكر سمرتك الحنطية يا جفرا

إن مررت بأعالي الديرفوشوشيه

ولا تغازلي عين السلطان... حتى نعود

استحضر الشاعر في هذه اللوحة مدينة أريحا وما تضمه من أماكن أثرية وتاريخية عريقة تمثلت بدير القرنطل وعين تل السلطان، فمدينة أريحا والتي تعرف بمدينة القمر تُعد من أقدم مدن العالم، ويقف كل من دير القرنطل وعين السلطان شاهدين على عراقة هذه المدينة وتاريخها الضارب في أعماق التاريخ، حيث يعود تاريخها إلى نحو (9000) سنة قبل الميلاد، وقد سبقت أي استيطان مديني معروف في العالم بأربعة آلاف سنة، وكان تل أو عين السلطان إحدى القرى النطوفية التي تنسب لوادي النطوف غربي القدس، حيث يعتقد بأن النطوفيين هم أجداد الكنعانيين والهكسوس والآراميين.

أما دير القرنطل المنحوت في صخر جبلي يعلو عين السلطان فيقف شامخاً وكأنه حارسٌ ومدافعُ عن هذا المكان، ويُعد هذا الدير من أهم الأماكن الأثرية بأريحا. ويعرف بدير الأربعين حيث أمضى فيه السيد المسيح وفقاً للروايات الدينية المسيحية أربعين يوماً وليلة صائماً ومتأملاً إغراءات الشيطان. فعدت مدينة أريحا بهذين المكانيين جذراً مغروساً بأعماق التاريخ.

أما أريحا، جذرنا المغروس في التاريخ

يا جمرة الصيف التي تضيء في الشتاء.

وبالإضافة إلى البعد التاريخي لعين السلطان، فإن هذا المكان يحمل أيضاً بعداً وطنياً تمثل بإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين إلى وطنهم، فيكون بذلك قد ربط بين البعدين التاريخي والوطني لهذا المكان باعتباره حاضراً على الإرث الكنعاني ومأساة الشعر الفلسطيني. ويتواصل الشاعر بالتغني بمدينة أريحا بغورها الذي سجل فيه المسلمون انتصاراتهم قائلاً:

الغور أمامي مرسوم وصهيل صحاري الروم

أمسك قاع العالم، جذر العالم، خاصرة العالم

أعني مائي المقتول

أعني أشجار الموز وأعني قاع أريحا.

أنه يستذكر الانتصار الذي حققه الجيش الإسلامي على الروم بمعركة اليرموك عام 15هـ/637م، فغدا الغور قاع العالم الذي يشكل أكثر المناطق انخفاضاً وجذر العالم بعراقته التاريخية. يخضع للحكم العربي الإسلامي ليعود بذلك إلى أصحابه الشرعيين، وعادت معه مدينة (أريحا) بأرضها وبشجر الموز، فتعود بذلك عروبتها وحضارتها وتاريخها ومجدها. وبالإضافة إلى مدينة (أريحا) وأماكنها التاريخية، استحضر الشاعر أماكن تاريخية أخرى كان لها حضورها التاريخي في العهد الكنعاني (تل العاي) وهو تل كنعاني ويقع بين قريتي (بيتين) و(دير دبوان)، فقد دلت الحفريات التي أجريت فيه بأنه كان مسكوناً منذ (3100) سنة قبل الميلاد يقول الشاعر:

قالت إحدى الكنعانيات: هنا دمه

...

أَقْبِلْ يا أيل القربان على صخرة قرنطلنا

أو في تل العاي المنثور حجارته

أشم خلالخيل نساء جنين

يغنين عريساً في المنفى

جسداً مصفراً

يا دمه اللهب على حيطانك يا بيروت

فالشاعر يحذر من وقوع كارثة ستحل بسكان هذه الأرض، وسيمتد لهيبها إلى بيروت، ويعانق دمها دم الكنعانيات فيخرج صوتهن صارخاً يستغثن بالإله إيل ليحمي الوطن من هذه الكارثة، ويتجسد هذا الإله في صورة الإنسان الفلسطيني أو يحل جسد الفدائي الفلسطيني، فيكتسب قوة إضافية تمكنه من تحقيق النصر، سيما أن أرض المعركة واسعة على امتداد جنين وبيروت وأريحا، وهذه في حقيقتها دعوة لتطبيق مبدأ الوحدة العربية حتى تتمكن الأمة العربية من الانتصار على العدو الصهيوني.

وفي قصيدة "جفرا في سهل مجدو" استحضر فيها سهل مجدو كأثر تاريخي كنعاني، فقد كان أهم مناطق التمركز السكاني القديم عندما كان كنعان يمارس طقوسه الزراعية في أخصب المناطق السهلية حيث سهل مرج ابن عامر تحرسه قرية مجدو بخرائبها وبامتدادها التاريخي "ففي سهل مجدّو سطر الكنعانيون اسطورتهم وحولوها إلى واقع يومي في حضارة زراعية هي الأرقى في تاريخ المنطقة"، يقول الشاعر:

سأدندن أنشودة سهل مجدو

عودي

هذا عودي الأخضر فوق شفاه الكنعانيات

هذا درب البرقوق على خارطة مهترئة

هذا مفرق معصرة الزيتون

هذا أثر الثعلب في حقل الفناء

إن سهل مجدو فلسطينياً هو روح الزارع الكنعاني الأول في بنائه لحضارته، كما أن مشهد الكنعانيات بين حقولهن يتوزعهن البهاء والجمال والجلال في ربى سهل مجّدو الذي يُعد منجماً ثرياًّ لأساطير الخصب والعطاء، كما أن هذا المكان مشهد تجربة القضاء على الحضارة الكنعانية القديمة، كما وشهد أيضاً في الحقبة المعاصرة حركة استيطانية يهوديّة، هذا السهل "الذي شهد المرارات الفلسطينية الحديثة والكنعانية القديمة سيكون كما يقول العهد القديم مكاناً لمذبحة إنسانية كبرى، بل لمحرقة يختلط فيها كل شيء في مأساة إنسانية قادمة ستنذر باقتراب نهاية الحياة.. ففي سهل مجدو سيكون قربان الإنسانية الدموي"، ولذلك فقد جاء اختيار المناصرة لهذا المكان لينم عن "وعي كامل لبعدي الزمان والمكان، التاريخ الذي يدور دوراته الحلزونية ويكاد يجدد نفسه، والواقع المصادر ولكنه يضج بحلم التواصل، ثم قراءة المستقبل حيث تواصل البطل/ الشاعر مع حبيبته، مع وطنه، مع جفرا. وعودة الحياة في دورة جديدة من دورات العشق والعطاء.

