كيف عرفت الدكتور عبدالمجيد الإسداوي؟(1) بقلم: أبوالحسن الجمال
تاريخ النشر : 2018-05-16
كيف عرفت الدكتور عبدالمجيد الإسداوي؟(1) بقلم: أبوالحسن الجمال


                 كيف عرفت الدكتور عبدالمجيد الإسداوي؟(1)
ذكرياتي معه .. بمناسبة بلوغه سن الستين (5 أبريل 1958- 5 أبريل 2018)
                                                                           بقلم/ أبوالحسن الجمال
       عرفت الدكتور عبدالمجيد الإسداوي قبل ربع قرن تقريباً بعدما التحقت بكلية الآداب جامعة المنيا قسم اللغة الإنجليزية، وكنت دائم المكوث بين أروقة قسم اللغة العربية.. أتابع دروس الأساتذة الكبار بهذا القسم العريق، الذي عمل به كبار الأساتذة في الأدب واللغة منهم: عبدالحميد إبراهيم، ومحمد عويس، ورجاء عيد، ومصطفى مندور، وقد سعدت بحضور دروس   أستاذنا العلامة الدكتور الطاهر أحمد مكي واستمتعت بتدريسه لكتابيه "دراسة في مصادر الأدب"، و"مع شعراء الأندلس والمتنبي" وهو ترجمة لكتاب المستشرق الأسباني "إمليو غرسية غومس" Emilio García Gómez ثم كنت أتابع دروس الناقد الكبير على البطل رحمه الله، ومحاضرات أستاذنا العلامة أحمد السعدني أستاذ النقد الأدبي- أمد الله في عمره- وتعرفت أيضاً على الدكتور حماد حلوة -رحمه الله- وهو من كبار أساتذة الدراسات الإسلامية، وكان خلوقاً يذكرك بأولياء الله الصالحين، كما تعرفت على أستاذنا العلامة محمد صادق الكاشف أستاذ الأدب العربي؛ وهو درعمي أصيل، حصل على الليسانس والماجستير والدكتوراه من كلية دار العلوم بالقاهرة، وكان متواضعاً جم التواضع، وكنت استعير منه بعض الكتب النادرة التي لا تتوافر في مكتبة الكلية، مثل: كتاب "اللغة العربية بين حماتها وخصومها"، وكتاب "المعارك الأدبية" وكليهما للأستاذ أنور الجندي، وكان أستاذنا الكاشف صديقا له يلتقيه على فترات حتى رحل أستاذنا أنور الجندي في مطلع عام 2002.
      كما تعرفت أيضاً على صديقي الخلوق ياسر عطية الصعيدي (الأستاذ الدكتور فيما بعد)، وكان وقتها معيداً بالقسم، وكان دمث الخلق، يتبسط معي في الحديث.. كنت ألتقيه في المكتبة، وكنا نتجاذب معاً أطراف الحديث، وظللنا على هذا حتى حصل على درجة الماجستير سنة 1996، وابتعث إلى أسبانيا في جامعة مدريد المركزية "الكوملبتنسي"، وانتقطعت أخباره عني، بعدها تخرجت وعملت بالقوات المسلحة ضابطاً احتياطياً لمدة خمس سنوات، وتجددت العلاقة بيننا - بعد حوالي 20عاماً، حينما وجدت له حساب على "الفيس بوك"، وراسلته فتذكرني- بعد أن انتقل آداب المنوفية أستاذ للدراسات الإسلامية- إذ التقيته في مدينة المنيا مرتين خلال عام 2017، ولا يمر أسبوع دون أن اتصل به..
    وكان بالقسم ابن خال لي، وهو نفس دفعتي، وكنا معاً منذ المراحل التعليمية المختلفة، ووجدت معه كتاباً عن "الأدب في صدر الإسلامي"..وكتاباً آخر بعنوان "الأرجوزة بداياتها وخصائصها الموضوعية والفنية من الجاهلية حتى نهاية القرن الثاني الهجري"، فأخبرني أن الكتاب الأول مقرر علينا، وأما الثاني فقد أهدانا صاحبه مجاناً لكل طلاب الدفعة، واستغربت حيث كان مطبوعاً طبعة فاخرة في إحدى المطابع بمدينة الزقازيق..
     كان صاحب الكتابين هو الدكتور عبدالمجيد الإسداوي مدرس الأدب العربي القديم بالقسم، والذي حصل على الدكتوراه منذ عامين من كلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة 1992، وذلك بإشراف الأستاذ الدكتور محمد مصطفى هدارة (1930-1997)، فسعيت إلى لقائه ..وكنت قد انتهيت من قراءة كتاب "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" للأستاذ الدكتور محمد محمد حسين (1912- 1983)، وحاولت أن احصل على ترجمه له وكذلك قراءة كتبه الأخرى، فذهبت إلى الدكتور أحمد هريدي (1942- ....) فأحالني إلى كتاب "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة.
