مسيرة العودة الكبرى: الرؤية والحدث المشهود!!بقلم:د. أحمد يوسف
تاريخ النشر : 2018-04-25
مسيرة العودة الكبرى: الرؤية والحدث المشهود!!بقلم:د. أحمد يوسف


مسيرة العودة الكبرى:
الرؤية والحدث المشهود!!
د. أحمد يوسف
كيف يقرأ الشارع الفلسطيني والنخب الفكرية والقيادات السياسية لفصائلنا الوطنية والإسلامية حدث مسيرة العودة، وما الذي ينتظر الجميع إنجازه، وسقف التوقعات من وراء فعاليتها الكبرى يوم 15 مايو القادم؛ الذكرى السبعين للنكبة؟ هل هناك من تصورات يمكن تأملها والتفكير فيها لإيصال رسالة شعبنا السلمية للعالمين، والتي سقط من أجلها عشرات الشهداء وآلاف الجرحى؟ ومن بيده امتلاك القدرة والخيال الواقعي لتحديد ملامح الرؤية، ورسم معالم الرواية ووقائع مجريات ذلك اليوم التاريخي في سياقه السلمي، للتعبير - وبأبلغ المشاهد النضالية اللاعنفية - أن قضيتنا ما تزال حيَّة في الذاكرة، وبكامل عنفوانها في الوجدان الفلسطيني، وأن حقنا برغم تطاول السنين والوجع والحصار والحرمان هو حق يأبى النسيان؛ ولأجله ترخص - دائماً - المُهج والأرواح، وتمضي مسيرتنا الجهادية رغم أنوف الظالمين، الذين منحوا هذا المشروع الصهيوني مقومات البقاء، ونافحوا عن وجوده - ظلماً وعدواناً - على أرضنا المباركة؛ أرض الأنبياء والمرسلين.
نعم؛ قد يصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور، وما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث في هذا اليوم المشهود من تاريخنا.. بالتأكيد؛ ستكون هناك تحركات شعبية واسعة، وحميِّة شبابية عالية لإغاظة جنود الاحتلال، وربما محاولات لاجتياز السياج الحدودي، وسيحظى كل ذلك بدعم معنوي واسناد لوجستي ضخم من كامل فصائلنا النضالية، وستصل رسالة الفلسطينيين قوية: يكفي احتلال.. يكفي عنصرية.. يكفي استيطان وتدنيس للمقدسات.. يكفي حصار.. يكفي تجويع وإذلال.. نريد دولة، ونتطلع للعيش في وطننا بسلام.  لقد تهاوت الأوضاع المعيشية إلى مستويات بائسة لا يمكن تحملها والسكوت عنها، بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال، وتواطأت معه – للأسف - جهات محلية وإقليمية!! ومن صميم هذا اليأس، نهض جيل ليس أمامه ما يخسره، حيث غاب أفق الأمل في حياة حرة كريمة، واستشرت البطالة وتجاوزت نسبتها 60% بين الشباب.
إن من الملفت للنظر في حِراكات مسيرة العودة أن هناك تنامياً ملحوظاً في منسوب الوطنية، وارتفاع في مشاهد الإقدام والجسارة وحب التضحية بالنفس لا تخطئه العين، فالزحف الذي يحدث على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة - كل جمعة - ليس ثورة جياع، دافعها فقط معاناة الفاقة والمسغبة، والعيش داخل أحزمة الفقر، بل هي غريزة الحنين للوطن السليب، والشوق المبلل بعشق الشهادة، من أجل استعادة كرامة شعب؛ جرحها الفقر وذل السؤال، وخذلان القريب والبعيد.
الحدث المشهود: ماذا ننتظر؟!
15 مايو هو ذكرى يوم النكبة؛ اليوم الذي اعتاد الفلسطينيون إحياؤه للحديث عن مأساة ما جرى عام 1948، حيث ضاعت أرض الآباء والأجداد، تلك الأرض التي عمروها لأكثر من خمسة آلاف سنة، وانتهى بهم الحال بإخراجهم منها بالخديعة، والتي كان لبعض العرب – للأسف - سهم خيانة فيها!! لنصبح لاجئين، تتوزع معسكرات شتاتهم وحسراتهم على أماكن متباعدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى دول الجوار العربي، وخاصة في الأردن وسوريا ولبنان.