من غابة كنعان

واوزع قافيتي وخيولي بين مجدّو... ومجدّو

في سهل مجدو يرتفع الكنعاني

سأخربش خجلي في هيئة أفعى

هكذا أبدى المناصرة اعتزازه بآثار أجداده الكنعانيين وما خل<فوه من تراث حضاري عريق، ليركض خلفها قائلاً:

تلك أثارهم

من يدل حبيبي على خطوهم

...

تلك آثارهم

إنني راكض خلفهم

...

لن يفهمني أحد غير العنب الدابوقي

يفهمني المرمر في المقلع والنقش السري

في سفح يقين القلب السابح في النهر الرقراق

قرب مغارات الأنباط على الجبل الشرقي

الأديرة الغرقي في قاع البحر الميت تفهمني

لقد كرر الشاعر في هذه القصيدة عبارة تلك آثارهم أربع مرات مؤكداً على ملاحقته لتلك الآثار من خلال التكرار الصوتي الدلالي بكلمة "خلفهم" قائلاً:

أنني راكض خلفهم

خلفهم خلفهم خلفهم

واستذكر الشاعر أيضاً حضارة الكنعانيين التي امتدت جذورها عبر التاريخ – كما ذكرنا في زراعة العنب الدابوقي، إضافة إلى استذكاره مقالع حجارة المرمر التي تشتهر بها بلدته بني نعيم والكائنة في سفوح جبل اليقين الذي أضفى على هذه البلدة بعداً تاريخياً ودينياً. كما استذكر أيضاً الأنباط العرب في البتراء وأديرة الرهبان الارثوذكس في مرتفعات البحر الميت والتي أشار إليها في إحدى قصائده بقوله:

هناك في السفوح الشرقية،

المطلة على البحيرة المقلوبة

كهوف ومغاور، مرتفعات للصقور

رهبان أرثوذكس

يتقاسمون الجنة في فلسطين

يبنون أديرة لخلوة الشتاء

يبدأون بالتفكير في خلق العالم

- كان هؤلاء الرهبان يقيمون بأديرة نحتت في الصخر وبمغاور وبكهوف معتزلين عن الناس يقرؤون الإنجيل متقربين لخالقهم ويتأملون قدرة الله في خلق البشر.

كنعان والبحر الميت:

ربط المناصرة بين كل من كنعان والبحر الميت الذي يمثل لدى الشاعر جد البحار وأحد الرموز الكنعانية وكتب التاريخ والأنثروبولوجيا والثقافة الشعبية، كما أن جذور كنعان ضاربة ومترسخة بأرض فلسطين، فكلاهما متلازمان يرمزان لعراقة الحضارة وقدم التاريخ، وقد ورد ذكر البحر الميت في النصوص المقدسة وكتب التاريخ والأنثروبولوجيا. ويكشف المناصرة عن علاقته الوطيدة بالبحر الميت، فبلدته (بني نعيم) المطلة على البحر الميت من الجهة الغربية ارتبطت بقصة لوط عليه السلام وخروجه من البحر الميت إليها، ولقائه مع عمه المبي إبراهيم في (جبل اليقين)، فيقول: "كنت أرى لوط يخرج كل ليلة من هذا البحر متوجهاً إلى بلدتنا حيث قبره هناك تاركاً عالمه القديم.

- يُعد (البحر الميت) أدنى قاع في العالم ملكاً للكنعانيين العرب وميراث أحفادهم الفلسطينيين، فكان نقطة ضوئية في الحضارة، وتوزع اللغة على العالم، فكانت برية البحر الميت بمآثرها ومشاهدها الطبيعية من كهوف ومغاور وتلال وجبال ووعول وخرائب ومراعِ تقف شاهدة على عراقة تراث أدبي وحضاري ونصوص ذهبية خلّفها الكهنة والملوك الكنعانيون، يقول المناصرة.

دائماً كان يزمجر قلبي

في برية البحر الميت

حيث المغاور والسلاسل والمنازل والوعول

تليها

تلال الملح

غابات قصب السكر

والمشمش البلدي

بعدها تتلألأ قصور الكنعانيين بفسيفسائها والكهرباء

تضيء خرائب روحي

دائماً

تأخذني فخامة البحر من أقصى شيخوختي

...

تعيد صباغتي بالأرجوان الكنعاني

تسيل في الشعاب مجروحة كالميجنا

حيث الرعيان يحرسون الليل بالأغاني

ثم قرع الطبول

والأدعية الطازجة في المنحدرات

عند صلاة الصباح في مسجد اليقين

عند مغارة الجبل حيث قطعت سرَّتي

حيث ولد مؤاب وولد عمون

يستحضر الشاعر في هذا المقطع العديد من المشاهد التاريخية والأثرية والدينية الموجودة في قريته وبرية البحر الميت، فهو يستذكر أهالي قريته وهم يتجولون في مرتفعات البحر الميت مع أغنامهم شتاء، يستأنسون ليلاً بالأغاني لطرد عتمة الليل. ويحرص الشاعر على أن يبين عراقة قريته، ففيها مسجد اليقين ومغارة لوط أو (مغارة يقين) الواقعة جنوبي (بلدة بني نعيم)، والتي يُقال بأن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) التقى عندها ابن أخيه لوط. وبالقرب من هذه المغارة ولد الشاعر، كما ولد أيضاً مؤاب عمون ابنا لوط.