      ثم التقيت الدكتور عبدالمجيد أمام مدخل المكتبة العامة لكلية الآداب، ويلتف حوله رهط من الطلاب، وحاولت التزاحم حتى اتخذت مكاناً قريباً منه، وسألته عن الدكتور محمد محمد حسين، فرد علي في الحال ولم ينهرني وقال "بعدين"، أو يقول لي "في الشارع" كما فعل غيره، وإنما رد علي وهو في غاية السعادة، وقال لي إن  الدكتور محمد حسين كان أستاذاً للأدب العربي في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وهو من تلامذة طه حسين ثم انقلب عليه ورد عليه في عنف في كتابه "الاتجاهات الوطنية"، ومن كتبه الأخرى:"الهجاء والهجَّاؤون في صدر الإسلام، وهذا الكتاب جزء من بحثه في (الدكتوراه) وله أيضاً "الهجاء والهجَّاؤون في الجاهلية"، و"شرح وتعليق على ديوان الأعشى الكبير، ثم شجعني لألتقيه في مكتبه بعد بضعة أيام، فأعطاني صورة مقال للدكتور محمد بن سعد بن حسين المنشور في مجلة كلية اللغة العربية بالرياض، والمقال بين ركام الكتب التي تزدحم بها مكتبتي الخاصة.
      وبعدها بأيام التقيته في مبني الجامعة حيث كان عائداً من كلية التربية بعد انتهاء محاضرته عائداً إلى كلية الآداب وهي خارج الحرم الجامعي، وتبعد عنها بحوالي واحد كيلو متر، وأهداني أول كتابين من تأليفه، وهما: "شعراء مغمورون في الجاهلية والإسلام"، وكتاب "مع الفقهاء الشعراء"، وقد صحبته في الطريق إلى كلية الآداب وتجاذبنا معا أطراف الحديث حول رحلته مع الأدب، والظروف التي دفعته للتعيين في جامعة المنيا بعد أربعة عشر عاماً قضاها في العمل مدرساً بمدارس التربية والتعليم، ثم عمله بدار المعلمات بالقطيف بالسعودية بعد حصوله على الماجستير عام 1987 من كلية الآداب جامعة الزقازيق في رسالة بعنوان "الأرجوزة بداياتها وخصائصها الموضوعية والفنية من الجاهلية حتى نهاية القرن الثاني الهجري" بإشراف الدكتور أحمد الهواري.. وهي الكلية التي حصل منها على درجة الليسانس عام 1980، وحكي ذكرياته مع أعلام الفكر والأدب وأساتذته الذين تلقى عنهم العلم، ومنهم: الطاهر أحمد مكي، وأحمد كمال زكي، وأحمد الهواري، ومحمد مصطفى هدارة، وكان يتمهل الخطي كي يكمل معي الحديث ولكننا وجدنا أنفسنا فجأة أمام الكلية، وافترقنا..
 في صحبة الأدهم:
      اقترب الدكتور عبدالمجيد الإسداوي من الصحافة منذ بواكير حياته يطالعها في كل صباح، ويشترى معظم الصحف التي تصدر، وهي عادة تلازمه حتى اليوم، فعندما أزوره أجد عنده الأخبار والأهرام والمصري اليوم، كما يطالع المجلات الشهرية مثل مجلات: الأزهر، والوعي الإسلامي، والعربي، والمجلة العربية، والفيصل والدوحة ..وقد شارك بإسهاماته في بعص هذه الإصدرات.. فنشر في الفيصل، والمجلة العربية، ومجلة العرب، لصاحبها حمد الجسر العديد من البحوث الضافية حول الأدب القديم .. وفكر أن يجعل له مطبوعته الخاصة لينشر فيها مقالاته وخواطره وأشعاره، وكذلك مقالات زملائه وإبداعات تلامذته التي يراجعها ويقيمها ويوجهم نحو الطريق الأمثل، فكانت مجلة "الأدهم" وسبب تسميتها أنه كان رائداً لأسرة الأدهم في الكلية، فاستعار اسمها لمجلته الوليدة التي كان يطبعها على نفقته الخاصة، وقرر أن تكون على غرار المجلات الأدبية العريقة مثل: الرسالة، والثقافة، والثقافة الجديدة، ولم يقتصر فيها النشر على البراعم الصغيرة وإنما تعداها إلى كبار الأساتذة، فنشر فيها الدكتور أحمد السعدني، والمرحوم د.علاء عيد العسقلاني، ود.علاء الحمزاوي..