 في الحقيقة؛ إن الخيال مفتوح كما الواقع على كل التوقعات وأشكال التصعيد؛ المحسوبة وغير المحسوبة، ولن يكون ذلك اليوم يوماً عادياً على الاطلاق.. حيث ستجتمع هناك الحشود بمئات الآلاف على الحدود وفي نقاط التماس؛ من قطاع غزة والضفة الغربية والمدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وأيضاً على طول خط الحدود مع دول الجوار كلبنان والأردن.. ومن المتوقع ألا تقتصر هذه الحِراكات على فلسطيني هذه المناطق، بل إن هناك مئات المتضامنين حول العالم ممن سيكون لهم مشاركة وحضور في فعاليات ذلك اليوم التاريخي المشهود.
هل تركت لنا إسرائيل خيارات أخرى؟
بعد أن فشلت كل محاولات منظمة التحرير الفلسطينية في التوصل لتسوية سياسية مع الإسرائيليين، وفشل اتفاق أوسلو في تحقيق قيام دولة فلسطينية، كما كان الهدف من توقيع الاتفاق في سبتمبر 1993، وأخفقت السلطة الوطنية في إنجاز تطلعات شعبنا في الحرية والاستقلال، وظلت تحت معيِّة "بسطار الاحتلال"!! وسطوة جيشه وأجهزته الأمنية، وتحكُّمه الكامل في مواردنا الاقتصادية، وتحولت وضعية الحكم إلى الشكل الذي تمَّ وصفه من قبل الرئيس محمود عباس بأنه "سلطة بلا سلطة، واحتلال بلا كلفة"!!
لا خيارات سياسية في الأفق، ولا أوضاع معيشية تسد الرمق، وعالم ظالم متواطئ يعمل على شطب القضية بلا ضمير أو خُلق!! فهل المطلوب منا أن نستكين ونستسلم، أم أن علينا معاودة الطرق على جدار الخزان ليصحو الضمير العالمي، لتذكيره بحق شعبنا الذي يأبى النسيان؟
مسيرة العودة الكبرى: وجهات نظر فصائلية
لا شك أن لكل فصائل العمل الوطني والإسلامي مصلحة في إنجاح فعاليات هذا اليوم، والتأكيد بكل الوسائل أننا نطلب حقاً حاول العالم تجاهله والتآمر عليه، وأن هناك تواطئاً من بعض الجهات العربية لطمس معالمه وشطب ملفاته!!
لن يمضي ذلك اليوم بدون أثر، وسيكون معطراً بدم الشهداء والجرحى، وسيجد كل فصيل أن ظهوره ومشاركته هناك هي فرض عين، وأن كسبه مرهون بحضوره ضمن معادلة: ليشهدوا منافع لهم.
تصريحات كثيرة صدرت من جهات مختلفة، وتراوحت سقوفها بارتفاعات متباينة بين الثرى والثريا!! وقد حاولنا رصد بعض تلك التصريحات والتغريدات لاستطلاع مزاجية الكل الفلسطيني والذي رغم إجماعه على المسيرة كفعل نضالي سلمي إلا إن تعبيراته اختلفت في تقييم التوقعات المرجوة منها.. وفي هذا الاستعراض لأجواء التصريحات، يمكننا إدراك أبعاد ما نحن مقدمين عليه خلال الأسابيع القادمة.
- الأستاذ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أشار في كلمته من موقع المسيرة في شرق جباليا، قائلاً للمتظاهرين: استعدوا وتحضروا وتهيأوا للطوفان البشري على كل حدود فلسطين؛ داخل الأرض المحتلة وخارجها في ذكرى النكبة يوم 15 مايو المقبل.. وأضاف: إن مسيرة العودة ستزيل الأسلاك والحدود لنعود إلى أرض فلسطين، مشددًا على أنها انتقلت بنا في مقدمة رأس الأمة، لنعيد لهذه القضية الفلسطينية مكانتها واعتبارها وحيويتها.