ويربط الشاعر بين البحر الميت والخليل في كثير من المواضع، لما في ذلك من علاقة وطيدة بين المكانين، فقد قال: "ولنا صلات قربى ودم بالبحر الميت، وهناك قصص من آبائي وأجدادي عن ملح البحر الميت وسدوده ووعوله". فأجداده يمتلكون من أراضي تمتد من سفوح الجبال الغربية حتى سدود الملح عند البحر، وكان والده يرافق القافلة التي تذهب من البلدة فجراً إلى البحر الميت، حيث يحملون الحمير والبغال ما يصطاد وعلاً أو غزالاً أو شنانير من برية البحر الميت. إنه يحدد البحر الميت تحديداً جغرافياً ممتزجاً بشعور من الألم والحزن، فيقول:

عايرنه بأبجدية كنعان

عايرنه بمرآة الرمل

يقع البحر الميت بين برية كنعان

وجبال قلبي التي تصل الأرض بالسماء

منكسر الروح

مسجى كشهيد قديم جرحه أخضر

حين تدفقت الينابيع هاربة باتجاه الجبال

ثم عادت يوم جنازته للقاع

بهدوء الحوريات

الليل يعاتب البحر

فالبحر الميت يقع في برية كنعان، وهي برية القدس التي تعد برية الخليل امتداداً جغرافياً لها، وكانت أراضي بلدة الشاعر تمتد من كروم الجبال الغربية إلى ماء هذا البحر، فكان الماء فضاءً مفتوحاً باتجاه الأردن في الجهة الأخرى بعده. وكانت الجبال تبدو ملتصقة بالسماء كأنها نهاية العالم، ويرتبط البحر الميت مع أهالي الخليل بذكريات جميلة عندما كانوا يجمعون الرمل من شواطئه ليصنعوا منه الزجاج، فإذا رمل البحر مرآة ينعكس من خلالها عبق تاريخ الأجداد الكنعانيين الذين اخترعوا الأبجدية.

لقد أفرد المناصرة ديواناً كاملاً بعنوان "الخروج من البحر الميت" ليعكس من خلاله قصة لوط وخروجه من البحر الميت، مسقطاً هذه التجربة على الفلسطينيين، كمعادل موضوعي، مبيناً كيف خرجوا من الخيام إلى الثورة المسلحة. وقد عبر عن ذلك بقوله: "أخذت البحر الميت وقلبت المعنى السائد له معتمداً على فكرة الخروج التي وصفت في التاريخ والأساطير والأديان. وجعلت من معنى الخروج السلبي معنى إيجابياً، لقد كتبت الديوان تيمناً بخروج الشعب الفلسطيني من البحر الميت".

وقد حذر المناصرة الفلسطينيين من خطأ امرأة لوط التي نظرت خلفها لترى مشهد حرق سدوم وعمورة حيث أمطر الله عليها كبريتاً وناراً فتحولت إلى عمود من الملح. يقول:

أسمع طقطقة الأوهام على داري

وعواء امرأة في جوف البحر

عمود من ملح ثم يغيب

لقد أوحى الشاعر من خلال قصة لوط لمعان كثيرة، سيما أن القصيدة بجملتها تحمل معاني نكبة الفلسطينيين وتشردهم، فكان خروجهم من ديارهم يشبه قصة خروج لوط من المدن التي اندثرت وانمحت من التاريخ، تماماً كما حصل مع بعض المدن والقرى الفلسطينية التي اندثرت بعد حرب عام 1948م، فكان اندثار المعالم الجغرافية عاملاً مشتركاً بين قصة لوط ونكبة الفلسطينيين، ويبدي المناصرة تشاؤمه من المستقبل، فيقول:

بكينا طويلاً ولم يبك أعداؤنا مرة واحدة!!!

لقد جئتكم في دمي شهوة للغناء

لأعزف هذي التلال

ولمحت قبل مجيئي إليكم

خرائط للمدن الغارقات

حملت لكم من رمال الجزيرة قمحاً

وكوفية وعقال

حملت لكم من كتاب الأماني عظات

...

يا أهل الأرض أفيقوا من هذا النوم المزمن

لكن الناس اندمجوا في التطبيل

حيث انتصر البركان الأرعن

لقد حقق الصهاينة الانتصارات تلو الانتصارات دون أن يحقق العرب انتصاراً واحداً، فجاء الفلسطينيون يحملون معهم خرائط المدن والقرى التي اندثرت وأزال الصهاينة معالمها من على الأرض الفلسطينية، جاءوا يحذرون الأمة العربية بأن تأخذها مما حل بهم عبرة للمستقبل، جاءوا يستغيثون بهذه الأمة لأن تصحو من سباتها العميق، إلاّ أنها أخذت تنشر القصائد الوطنية عبر إذاعاتها تتغنى فيها بفلسطين وهو أمر لن يعيد المدن الغارقة، ولن يثني الصهاينة من الاستمرار في إزالة المعالم الجغرافية للبلاد. هكذا يبدي الشاعر تخوفه من تكرار قصة امرأة لوط على الفلسطينيين ليحولوا إلى عمود ملح سيذوب في بحر بشري عبر تشتتهم في البلاد العربية وغيرها، فينصهرون في بوتقتها، وتذوب هويتهم وشخصيتهم، فتضيع القصية.