      ونشرت في الأدهم أول مقال في حياتي وهو دراسة عن الإمام ابن كثير الدمشقي (701-774هـ) وكنت مغرما به في هذه الأيام حيث قرأت تفسيره، وتاريخه المسمى بـ"البداية والنهاية" في ثمانية مجلدات، وكتاب "اختصار علوم الحديث"، وكانت الكتابات حوله ضئيلة وخصوصا في مصر، وظهر بعد ذلك سيلاً من الكتب والرسائل العلمية التي تناولت جهوده في مجال التفسير والحديث والتاريخ والعقيدة.. ومن حبي فيه أعددت عنه كتاباً بعنوان "ابن كثير حياته وعصره وآثاره" في حوالي 100ورقة فولسكاب ومازالت مخطوطة عندي، وقد أعدت فيه النظر بعد ذلك سنة 2011، مستفيداً من قراءاتي المتشعبة، وكتبته من جديد علي الكمبيوتر وخرّجت مواده وأخباره، وأستفدت من طبعات كتبه الأخرى، والتي ظهرت بعد ذلك وكانت مخطوطة وقت كتابتي الأولى مثل: التكميل، وطبقات الشافعية، وجامع المسانيد..وغيرها ..    وظهر المقال وقد لاقى استحساناً من زملائي وأساتذتي، كما كتبت في الأدهم مقالي الثاني "الشيخ الغزالي ..الداعية المثالي صاحب الهموم" بمناسبة رحيله المفاجيء في هذا التوقيت وكنت مغرما به، وقد قرات معظم كتبه في مكتبة قسم الدراسات الإسلامية بالكلية، ووجدته إماماً مجددا أدي رسالته بإقتدار وتفاعل مع قضايا أمته بضمير حي وفكر ثاقب واجتهاد مثمر..وفي هذا العدد ظهر مقال "اللغة العربية من وجهة نظرة فرنسية" كتبه مدرس لعلم اللغة بالقسم كان عائداً لتوه من مهمة علمية بفرنسا، وقال فيه أن اللغة الفرنسية تمتلك نظاماً زمنياً أقوى منه في العربية، ورد عليه الدكتور الطاهر أحمد مكي في ملحق الأهرام، وما قابلت أحد في القسم إلا وانتقد ما ورد في المقال ولكنه يخشى التصريح حتى يغضب زميلهم الذي يفتخر بأن (إيده طايلة) ويعرف فلان بيه وفلان باشا...وقررت أن امتشق حسامي واكتب مقالاً أرد فيه على هذه المقال، وجاء تحت عنوان "حالة اللغة العربية في مصر مقارنة باللغات الأجنبية"، وظهر بانتهاء العام الدراسي وكنت في السنة الرابعة وحصلت على الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها سنة 1998، وفي أول زيارة للدكتور عبدالمجيد في استراحته بالمدينة الجامعية، وبعد أن استقبلني وقدم لي المشروبات، رأيته مطرقاً، ثم قطع صمته قائلاً:
  هل جاءك أحد يستدعيك للتحقيق في الأيام الأخيرة؟
فقلت له: لا ..خيراً
فقال لي: يا سيدي ..لقد انفعل صاحب مقال "اللغة العربية من وجهة نظر فرنسية"، وهدد ووعد وقرر أن يبلغ عنك النيابة والأمن .. لولا أنني توسلت إليه ورجوته وهو يتمادى وأكتفى بالشكوي لرئيس الجامعة وعميد الكلية ورئيس قسم اللغة العربية، وصدر العدد الأخير الذي أعلن فيه الدكتور عبدالمجيد احتجاب "الأدهم" كما فعل الزيات قبل 45 عاماً حينما أعلن احتجاب الرسالة، وكانت خسارة كبيرة للحياة الأدبية، وقد كشفت مجلة الأدهم – رغم عمرها القصير- عن العديد من المواهب في الشعر والقصة والمقالة الأدبية والخاطرة والحوار ...وقد حاول الدكتور عبدالمجيد بعث الأدهم ولكن ظروف سفره وضيق وقته وتنقله الأسبوعي بين الزقازيق والمنيا وإشرافه ومناقشته للعديد من الرسائل العلمية – حالت دون ذلك.
     وتخرجت من الكلية وحصلت على ليسانس اللغة الإنجليزية وآدابها سنة 1998، ولم تنقطع صلتي بالدكتور عبدالمجيد الإسداوي، وكنت أزوره في القسم وفي استراحته، وزرته مراراً في منزله بالزقازيق، وأهداني كل كتبه التي صدرت، وعندما دعيت للتجنيد نصحني بالرغبة في الضباط الاحتياط وبالفعل أخذت بنصيحته، وكانت علامة فارقة في حياتي.. انتشلتني من السذاجة والقروية إلى عالم أرحب بالمسئولية والانضباط والشجاعة في طرق الأبواب، وأن لا أهاب أحداً، ولم اكتف بالثلاث سنوات، ولكنني جددت أكثر من عام رغم قسوة الحياة العسكرية، واستفدت من التجربة، وأفادتني في حياتي المدنية بعد ذلك، ومازلت إلى اليوم، وأدين لهذه الفترة بالفضل للدكتور عبدالمجيد، واقتربت من تاريخنا العسكرية ومن قادتنا الذين اشتركوا في حروب مصر المختلفة، ولم اكتف بهذا بل ذهبت إلى كبار قادتنا من أمثال: الفريق يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاه في حرب أكتوبر 1973، واللواء أح محمد الفاتح كريم قائد اللواء الثاني مشاة في حرب اكتوبر، أجريت معهم الحوارات وأفتخر بالانتساب إليهم..