- الأستاذ يحيى السنوار؛ رئيس حركة حماس في قطاع غزة، أكد خلال مشاركته لمتظاهري مسيرة العودة شرق غزة بأن القطاع يمر بوضع معيشي مأساوي، حيث إن هناك أناس لم تأكل على مدار أسبوع إلا الخبز والشاي، لكن غزة لن تأكل بثدييها بل ستأكل ببندقيتها، وأنها لن تتنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني، ولن تساوم على حقوقه مقابل لقمة خبز مغمسة بالذل والعار.. وشدد على أن حركته لن تتخلى عن سلاحها وستعمل على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها العيش الكريم الحر حتى استكمال مشروع التحرير.
- الأستاذ هاني الثوابتة؛ عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، اعتبر أن مسيرات العودة، تُشكّل بداية انتصار على مشروع الاحتلال على أرض فلسطين، مؤكداً أن "خروج غزة عن بكرة أبيها للمشاركة في مخيمات العودة، تُعتبر استفتاءً على حق العودة، وأنه حق ثابت لا يمكن المساومة أو التراجع عنه، كما شكّلت استفتاءً على تمسك شعبنا بخيار المقاومة.. وأضاف: إن استعادة الحقوق تكون بتقديم التضحيات، وهذه التضحيات هي فاتورة الحرية.
- د. إبراهيم حبيب؛ مجلس الإنقاذ الفلسطيني، أشار إلى أن تطور الأحداث لذلك اليوم سيرتبط بما ستتمخض عنه الجهود الدولية لكسر الحصار عن قطاع غزة، وهنا سنكون أمام سيناريوهين: الأول؛ في حال نجاح الجهود وتجاوب إسرائيل مع المطالبات الدولية برفع الحصار عن قطاع غزة، فإن أحداث ذلك اليوم ستكون مماثلة للأيام السابقة، ولن يندفع المُتظاهرين نحو اجتياز السلك الزائل، مع التأكيد على أن هذا الحدث سيستمر ولكن بوتيرة أقل للتأكيد على حق العودة. الثاني؛ إذا استمرت إسرائيل في تعنتها، وفرضت السلطة مزيداً من العقوبات على قطاع غزة، فسنكون أمام حدثٍ كبير يتمثل باندفاع المُتظاهرين نحو أراضينا المحتلة بأعداد كبيرة يصعب السيطرة عليها. عندها سيتوجب على إسرائيل أن تختار بين أمرين، إما أن تتعامل بشكل عقلاني وتسمح بإقامة مُخيمات جديدة داخل الأراضي المحتلة عام 1948 على تخوم القطاع مع ما سيتبع ذلك من تداعيات، أو تتعامل بقسوة وترتكب مجازر بحق المُتظاهرين وهو ما سيُفضي إلى اندلاع مواجهة جديدة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد تتدحرج لتُصبح مواجهة شاملة مع الجبهة الشمالية في ظل حالة التحفز الكبير للأطراف.
مسيرة العودة: التوقعات ونبض الشارع
إن أهم ما تمخضت عنه قريحة من قاموا بالتعليق على مسيرة العودة، وحددوا لها سقوفاً، تفاوتت تمنياتها من شخص لآخر، وذلك في سياق سؤال طرحته على متابعي صفحتي على الفيسبوك، والذي جاء على الشكل التالي: ما الذي تتوقع أن تنجزه لك مسيرة العودة الكبرى؟ وما هو حجم الحدث الذي تنتظره؟
لقد ورد أكثر من مئتين تعقيب كإجابة على ذلك التساؤل، حيث توزعت وتناثرت في كل اتجاه، ولكن أهم ما يمكن تلقفه منها هو الآتي:
- إن هذه المسيرات اللاعنفية هي استعادة لقيم المقاومة الشعبية السلمية، سيما الوحدة الوطنية والتكافل الاجتماعي، وكل ما يعيد للقضية الوطنية مكانتها وعدالتها في صدارة الاهتمام الدولي.
- أنها أسهمت في تحقيق الوعي بالقضية وحق العودة، وضخت دماء شبابية في العملية النضالية.
- هذه المسيرات هي حلقة من حلقات النضال الفلسطيني في سعيه نحو الحرية والانعتاق من الاحتلال.
 - تحميل المحتل وزر الاحتلال، وأن شعبنا لن يُهجّر مرتين، ولن تكون بوصلتنا إلا إلى أراضينا.. لا إلى سيناء ولا الأردن ولا لبنان.. وحينما يتم الضغط على غزة وإغراقها بالأزمات فإن موجة الانفجار لن تكون سوى باتجاه العدو الأول والرئيس.