كنعان رمز الوحدة:

ويتجلى كنعان رمزاً للوحدة بين فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، فكل منهما يشكل امتداداً للآخر، فيرى الشاعر أن في الأردن أمكنة تشع في الجسد، وتخلخله أحياناً كماء في واحة تفاجئ الظمآن، فمن يقف على تلة جبل نيبو بمأدبا يرى القدس، وفي غور الأردن يُشم رائحة الهشيم وصرير الجنادب، وفي السلط وعجلون جمال سحري تمنحه الجبال والغابات والوديان والطرقات الضيقة، وتلتقي نابلس والسلط بالجمال الفاتن للنساء فيهما، وترتبط الخليل وقراها بصلات الدم والقربى مع وادي موسى والبتراء والكرك والطفيلة ومعان والشوبك، ويتأسى المناصرة على ما حصل في جرش من نزاع بين الأخوة، فغدت عنده تعني عذابات الدم المراق بلا جدوى فمع أن البحر الميت يفصل جزئياً بين البلدين، غير أن كنعان يجمعهما. ويرتبط كلاهما بعلاقات حميمة توطدت خيوطها عبر التاريخ فكلاهما واحد ويعبر عن ذلك الشاعر بقوله:

يا قاع العالم

يا قاع الكنعانيين

...

يا جذر الكنعانيين الأسمر

يا جذع يبوس

لحمي من خاصرة البحر الشرقية

قلبي من خاصرة البحر الغربية

بينهما بحر من مطر خام

بينهما نهر من صلة الأرحام

- الشاعر هنا يحدد البحر الميت تحديداً جغرافياً دقيقاً، فيحدده من الشرق الأردن، بينما يحده من الغرب فلسطين، ويلتقي كلا البلدين برابطة دموية قوية تجعل من البحر الميت فاصلاً هشاً، فكلاهما بلاد كنعان ومن شجرة واحدة قبيلة يبوس الكنعانية، فإحداهما جذر هذه الشجرة والآخر جذعها، فلا حياة للجذع بدون الجذر ولا جذر بدون جذع، فكلاهما جسد بقلب واحد، فالأردن هي الجسد وفلسطين القلب، فلا حياة لجسد بدون قلب ولا وجود لقلب بدون جسد.

القبائل الكنعانية:

حرص المناصرة على أن يستدعي نسيجه الشعري الكثير من القبائل الكنعانية التي ارتبط وجودها بفلسطين كالعناقيين والعمالقة واليبوسيين، ففي قصيدته "غزال أبيض" استدعى فيها قبيلة العناقيين باعتبارهم البناة الأوّلين لمدينة الخليل، فيقول:

من جبل اليقين رأيت

كان (العناقيون)

يحملون أكياس القصل والشيد والحجارة الكريمة

يبنون مدينة تدعى "أربع"،

بل تدعى (خِلّْ إيل).

إنه يؤكد بأن العناقيين هم أول من أرسى أساس مدينة الخليل، فمنهم الذين بنوا قرية أربع التي حملت اسم الملك العناقي أربع، فوفقاً للمصادر التاريخية كانت منازل العناقيين تمتد من جنوب الخليل وحتى القدس، وكان الملك أربع أعظم رجل ظهر في قومه، وكانوا قد اشتهروا بطول قامتهم وبأسهم في الحروب.

- لقد بنى العناقيون الكنعانيون مدينة أربع بالقصل والشيد والحجارة الكريمة فكانوا يخلطون التبن (القصل) بالشيد الذي كانوا يستحضرونه من خلال عملية صهر الحجارة. وقد ورث الفلسطينيون المعاصرون أجدادهم الكنعانيين في طريقة بناء بيوتهم، إذ ما زالت بعض البيوت القديمة وبخاصة في مناطق القرى شاهدة على استخدام التبن والشيد في بنائها.

وهي الآن تحمل الخناجر

وأشياء أخرى لا يسمح بذكرها

خوفاً من الرقابة

- وفي قصيدته "قاع العالم" يستدعي المناصرة قبيلتي العمالقة واليبوسيين الكنعانيين ليؤكد تجذر الشعب الفلسطيني بأرضه، فإن اختلفت مسميات القبائل إلاّ أنها تلتقي بجذر واحد فكنعان هو جد العرب، يقول:

يا قاع العالم

يا قاع الكنعانيين

يا وقع خيول عمالقة جبال النور

...

يا جذر الكنعانيين الأسمر

يا جذع يبوس

فالعمالقة هم أصل العرب القدماء أي العرب البائدة، وكانت (بئر السبع) ، ففي عام 1956م عندما كان الفدائيون الفلسطينيون يدخلون الأرض المحتلة منذ عام 1948م انطلاقاً من قطاع غزة الذي كان يخضع للإدارة العسكرية المصرية، ويقومون بتنفيذ العمليات العسكرية، زارعين الرعب في نفوس اليهود مما جعلهم يختبئون بمنازلهم عند غروب الشمس، الأمر الذي دفع (بن غوريون) ليقول عنهم أمام البرلمان الإسرائيلي (هؤلاء أبناء العمالقة!!! هؤلاء أبناء العمالقة!!!). أما اليبوسيون فهم بناة القدس الأولون، وعرفت مدينة القدس باسم يبوس الاسم العربي الكنعاني نسبة إليهم. كما بيّن الشاعر امتدادات الفلسطيني المتصل بجذور حضارته الكنعانية بتجلياتها المختلفة وأدوارها المتعاقبة التي تعود كلها إلى جذور عربي واحد أصيل بغض النظر عن تسمياتها المختلفة فيقول:

جدي كنعان لا يقرأ إلاّ الشعر الرصين

يلعب الشطرنج أحياناً

يلاعب أحفاده.

