توأم الحرمين بقلم:د. طاهر عبد المجيد
تاريخ النشر : 2018-05-16
توأم الحرمين
د. طاهر عبد المجيد


منذُ التقيتكِ صورةً بخيالي
وفرحتِ بي وسأَلتِ عن أحوالي

ما عُدتُ أعرفُ كيف أمسك أدمعي
وأرتبُ الكلمات في أقوالي

ما عُدتُ أعرفُ ما أُريدُ وما الذي
لا أستطيع وما عليَّ ومَالي

وشعرتُ أنِّي لم أعدْ من يومها
وحدي أنا المسؤولُ عن أفعالي

وكأنَّني قلمٌ تُحركهُ يدٌ
مغلولةٌ بتذَّكرِ الأغلالِ

أَتُرى الزمان أعادني لطفولةٍ
ما عشتُها من قبل كالأطفالِ؟

أم أنَّ طيفَ الحبِّ أشعلَ ثورة
في داخلي كي ينجز استقلالي؟

منذُ التقيتكِ لم تغادرْ مُقلتي
قسماتُ وجهِ الشمسِ في الآصالِ

إنِّي أراها نمتُ أم أنا لمْ أنمْ
وخطرتِ أمْ لمْ تخطري في بالي

وكأنَّما نُقِشَتْ لوجهكِ صورةٌ
في مُقْلَتِي كالنَّقشِ في الصلصالِ

يا توأمَ الحَرَمينِ كيف سنلتقي
والموتُ ينصبُ خيمةً بِحِيَالي

كم من طريقٍ عنكِ حين سألتهُ
لمْ يكترثْ وأجابني بسؤالِ

وأبى الزمانُ بأن يجيب مبرراً
عدم الجواب بكثرة الأشغالِ

من يومها وأنا أُفكر ما الذي
في وسعهمْ أن يفعلوا أمثالي

فَلْتَعذريني لو أخذتُ لمرةٍ
بنصيحةِ الشهداءِ والأبطالِ

لمْ تترك الأيام لي من فرصةٍ
إلا ركوب الموت والأهوالِ

هي طلقة ٌفي القلب تفصلُ بيننا
وستنتهي آمالنا بوصالِ

أنا ملءُ قلبي يا بلادي عاشقٌ
والعشقُ حتى الموت بعض خصالي

فتزيَّني بالياسمين وبالندى
وتهيئي يا قدسُ لاستقبالي

هذي نجوم الليل تطرحُ نفسها
في راحتيك جواهراً ولآلي

والشَّمس ترمُقها بمقلةِ حاسدٍ
وتقول: آهٍ لو تقولُ تعالي

لا تظلميها إن أشرتِ لها ولمْ
تُسرعْ إليكِ مُجيبةً في الحالِ

هي هكذا الأنثى تُغلِّفُ حبَّها
ومُرادها بتمنُّعٍ ودلالِ

ولْتَزرعيها وردةً محظوظةً
في شَعْركِ المنسابِ كالشَّلالِ

أو فامنحيها نظرةً تسعى بها
بين الشُّموس بعزةٍ وجَلالِ

أنتِ الجمالُ جميعه فتبرَّعي
بالنِّصف للحُسَّادِ والعُذَّالِ

ولْتَجعليه على الجمال ضريبةً
سنويةً كضريبة الأموالِ

ما ضِيْمَ يوسف في غياهبِ سجنهِ
لو لمْ يكنْ ذا عِفِّةٍ وجمالِ

***
لكِ يا شغافَ الروح أن تتخيَّلي
كمْ بيننا من أبحرٍ وجبالِ

وكم انتظرتُ على رؤوسِ أصابعي
كمُعَلَّقٍ من رأسه بحبالِ

حيناً أقولُ لعلَّ قصةَ حبِّنا
كُتبتْ لشمسٍ في السَّما وهلالِ

وأقولُ حيناً: لا سيضحك حظُّنا
يوماً لنا أو في الصباح التالي

وأرى الزَّمان وقد أتى بجنودهِ
ليذوِّبَ الأبعاد تحت نِعالي

حتى سئمتُ الانتظار وعاد لي
أملي الوحيد ممزق الأسَمَالِ

وبدأتُ أبحثُ عن خيارٍ آخرٍ
فوجدتهُ يشكو من الإهمالِ

فَلْتَمنحيني الآن آخرَ فرصةٍ
لأراجع التاريخ بِضْعَ ليالِ

ولأجعلنَّ اليأسَ ييأسُ قَبْلَنا
ويموتُ منتحراً بغير قتالِ

ولأجعلنَّ الخوف يخشى ظلَّهُ
ويذوقُ طعم الخوف والإذلالِ

ولأجعلنَّ الصبرَ يفقدُ صبرهُ
فينا ولا يدعو إلى استمهالي

مهما تمادى المستحيلُ سنلتقي
في هذه الدنيا ولو كظلالِ

إنْ شاءَ لي هدم الجبال هدمتُها
ونقلتُ ماء البحر بالغربالِ

أو شاءَ لي جمع النجوم جمعتُها
متسلقاً ظلاً لحبلٍ بالِ

أنا لا أريدُ سوى اللقاء وبعدهُ
فليأخذوا عمري فلستُ أُبالي

وستعرفُ الأيامُ بعد لقائنا
أنِّي بهذا القول لستُ أُغالي

أنا لستُ ممن يخذلون وعودهم
ويُمرِّغونَ القول في الأوحالِ

في موكب الشهداء جئتكِ راكباً
شوق المحبِّ إلى الحبيب الغالي

فإذا وصلتُ فعانقيني ساعةً
حتى تدبَّ الروحُ في أوصالي

ويكون في وسعي الوصولُ بقبلةٍ
ليديكِ يا ذاتَ الجَبينِ العالي

آتٍ إليكِ على أكفِّ أَحبَّتي
كسحابةٍ تعبتْ من التِّرحالِ

آتٍ بقلبٍ ما ذُكرتِ أمامهُ
إلا انتشى واهتزَّ كالزِّلزالِ

يا قدسُ يا وجع القلوبِ ونبضِها
يا مُلتقى الأرواح والآمالِ

سيلومكِ الشهداء إنْ لم تنسجي
من هذه الأرواح أجمل شالِ

لكِ أنتِ أن تتخيري بإشارةٍ
مَنْ شئتِ مِنَّا قبل كلِّ نزالِ

ولكِ القلوبُ قلائداً وأساوراً
ولكِ العيونُ تَصِلُّ في خلخالِ

هيا البَسِيها كي تُضيفَ لحُسنها
حُسناً وتُصْبِحَ مَضْرِبَ الأمثالِ

ما السِّرُ فيكِ وفي هواكِ فكلُّ من
يهواكِ يغشى الموت باستبسالِ

وأراه يُنهي في هواكِ حياته
بيديهِ قبل نهاية الآجالِ

وكأنَّ هذا الموتَ فيكِ وسيلةٌ
كي تلتقي الأجيالُ بالأجيالِ

هذا زمانُ المعجزاتِ فحاولي
أن تُنجزي ما شئتِ من أعمالِ

زمنٌ بوسعكِ أن تنالي قلبهُ
بالعزمِ أو بالعلمِ أو بالمالِ

فتخيَّري ما شئتِ من أدواتهِ
ثُمَّ ابحثي عن ساحةٍ لنضالِ

«فإذا هي اجتمعتْ لنفسٍ حرةٍ»
لمْ يبق شيء يُشتهى بِمُحالِ