ورقة موقف بشأن القرار بقانون رقم (9) لسنة (2018) بشأن محكمة الجنايات الكبرى
تاريخ النشر : 2018-05-13
ورقة موقف بشأن القرار بقانون رقم (9) لسنة (2018) بشأن محكمة الجنايات الكبرى والقرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) بشأن الجرائم الالكترونية

    المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"
بعد أن وقفنا على القرار بقانون رقم 9 لسنة 2018 بشأن محكمة الجنايات الكبرى الصادر بتاريخ 03/05/2018 الذي جاء بديلاً عن القرار بقانون رقم 24 لسنة 2017 بشأن محكمة الجنايات الكبرى والقرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية الصادر بذات التاريخ والذي جاء بديلاً عن قرار بقانون رقم (16) لسنة (2017) بشأن الجرائم الالكترونية، وبعد أن اطلعنا على مذكرات الموقف الصادرة عن مؤسسات مجتمع مدني ونقابة المحامين ونقابة الصحفيين  و "مساواة" نرى بأن القرارين بقانون جاءا عاجزين عن تلبية جوهر مطالب مؤسسات المجتمع المدني ومن ضمنها "مساواة" ولا زالا يشكلان انتهاكاً للقانون الأساسي ولائحة الحقوق الدولية وللقوانين الناظمة للسلطة القضائية ومنظومة العدالة والقواعد الدستورية الناظمة لحقوق الانسان وضمانات المحاكمة العادلة وحرية الرأي والتعبير واحترام الخصوصية من زوايا عدة نوردها على النحو الآتي:-
أولاً: قرار بقانون رقم (9) لسنة (2018) بشأن محكمة الجنايات الكبرى
1.    عدم توفر حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير كشرط أساسي لإصداره بصيغة قرار بقانون.
2.    انتفاء الغاية من إصداره كون محكمة الجنايات الكبرى المقترحة سَتُشكل من قضاة بداية ومن صلاحياتهم النظر في الجنايات وفقاً لقانون تشكيل المحاكم النظامية.
3.    اصدار قرار بقانون بتشكيل محكمة الجنايات الكبرى يعتبر تجاوزاً لإرادة المجلس التشريعي الذي سبق له وقرر عدم اصدار قرار بقانون بشأن محكمة الجنايات الكبرى حمل رقم (7) لسنة (2006).
4.    تناقض تشكيل المحكمة مع مذكرة السياسة التشريعية التي أستند إليها لإصدار القرار بقانون حيث ورد في المذكرة أن المشكلة المراد تنظيمها من خلال اصدار قرار بقانون بشأن محكمة الجنايات الكبرى تتمثل في عدم وجود قضاة متخصصين في النظر بدعاوى الجنايات الخطرة الأمر المتناقض مع تشكيلها من قضاة يشغلون وظيفة قاضي بداية، ولم يأتي التشكيل متضمناً لأي قاض من خارج تلك المحكمة، كما تضمنت المذكرة وتحت عنوان المشكلة التي يراد تنظيمها معالجة الجريمة المنظمة التي تتخطى الحدود وسيادة الدول بكل إمكانياتها؟! قبل أن تنال دولة فلسطين المحتلة استقلالها وسنداً لقانون العقوبات الأردني لسنة 1960 الذي أدرج تحت مظلة الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي، إضعاف الشعور القومي، إثارة النعرات، زعزعة السلم الأهلي، إذاعة أنباء توهن نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة، الانضمام لجمعيات الأشرار، إطالة اللسان، المساس بالمقامات العليا، وأضيف إليها حرية الرأي والتعبير واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وهذا كله لا يرقى إلى ما أسمته المذكرة بالجريمة المنظمة التي تتخطى الحدود وسيادة الدول، كما تضمنت المذكرة طول أمد إجراءات التقاضي وعدم السرعة في البت بالدعاوى وهي مشكلة تواجه سائر أنواع المحاكم وعلاجها لا يستدعي بالضرورة اصدار تشريع خاص بقرار بقانون، وهي مشكلة تواجه سائر المجتمعات الإنسانية ومنذ أمد طويل وليست حالة طارئة، ويجب أن لا تتم معالجتها بإجراءات تمس بضمانات المحاكمة العادلة أو تقيد من حق التقاضي على درجتين. كما تضمنت المذكرة أيضاً الإشارة إلى تزايد نسبة الجرائم ذات الطابع الخطير وتأثيرها على استقرار وأمن المجتمع وهذا القول لا يتفق مع الواقع لأن مثل هذه الجرائم لم تصل بعد إلى حد الظاهرة، كما أن محكمة البداية بمقدورها معالجتها دون احتياج لقرار بقانون يمس بضمانات المحاكمة العادلة ويشكل تعديلاً لعدة قوانين بطبيعتها قوانين مكملة للدستور لا يجوز تعديلها الا بقانون صادر عن السلطة التشريعية صاحبة الولاية العامة بالتشريع مثل قانون السلطة القضائية، قانون تشكيل المحاكم النظامية، قانون الإجراءات الجزائية.