يتشعلقون بفرسه البيضاء

أضف إلى ذلك جدتي

وهي من أهل هكسوسي

لكنها تزعم أنها نبطية

كانت ترعى بقر الوحش في بادية الشام

تكتب على القرميد الأحمر أشعاراً حزينة

- يسلط الشاعر في هذا المقطع الضوء على تاريخ المكان بصورة الجد كنعان الذي تميز بذوقه الراقي وحنانه وحبه وامتلاكه فرساً بيضاء تربط النقاء والصفاء بالجمال. أما جدته الهكسوسية والتي ربما كانت ممزوجة بدم نبطي، فقد قدم لها صورة في غلاف من الجمال تشير إلى مآسي الشعب الفلسطيني وأحزانه، غير أنها لم تكن صورة جديدة طالما مرت بأدوار انحسار مغطاة بالحزن والألم بل الدماء، غير أنه سرعان ما أن أعقبت هذه المآسي أدوار فرح وانتصار وعودة إلى الطريق الصحيح فتحولت المآسي إلى ذكريات حمراء خالدة تجدها في صورة شقائق النعمان التي تغطي أرض فلسطين كلها بأزهار الربيع. وفي قصيدته بعنوان "تحذيرات" يستدعي المناصرة القائد الفلسطيني الجبار جالوت الذي امتاز بقوة بأسه. ويستغيث المناصرة في قصيدته بجالوت قائلاً:

مولاي أنه زمن الروم

فليحذر الهكسوس والجبابرة

وليحذر العمالقة

جالوت يا جالوت يا جالوت

مولاي يا جالوت

قد نفقد الأشجار البيوت

قد نفقد الدروب والعيون

فلتحذر الطاغوت

- لقد كتبت هذه القصيدة بعد هزيمة حرب حزيران عام 1967م، فيصرخ الشاعر متمنياً مجيء جالوت جديد يمتلك الجرأة والقوة ليرعب العدو، ويعيد للعرب كرامتهم مكرراً نداءه لجالوت اربع مرات ما يدل على تردي حالة الأمة العربية بعد الهزيمة، فيحذر العرب من المستقبل، فالتهويد الصهيوني ليس مقتصراً على الفلسطينيين العمالقة والجبابرة، وإنما أيضاً للهكسوس المصريين المعاصرين ويستمر الشاعر في قصيدته مستغيثاً بجالوت مرة ثانية مبيناً حالة الانكسار للأمة العربية.

مولاي يا جالوت

قنديلنا انكسر

الطاولات جهزت لمؤتمر

من أجل أن يقتسموا الهواء

والقمح والحجر

والزيت والسراج

هل يتركون في ساحاتنا الشجر

بل يتركون في قلوبنا الضجر

ويتركون الجوع والجراد

ويتركون الخوف في البلاد

بل يأخذون الغابة الرؤوم والمطر

الطاولات يا مولاي جهزت لمؤتمر

إنه يحذر من التآمر على القضية الفلسطينية التي غدت تطرح على بساط البحث في مجلس الأمن الدولي ليصدر قرار رقم (242) الذي تجاهل حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

المؤابيون:

يعود تاريخ استقرار المؤابيين في فلسطين إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلاد، وكانت المملكة المؤابية قد تأسست في المنطقة الممتدة بين وادي الموجب والحسا في جنوب الأردن. وكانت لهجتهم كنعانية وثيقة الصلة باللهجات الكنعانية الأخرى. ويُعد حجر مؤاب أو ما يُعرف باسم مسلة ميشع من أكثر الرموز الحضارية التي تركها المؤابيون، وقد عثر عليه عام 1868م من قبل الألماني ف.أ. كلين في بلدة ذيبان قضاء مأدبا، ويتكون من (34) سطراً كتبها الملك المؤابي ميشع بن كيموش تخليداً لانتصاراته خلال الفترة ما بين (881 - 873) ق.م. واستهل ميشع السطور الثلاثة الأولى في الحجر بقوله: أنا ميشع بن كيموش ملك مؤاب/ أبي ملك مؤاب ثلاثين سنة وأنا ملكت/ بعد أبي واقمت بكركه هذا النصب لكيموش. تكمن قيمة هذا الحجر أنه سفر تاريخي وحضاري هام، ووثيقة تاريخية، ويقول المناصرة في قصيدته التي جعل عنوانها "حجر مؤاب"، حيث شاهده الشاعر أثناء زيارته لمتحف اللوفر:

حجر أسود من البازلت

(قيل طوله ثلاثة أقدام وثمانية قراريط ونصف

وعرضه قدمان وسبعة أعشار

وقيل فيه 34 سطراً من الكتابة الكنعانية المؤابية)

تلك احتمالات مفتوحة

يقبع منسياً ومهاناً في السجن

أربع وثلاثون نجمة ذهبية تلمع في ليل المؤامرات

هكذا يصف الشاعر حجم هذا الحجر وعدد سطوره التي تشع بالانتصارات المجيدة التي حققها المؤابي، غير أنه شتان بين اليوم والأمس فتحول عدد هذه الأسطر إلى سنوات، يقول المناصرة:

يمكننا أن نتصور أربعة وثلاثين انتصاراً

كل معركة في سطر

وربما كان في السطر معارك فرعية أخرى

تلك احتمالات مفتوحة

لقد جعل المناصرة من حجر مؤاب رمزاً للقضية الفلسطينية فإذا كان الحجر قد بيع للمستشرق وعالم الآثار الفرنسي كليرمون غانو (Clermont-Ganneau) (1846-1923) الذي اشتراه بثمن بخس، وقام بنقله إلى متحف اللوفر، فإن إسرائيل قد سيطرت على أرض فلسطين بدون ثمن.

باعه التجار الذين يجيدون القراءة والكتابة

بثمن بخس للمسيو كليرمون غانو

أو أن المسيو سرقه في وضح النهار

تلك الاحتمالات مفتوحة

لقد تم بيع هذا الحجر من قبل أشخاص جهله لا يعرفون قيمته التاريخية والحضارية، فنقله لمتحف اللوفر في وضح النهار دون أن يعترضه أحد. ويبدي الشاعر حزنه وألمه على حجر مؤاب، الوثيقة التاريخية الهامة التي أصبحت أسيرة بمتحف اللوفر بباريس بقاعه رطبة ليغدو تحفة ينظر إليها الزائرون:

الآن يقبع في القاعة الرطبة

...

