مشروع سوريا الأمريكي بقلم : نسيم قبها
تاريخ النشر : 2018-04-26
مشروع سوريا الأمريكي

بقلم : نسيم قبها

مما لا شك فيه أن التحركات العسكرية التركية في الشمال السوري تمثل ضربة موجعة للمشروع الأميركي في تأسيس إقليم "روج آفا". وهذا هو السبب الأول وراء مشاكل أميركا مع تركيا وكيفية ضبط العلاقات بين الدولتين.
فأميركا تريد السير في مشروع الكيان الكردي (روج آفا) مع إبقاء تركيا تحت تبعية حلف شمال الأطلسي والوصاية الأميركية. ولكن يبدو أن هذا أمر أصبح صعب المنال حاليًّا في ظل توجه حكام تركيا للاستقلال بقرارهم السياسي وما يعنيه ذلك من الحفاظ على الأمن القومي التركي عبر تصفية وجود الأحزاب الكردية المدعومة أميركيًّا وغربيًّا من الشمال السوري والعراقي.
وحيث أن أميركا لا تريد أن تفتح جبهة صراع مكشوفة مع تركيا مثلما تفعل مع روسيا والصين، فإنها تتبع سياسة التضليل والإرباك في بعض التصريحات حيال العلاقة مع تركيا. وفي هذا السياق يجب أن نفهم التصريحات التي أدلى بها الرئيس دونالد ترمب في مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث أكد على "ضرورة زيادة التعاون مع تركيا بشأن التحديات الاستراتيجية المشتركة في سوريا" ثم جاء بيان الرئاسة الفرنسية حول "الوساطة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية" بعد استقبال وفد منهم في قصر الإيليزيه، ثم انتشار خبر إرسال جنود فرنسيين إلى منبج.
وتبع ذلك تصريحات جديدة من ترامب حول تجميد 200 مليون دولار لقوات سوريا الديموقراطية وحديث ترامب عن انسحاب أميركا من سوريا، ثم كانت تصريحات ولي العهد السعودي ابن سلمان بأنه "يجب ألا تنسحب أميركا من سوريا". وأخيرًا أدلى دونالد ترامب يوم 3/4/2018 بتصريح يقول فيه: "أرغب في سحب قواتنا من سوريا وسنتخذ قرارًا قريبًا بشأن ذلك بالتنسيق مع الآخرين"، مضيفاً: "إذا كانت الرياض ترغب في بقائنا فعليها دفع التكلفة".
فالمدقق في هذه التصريحات والتحركات المرتبطة بسوريا يجد أنها تحدث إرباكًا للمتابعين والسياسيين بل حتى للدول، وإنها تصريحات تزيد غموضًا فوق غموض على حقيقة السياسة الأميركية في المنطقة بعامة وفي سوريا بخاصة.
ولكن حقيقة الموقف هو أن أميركا تتعمد حصول ذلك "الغموض السياسي والإستراتيجي" في التصريحات والمواقف حتى تنجز مستحقات سياستها الاستعمارية في زيادة عدد القواعد العسكرية وفي استعمال شركائها مثل فرنسا في دور الشرطي من أجل رسم خريطة المنطقة من جديد.
ولذلك فإن الأساس في فهم السياسة الأميركية في سوريا أوغيرها ، هو متابعة تحركات وعلاقات أميركا على الأرض بغض النظر عن تلك التصريحات "التويترية" التي يطلقها ترامب من حين لآخر. وأكبر مثال على ذلك هو أنه في الوقت الذي يتحدث فيه ترامب عن الانسحاب من سوريا، نجد أن القوات الأميركية تعزز وجودها العسكري منذ أسابيع في قاعدة (التنف) جنوب شرق سوريا ، وفي قواعدها العشرين في شرقي نهر الفرات بالقرب من دير الزور، وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي من سوريا، بما في ذلك إنشاء قاعدة جديدة لقواتها في منطقة العون، المحاذية لمنطقة درع الفرات والواقعة في الجهة الشمالية لمدينة منبج، بالإضافة إلى قيامها مؤخرًا بتحصينات من قوات أميركية وفرنسية لمواجهة أية عملية تركية محتملة قد تشمل المدينة.
وإن هذا التناقض بين تصريحات ترامب وفعل إدارته على أرض الواقع قد كشفت عنه روسيا نفسها عندما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف "أن ما يحدث على الأرض يشير إلى استمرار واشنطن بترسيخ وجودها في سوريا ويخالف إعلان الرئيس الأميركي". وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي يوم 24/3/2018: أن "أميركا ترسخ تواجدها بشكل جدي في الضفة الشرقية لنهر الفرات وعلى مساحات واسعة من الأراضي العربية، وهي تشكل هيئات سلطة محلية خاضعة لها وتقدم لها التمويل".
لذلك ، فإنه من المستبعد أن تنسحب القوات الأميركية من سوريا بدليل زيادة أميركا من عدد قواعدها في الشمال والشرق السوري، بدليل ما أعلن عنه وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في خطابه يوم 17/1/2018 من أن الجيش الأميركي لن ينسحب من سوريا، ولن يكرر الخطأ الذي قام به في العراق عام 2011، وذكر أن الهدف من بقاء القوات الأميركية في سوريا ليس فقط تحقيق الهزيمة الكاملة لتنظيم الدولة الإسلامية ، بل أيضًا مواجهة نفوذ إيران والمساعدة في نهاية المطاف على دفع الرئيس السوري بشار الأسد خارج السلطة.
ومع كل ذلك فلو حصل أي انسحاب أميركي فإنه سوف يكون انسحابًا جزئيًّا من منبج بمقتضى تفاهمات أمنية معينة مع تركيا. وبحصول هذا الأمر يكون ترامب قد حقق ابتزازًا ماليًّا كبيرًا من حاكم السعودية (ابن سلمان) وفي نفس الوقت يكون قد خفف التوتر في العلاقات الأميركية التركية. وفي مقابل ذلك فإن ترامب يكون قد ركز قوات أميركا في شرق الفرات وسوف يقاتل حتى آخر جندي من قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني لإيقاف التدخل التركي في هذه المنطقة وتسهيل إنشاء كيان حكم ذاتي للكرد تحت الحماية الأميركية.
وفي هذه الحالة فإن أميركا سوف تسخر الدول الغربية المشاركة معها في التحالف الدولي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) وتسخر تابعيها في المنطقة (الإمارات والسعودية ومصر) من أجل تركيز كيان "روج آفا" الذي سوف يكون كرديًّا في ظاهره وهو عبارة عن "إسرائيل ثانية" في جوهره. وقد أظهر اجتماع الجامعة العربية مؤخرًا في إدانة تركيا بشأن تدخلها في سوريا، و أن ابن سلمان وابن زايد وعبدالفتاح السيسي يمثلون النسخة الجديدة من نسخ حصان طروادة الإغريقي.
والذي لا تخطئه عين المتابع لما يجري في المنطقة أن أمريكا وحلفائها يصولون ويجولون مستبيحين البلاد والعباد ، ويركزون نفوذهم عبر تفتيت البلاد وإذكاء الفتن، والأهم من ذلك كله القضاء على آمال الناس في الخلاص والإطمئنان
.