5.    إن مارد في المادة الرابعة من القرار بقانون يتناقض مع قانون الاجراءات الجزائية إذ أن من يمثل النيابة أمام محكمة الاستئناف وكيلاً للنيابة العامة في حين أن من يمثل النيابة أمام محكمة أقل درجة كمحكمة الجنايات الكبرى الصادر بتشكيلها القرار بقانون محل هذه المذكرة هو رئيس نيابة.
6.    إن ما تضمنته المادة الخامسة المتصلة باختصاصات محكمة الجنايات الكبرى يدخل بحكم الواقع  في اختصاصات محكمة البداية التي عالجت عديد من الدعاوى المندرجة تحت مظلة الاختصاصات المذكورة، الأمر الذي لا يجعل من تشكيل هذه المحكمة ضرورة لا تحتمل التأخير، كما أن إدراج جرائم القتل ما عدى القتل الخطأ تحت اختصاص محكمة الجنايات الكبرى يمثل توسعاً غير مبرراً للاختصاصات إذ أن الأفعال التي تندرج تحت تعريف القتل واسعة جداً وقد تشمل الضرب المفضي إلى الموت والاجهاض المفضي إلى الموت والحرق المفضي إلى الموت وما إلى ذلك... ناهيك عن ما ورد من ادراج جرائم الجنايات الواقعة على ان الدولة الداخلي والخارجي والتي تتضمن الأفعال المشار اليها في البند الرابع من هذه المذكرة يشير الى استخدام القرار بقانون لمصطلحات عامة وفضفاضة تفتح المجال واسعا الى انتهاك حقوق الانسان وفقا الى ثقافة تتناقض وطبيعة دولة فلسطين المستندة للقانون الاساسي الفلسطيني وإعلان الاستقلال والمنضمة الى لائحة الحقوق الدولية ومنها الإعلان العاملي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
7.     ما ورد في المادة السادسة من القرار بقانون فيه توسعاً لصلاحيات النيابة العامة بما في ذلك منحها ما أسماه النص صلاحية اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية الفضفاضة العامة القابلة للتوسع في التفسير واضافة صلاحيات عديدة تمس بالحقوق الأساسية للمواطن للنيابة العامة على خلاف القانون وبمعزل عن الرقابة القضائية وباعتداء على صلاحيات قضائية تخرج عن تخوم اختصاصات النيابة العامة، والإجراءات التحفظية وفقا للنص المذكور تشمل فيما تشمل المنع من السفر، وتعقب الوصول والذين يجب أن يتما بقرار أو حكم قضائي صادرين عن محكمة مختصة.
8.    القرار بقانون منح النيابة العامة صلاحية التوقيف لمدة أربعة أيام وهي ضعف المدة الممنوحة لها بموجب قانون الإجراءات الجزائية الأمر الذي يشكل اعتداءً على صلاحيات القضاء، ومساساً بالحقوق والحريات، وتعديلا لقانون الإجراءات الجزائية وهو قانون مكمل للدستور بقرار بقانون، وخروجاً على مبدأ الرقابة القضائية، وتجاوزاً القانون الأساسي وبخاصة المادة (11/2) منه والتي تنص بوضوح على عدم جواز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل الاّ بأمر قضائي.