يرقد مشرئب القلب في القاعة الرطبة

يتطلع في وجوه زوار متحف اللوفر

يسأل عن أحبابه القادمين من الشرق

يتصبب عرقه من الخجل، يتشقق فمه من العطس

أو يشنق نفسه من الغيظ

- لقدا غدا حجر مؤاب راقداً بقاعه رطبة بمتحف اللوفر بعد أن كان شامخاً بموطنه يباهى بانتصاراته وبتاريخه المجيد، إنه الآن حزين على هذا الماضي والتاريخ الذي ضاع هدراً علهي، فهو أسير لدى الغرب ليسأله زواره ممن جاءوا من المشرق ليقرؤوا سطور تاريخية العريق، غير أنه بات خجولاً أمامهم ليس من نفسه إنما منهم لأنهم لم يحافظوا على هذا التاريخ، فبات وهم ينظرون إليه يتصبب عرقاً من شدة القهر والغيظ الذي يغانيه. ويدعو المناصرة العرب بأن يتخذوا من تاريخ الموابيين عبرة وعظة ليقوموا بما قام به المؤابيون فيذكرهم بالانتصارات التي حققوها فيقول:

أين خيل مؤاب

انظروا النقش في حجر الانتصارات

- لقد بقيت هذه الانتصارات منقوشة ومحفورة على هذا الحجر لتبقى وثيقة تاريخية تنطق بمجد العرب وماضيهم العريق.

في دائرة عقارات الكنعانيين

نقشت مذابحه

في سجلات حجر الانتصارات

الأنباط:

يمثل تاريخ الأنباط وما تركوه من حضارة ما زالت مائلة حتى الوقت الحاضر، شاهداً على عمق التاريخ العربي وما قدمه العرب للبشرية من حضارة وتراث عمراني ضارب بأعماق التاريخ، فالأنباط عرب منهم من العرب العدنانية شكلوا الموجة العربية السامية الرابعة التي قدمت إلى مشارف الجزيرة العربية في نحو عام 500ق.م، واتخذوا من البتراء عاصمة لهم. وكانت التجارة والقوافل التجارية أهم ما ميز دولتهم، فالتجارة كانت أول حرفة اشتغلوا فيها فكانت عصب الكيان البشري النبطي، وكانت غزة أهم الموانئ التي تنقل إليها المتاجر النبطية للنقب وسيناء ثم إلى مصر، كما غدا النقب من أهم المراكز التجارية النبطية، وأنشئ العديد من المحطات التجارية على الطريق بين البتراء وغزة كالكرنت وعبده وخلاصة. وقد صور المناصرة انعكاس الازدهار الاقتصادي لمملكة الأنباط على مدينة القدس، فيقول:

أرقب قافلة الأنباط

أرقب سور الحرم وباب الأسباط

وكذلك علَّمني الوالد أن الأمكنة حنين نهرسه لكن يبقى

فاحفظ يا ولدي في قلبك بعضاً من ماء العين

تنفعك الذكرى حين يحوم على رأسك طير البين

في لحظة عدم من زمن الإحباط.

فبقدر ما يبدي الشاعر افتتانه بحضارة الأنباط وتاريخهم، يبدي ألمه وحسرته على هذا التاريخ الذي لم تحافظ عليه الأجيال فغدا مجرد حنين وذكريات تاريخية تتوارثها الأجيال في زمن اليأس والإحباط التي باتت تعيشها الأمة العربية بعد احتلال فلسطين، غير أنه لا يقطع الأمل في بعث الماضي المجيد لتعود فلسطين لمكانتها التاريخية ويعود مجد العرب فيقول:

آخر الليل، حتما تجيء الخليل إلى على شكل طفل يفخر فيّ، شقاوته

وأنا ساهم والمقاهي هنا علمتني السهر

قلتُ: أن الخليل رماد، ترون، ولكنها عندما يبلغ النهر أعلى الجبال

تكون الخليل

رعودّاً مجلجلة، ثم برقاً،

تكون الخليل شرر

قلتُ: أن الخليل صخور تثور وحور يرفرف

يحرس عين الخليل

ويستحضر الشاعر حضارة الأنباط وما تركوه من آثار ما زالت ماثلة حتى الوقت الحاضر لتقف شاهداً على حضارة العرب وتاريخهم المجيد، ففي قصيدته "علّواه" يقول المناصرة:

بين صخور الأنباط

كانت ترقبنا سراً خزنة فرعون الصخرية

خاوية من أي رصيد، تتباهى برسوم معاركها

فلماذا تتفرعن هذ الحمراء النائحة كموال نبطي كنعاني!!!

ولماذا الخيل ترمرم هذا الخشب الوردي

تلتهم بقايا عشب نشيد كنعاني

- لقد اكتسبت البتراء جمالها من كونها مدينة منحوته بالصخر ضمت العديد من المعالم العمرانية والدينية، كان من أهمها خزنة فرعون المزخرفة بالأعمدة الجميلة والرسوم البديعية كمعبد ضريح لأحد ملوك الأنباط، فغدت بسحر جمالها وهندستها تتوهج تحت أشعة الشمس الذهبية. غير أنها لم تعد سوى معلم حضاري بعد أن كانت رمزاً لبطولات انتصر فيها الأنباط، وبخاصة في عهدي ملكيها الحارث الثاني وابنه عبادة الأول الذي سطر انتصارات كبيرة سنة 90 ق.م. على (جينايوس) في معركة قانا على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. لقد أبدى الشاعر حزنه وألمه على التاريخ المجيد للأنباط العرب حتى تحولت الصخور الوردية إلى خشب ترمرمه الخيول وتلتهم بقايا عشب نشيد الكنعانيين. الأنباط أيضاً برعوا في إقامة السدود والخزانات وحفروا الآبار وأقاموا قنوات الري، فأنشاؤوا بساتين الكرمة.