- تحفيز العقلية الفلسطينية وإعادة إنعاشها، وإكساب الجمهور شعوراً وطنياً تجاه قضيته ومقدساته، وكسر هيبة الجيش والحدود، خصوصاً لأولئك الذين لم يقتربوا يوماً من هذا السياج أو لم يحتكوا بجنود العدو، لا سيما الجيل الصاعد.
- مسيرة العودة الكبرى ستضع السكة الصحيحة نحو إنجاز حقوقنا العادلة، بعد مشوار طويل من التضليل والوهم في مشاريع سياسية خادعة، أفضت إلى واقع لا يمكن تغييره إلا بثورة شعبية عارمة، تعيد بناء منظومة العمل الوطني، من خلال قوى حقيقية فاعلة على الساحة الوطنية.
- الأمل أن تنجح المسيرة بفك الحصار عن قطاع غزة، والضغط على كلٍّ من السلطة بتوقيف عقوباتها، وعلى مصر بفتح معبر رفح.
- إعطاء العالم صورة أخرى مغايرة عن الصورة التي رسمها الاحتلال.. فهنا شعب يطالب بحقه؛ أطفال ورجال ونساء، وبطرق سلمية مما يجعل العالم يتعاطف معهم، ويبحث عن جذور قضيتهم.
- توجيه الرأي العالمي باتجاه القضية الفلسطينية، والتي تتعرض للتجاهل والنسيان.
- إيلام العدو، وإبقائه في حالة من التوجس والخوف، وتوصيل رسالة مفادها أن أطفالنا مستمرون في المقاومة، ولن نتنازل عن حقنا في فلسطين، وابقاء جذوة الجهاد متقدة.
- هذه المسيرات هي ميدان جديد جامع من ميادين الصراع مع العدو.. مع تواصل العمل والتطوير للميادين الأخرى.
- تجديد البيعة والعهد، ونقل الراية للجيل الجديد.
- تحقيق تكافل اجتماعي بشكل واضح، والتفريج عن هموم الناس بإيجاد مكان لكل الفقراء والأغنياء لا فرق بينهم؛ الشعب والقيادة في مكان واحد، ونفسٍ واحد، ورغيفٍ واحد.
- بث الرعب في قلوب العدو الصهيوني، ونقل التفاوض من الجدل حول سلاح المقاومة إلى إنهاء مسيرات العودة.
- إفشال صفقة القرن، وإحياء حق العودة، وإبراز القضية الفلسطينية للصدارة من جديد.
ختاماً.. لقد خلصت من وراء كل ما تقدم إلى نتيجة مفادها: إن هناك من يريد لهذا الحراك وتلك المسيرة ألا تتوقف، بل يجب اعتمادها كنهج ونمط حياة، طالما أن الأوضاع السياسية والمعيشية لم تتغير، وعلينا التفكير بأساليب وواجهات وإبداعات جديدة لاستمرار هذا الحراك السلمي.
 لا شك أن هذه المسيرة قد فتحت المجال أمام الشباب للتفكير بفعاليات جديدة بعد 15 مايو القادم، مثل: التظاهر أمام منافذ قطاع غزة المغلقة (معبر رفح الحدودي، ومعبر إيرز، والمعبر البحري)؛ باعتبارها بوابات الحصار والوجع والآلام، وهي المسئولة عن الحالة اللاإنسانية والكارثية التي يتعرض لها قطاع غزة.. إن هذا الفكرة تتطلب توجيه الحشود سلمياً بعشرات الآلاف باتجاه تلك المنافذ، وإبقاء الحراك مستمراً إلى أن تنتهي تلك الإجراءات التعسفية، التي يراد من وراءها تركيع قطاع غزة، وكسر إرادة التحدي والصمود، وتهميش قدرات المقاومة.
إن المطلوب هو الحفاظ على قواسم الفعل التي تجمعنا، وتعضِّد من وحدة عملنا المشترك في إطار التوافق الوطني، وتقديم نموذج للاحتذاء على إمكانية إدارة المعركة مع الاحتلال بقيادة جماعية؛ لا تهميش فيها، ولا تفرد أو إقصاء.