9.    ما ورد في المادة 16 من القرار بقانون يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التقاضي على درجتين، و الغاءً للمبدأ المعتبر محكمة الاستئناف محكمة موضوع، ومبدأ الاستئناف ينثر الدعوى، إذ أن نظر الطعن مرافعةً من قبل محكمة الاستئناف هو حق دستوري غير مقيّد بأي قيد وغير معلّق على أي شرط، ولا يستند إلى أي طلب بل تضمنه قوة القانون، وما ورد في الفقرة الأولى من المادة 16 المذكورة من تعليق إجراء المحاكمة الاستئنافية مرافعةً على  طلب النائب العام أو المحكوم عليه ينتهك أسس التقاضي المتعارف عليها دولياً، كما أن ما ورد في الفقرة الثانية من ذات المادة يعتبر نسفاً لنظام العدالة إذ لا يجوز قانوناً أن تجري إجراءات المحاكمة الاستئنافية تدقيقا ولا بأي حال.
10.    ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 16 من أن إجراءات المحاكمة الاستئنافية مرافعةً لا يشترط سماع البينات إلاّ إذا قررت محكمة الاستئناف لزوم ذلك، هو إلغاء لدرجة من درجات التقاضي، وانتهاك جسيم لضمانات المحاكمة العادلة، وتقييد غير مبرر لاختصاصات محكمة الاستئناف بوصفها محكمة موضوع وفقاً لنظام التقاضي على الدرجتين المعمول به فلسطينياً ودولياً، ومساس بحقوق الدفاع، الأمر المتناقض مع القانون الأساسي والعهود الدولية الموقعة من قبل دولة فلسطين.
11.    ما ورد في المادة 19 من منح محكمة الجنايات الكبرى سلطة الاستمرار في نظر الدعوى المحالة إليها بمقتضى القرار بقانون من النقطة التي وصلت إليها يمس بمبدأ القناعة الذي يعتبر فيصل الرأي في الدعاوى الجزائية، والذي يتطلب التحقيق وسماع البينات من قبل القضاة الذين سيصدرون الحكم في الدعوى، فضلاً عن خروجه عن المبادئ القضائية التي أرستها محكمة النقض بهيئتها العامة، وبخاصة المبدأ القاضي بأن مباشرة الاختصاص وصف يلازم المحكمة ساعة تحديدها، وإذا ما تولّت محكمة مختصة النظر في دعوى ثم صدر تشريعاً يُحيل الاختصاص إلى محكمة أخرى فإن التشريع الجديد لا يمس باختصاص المحكمة التي كانت مختصة عند اتصالها بالدعوى.
ثانياً: القرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) بشأن الجرائم الالكترونية
مرةً أخرى تستفرد الحكومة وتضرب بعرض الحائط ملاحظات مؤسسات المجتمع المدني بشأن القرار بقانون الجرائم الالكترونية وتستنزف وقت وجهد ما أسمته بالحوار مع مؤسسات المجتمع المدني بغية تعديله على نحو يستجيب لملاحظات مؤسسات المجتمع المدني ونقابة الصحفيين والاّ ان القرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) بشأن الجرائم الالكترونية جاء خلواً من الاخذ بملاحظات مؤسسات المجتمع المدني وصدر على نحو متناقض معها ومع الملاحظات الجوهرية الواردة في مراسلة المقرر الأممي الخاص المرسلة الى الحكومة و كذلك مهملاً وغير مكترثاً بملاحظات مؤسسات المجتمع المدني التي تضمنتها رسالتها الى الدكتورة حنان عشراوي عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والتي رعت حواراً وطنياً ضم ممثلين عن الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ذاك الحوار الذي تواصل واستغرق وقتاً طويلاً دون جدوى إذ صدر القرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) متطابقاً مع جوهر القرار بقانون رقم (16) لسنة (2017) بشأن الجرائم الإلكترونية والذي لاقى معارضة مجتمعية وقانونية واسعة وملاحظاتنا بشأن القرار بقانون رقم (10) لسنة (2018) هي ذات الملاحظات على القرار بقانون رقم (16) لسنة (2017) المسلمة للحكومة واللجنة التنفيذية والمعلنة للمواطنين.
وعليه وأمام هذه الهنات والثغرات التي وسمت القرارين بقانون رقم (9) لسنة (2018) بشأن محكمة الجنايات الكبرى ورقم (10) لسنة (2018) بشأن الجرائم الالكترونية تجعل منهما قرارين لا يستجيبا إلى مطالب مؤسسات المجتمع المدني الأمر الذي يحملنا على المطالبة مجدداً بإلغائهما والطلب من المؤسسات الشقيقة وبخاصة نقابة المحامين ونقابة الصحفيين الوقوف عليهما مجدداً واتخاذ المقتضى القانوني بشأنهما.
تحريراً في: 10/05/2018