وقد عبر (الشاعر) عن ذلك بقوله:

أو بعد النعمة تحت الاشجار المروية

قرب نقوش الأنباط

عنب يتجنس حمضيات... ونبيذاً مختوما بالأمكنة السحرية

...

ثم رويت بساتين الأنباط بأشعاري

ثم توددت لغمزتها المروية

...

يا عنب الأنباط المبهور

 
الخاتمة:

كان الشاعر عزالدين المناصرة مسكوناً بالكنعنة التي كانت السمة الرئيسة لشعره، وقد نجمت عن استحضار بارع من الشاعر للمكان عبر استحضاره للبعد التاريخي وإسقاطه على الواقع الراهن.

لقد جاء تعامل المناصرة مع الموروث الكنعاني منذ بدايات تجربته الشعرية عام (1962)، ويتضح ذلك بشكل جلي في قصائده الأولى بديوانه (يا عنب الخليل (1968)). واستمر على هذا المنوال في قصائد لاحقة ما جعل المناصرة يمتاز عن غيره من الشعراء العرب المعاصرين وبشكل خاص الفلسطينيين منهم بالقصيدة الحضارية الكنعانية، والقصيدة الرعوية الزراعية، ليجعل من التاريخ الكنعاني والحضارة الكنعانية شاهداً حياً على عمق ارتباطه وارتباط شعبه بالأرض من خلال كنعان الجد الأول للفلسطينيين، مؤسس الزراعة وباني  الحضارة الكنعانية في فلسطين، ليحقق من خلال ذلك تواصلاً بين الماضي والحاضر في جدلية تختفي بالتاريخ وتعبّر به مجازياً عن الواقع الراهن. ويبين أيضاً بأن الشعب الفلسطيني مرتبط بحضارة عريقة ضاربة جذورها بالأرض منذ القدم. وما زالت سماتها موجودة فيه حتى الآن. ولعل استخدام الشاعر للموروث الكنعاني والتراث العربي القديم بشكل عام لدليل على ثقافته العميقة، وصلته الوثيقة بذلك وقدرته الفائقة في التعامل مع هذا التراث.


 

قائمة المصادر

1.           القرآن الكريم

2.           الكتاب المقدس

قائمة المراجع

1.           أبو بكر، أمين مسعود، ملكية الأراضي في متصرفية القدس 1858 – 19418. عمان: مؤسسة عبد الحميد شومان، 1996.

2.           بودويك، محمد، شعر عزالدين المناصرة- بنياته، أبدالاته وبعده الرعوية، ، عمان، دار مجدلاوي 2006.

3.           جريدة الأسبوع الأدبي، العدد 793، 26 كانون الثاني 2002.

4.           جريدة الدستور الأردنية، 13 كانون ثاني 2012.

5.           الحوت، بيان نويهض. فلسطين (القضية – الشعب – الحضارة) التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى 1917. د.م: دار الاستقلال للدراسات والنشر، 1991.

6.           الدباغ، مصطفى مراد. بلادنا فلسطين. 10ج. كفر قرع: دار الهدى 2002.

7.           رضوان، عبدالله (محرر)، امرؤ القيس الكنعاني -  قراءات في شعر عز الدين المناصرة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999.

8.           شاعرية التاريخ والأمكنة، حوارات مع الشاعر عزالدين المناصرة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999.

9.           شوفاني، ألياس، الموجز في تاريخ فلسطين السياسي (منذ فجر التاريخ حتى سنة 1949)، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1996.

10.        عباس، إحسان، بحوث في تاريخ بلاد الشام، تاريخ دولة الأنباط.، عمان، دار الشروق، 1987.

11.        عجلوني، أحمد، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم، بيت الأنباط، البتراء، 2003.

12.        عمرو، عايد، حوار مع عز الدين المناصرة. مجلة كنعان. الطيبة، العدد 114، تموز، مركز إحياء التراث العربي، 2003.

13.       عليان، حسن (محرر)، عزالدين المناصرة هوميروس العرب، عمان، 2011، دار الراية للنشر والتوزيع.

14.        غانم، محمد الصغير، التوسع الفينيقي في البحر الأبيض المتوسط، دمشق، ، دار النمير، 2003.

15.        أبو لبن، زياد (محرر)، (غابة الألوان والأصوات في شعر المناصرة)، عمان، دار اليازوري للنشر والتوزيع، 2006.

16.        محافظة، علي (محرر)، القدس عبر التاريخ، أربد، 2001.

17.        محمد، سيد عبدالغني، التاريخ السياسي للجمهورية الرومانية، الإسكندرية: د.ن، 2005.

18.       المناصرة، عزالدين، الأعمال الشعرية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001.

19.       ______ (جفرا الشهيدة، وجفرا التراث) – قراءات في الثقافة الشعبية بفلسطين. عمان: الصايل للنشر والتوزيع، 2014.

20.       _____ جمرة النص الشعري. عمان منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، 1995.

21.       _____ فلسطين الكنعانية – قراءة جديدة في تاريخ فلسطين القديم. عمان: دار البركة للنشر والتوزيع، 2009. طبعة ثانية، الصايل للنشر والتوزيع، 2014.

22.       _____ لا استطيع النوم مع الأفعى – حوارات مع الشاعر الفلسطيني الكبير عزالدين المناصرة. عمان: دار مجدلاوي، 2010.

23.       _____ يتوهج كنعان – مختارات شعرية. عمان: دار ورد للنثر والتوزيع، 2008.

24.        موسى، إبراهيم نمر. آفاق الرؤيا الشعرية – دراسات في أنواع التناص في الشعر الفلسطيني المعاصر. رام الله: وزارة الثقافة، 2005.


*  مجلة (مجمع القاسمي – فلسطين – 48) العدد السابع، 2013.

([1] ) عزالدين المناصرة، فلسطين الكنعانية، قراءة جديدة في تاريخ فلسطين القديم، دار البركة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص41. صدرت ط2 عن الصايل للنشر والتوزيع، عمّان، 2014.

([2] ) ن.م، ص7.

([3] ) عزالدين المناصرة، جمرة النص الشعري، منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عمان، 1995، ص384.

([4] ) عزالدين المناصرة، لا استطيع النوم مع الأفعى – حوارات مع الشاعر الفلسطيني الكبير عزالدين المناصرة، دار مجدلاوي، عمان، 2010، ص88.

([5] ) شاعرية التاريخ والأمكنة، حوارات مع الشاعر عزالدين المناصرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص494

([6] ) ن.م، ص678.

([7] ) المناصرة، لا استطيع النوم مع الأفعى، ص88.

([8] ) شاعرية التاريخ والأمكنة، ص119.

([9] ) ن.م، ص595.

([10] ) ن. م، ص594.

([11] ) المناصر، لا استطيع النوم مع الأفعى، ص206.

([12] ) شاعرية التاريخ والأمكنة، ص531.

([13] ) ويُلاحظ أن قصيدة (نشيد الكنعانيات) من أكثر القصائد التي اشتملت على كلمة كنعان. إذ بلغ عدد الكلمات الكنعانية فيها ست عشرة كلمة، وقد شكلت نسبة (10.66%) من إجمالي عدد الكلمات البالغة (150) كلمة، وتليها قصيدة: (يتوهج كنعان) التي بلغ عدد الكلمات الكنعانية فيها إحدى عشرة كلمة ونسبة ذلك (7.33%) من العدد الكلي للكلمات الكنعانية. بينما بلغ عدد الكلمات الكنعانية في قصيدة (في أعالي كنعان) ثماني كلمات ونسبة ذلك (5.33%) وتساوت كل من قصيدة (تقبل التعازي في أعلى منفى) وقصيدة (عاصفة من فلفل أكحل) إذ بلغ عدد الكلمات في كل منها سبع كلمات. وبلغ عدد الكلمات الكنعانية في قصائد (مذكرات البحر الميت) و(دموع الكنعانيات) و(فراشات متوحشة) ست كلمات. وبلغ عدد الكلمات الكنعانية في قصيدتي (لا تغازلوا الأشجار حتى نعود) و(سجلات البحر الميت) أربع كلمات، بينما بلغ عدد الكلمات في ثلاث قصائد ثلاث كلمات، وفي ست عشرة قصيدة بلغ عدد الكلمات كلمتين وكلمة واحدة في إحدى وثلاثين قصيدة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد حمل ديوانان من دواوين المناصرة عناوين كنعانية هما ديوان كنعانياذا وديوان رعويات كنعانية وقد بلغ العدد الكلي من قصائد  هذين الديوانين ثماني وخمسين قصيدة ونسبة ذلك (31.35%) أما عدد القصائد التي كانت عناوينها كنعانية فقد بلغت (سبع قصائد) إضافة إلى لوحة شعرية بعنوان حجر كنعاني.

([14] ) المناصرة، لا استطيع النوم مع الأفعى، ص207.

([15] ) المناصرة، فلسطين الكنعانية، ص132.

([16] ) عزالدين المناصرة، الأعمال الشعرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص2001، ص211.

([17] ) ن.م، ص429 – 430.

([18] ) جمرة النص الشعري، ص340.

([19] ) أمين مسعود أبو بكر، ملكية الأراضي في متصرفية القدس 1858 – 1918، مؤسسة عبدالحميد شومان، عمان، 1996، ص441.

([20] ) شاعرية التاريخ والأمكنة، ص591.

([21] ) حسن عليان (محرر)، (عزالدين المناصرة هوميروس العرب)، دار الراية للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص66.

([22] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص491.

([23] ) المناصرة، فلسطين الكنعانية، ص164.

([24] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص211.

([25] ) محمد الصغير غانم، التوسع الفينيقي في البحر الأبيض المتوسط، دار النمير، دمشق، 2003، ص20. سيد عبدالغني محمد، التاريخ السياسي للجمهورية الرومانية، الإسكندرية، 2005، ج1، ص331.

([26] ) غانم، التوسع الفينيقي، ص21. والمناصرة: فلسطين الكنعانية.

([27] ) عليان، (عزالدين المناصرة هوميروس العرب)، ص283.

([28] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص435 - 436.

([29] ) غانم، التوسع الفينيقي، ص26.

([30] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص27-28.

([31] ) الكتاب المقدس، العهد القديم، دار المشرق، بيروت، 1983، سفر التكوين، الإصحاح الثالث عشر، 14–15.

([32] ) نسبة إلى بلدة بني نعيم الخليلية، مسقط رأس الشاعر.

([33] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص29.

([34] ) ن.م، ص29-30.

([35] ) عزالدين المناصرة، الجفرا، ص128.

([36] ) ن.م، ص137-138.

([37] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص26.

([38] ) امرؤ القيس الكنعاني -  قراءات في شعر عز الدين المناصرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص140.

([39] ) المناصرة، انظر: فصل (شعرية العنب الخليلي: مقاومة ونبيذ أحمر) في كتابه: (جفرا الشهيدة، وجفرا التراث)، الصايل للنشر والتوزيع، عمّان، ط3، 2014، ص132.

([40] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص593.

([41] ) المناصرة، جفرا الشهيدة، وجفرا التراث، ص133.

([42] ) المناصرة، الأعمال الشعرية، ص467.

([43] ) ن.م، ص466.