المال والشعر والمبادئ بقلم: ناجح شاهين
تاريخ النشر : 2018-04-21
المال والشعر والمبادئ بقلم: ناجح شاهين


المال والشعر والمبادئ
ناجح شاهين
عندما كنت على مقاعد الدراسة في الجامعة الأردنية حالماً بالمبادئ والقيم، متوهماً أن المال "وسخ ايدين" تعرفت إلى شاعر كبير يحتل موقعاً بارزاً في خريطة الشعر العربي.
لا بد أن من يقرأ هذا الشاعر الجميل يفتتن بجمال صوره وبهاء شاعريته وإصراره على الجمال والوطن والمبادئ. وقد أصبت بصدمة فعلية عندما اكتشفت أن الشاعر في الحياة اليومية يعود إنساناً عادياً يزاحم لأخذ قطعة اللحم الأفضل، ويراوغ من أجل القليل أو الكثير من المنافع المالية والدنيوية.
هكذا شاهدت شاعرنا وهو يقطع علاقته بصديق من "أصدقاء عمره" لأن ذلك الصديق اقترض منه خمسة دنانير ولم يتمكن من إعادتها. بالطبع كان هذا مبلغاً كبيراً في الثمانينات عندما كان يشتري ثلاثين علبة سجائر، وليس مثل اليوم حيث لا يشتري ثلاث علب.
المهم أنني تفاجأت حقاً: تذكرت أنني كنت دائماً أتوهم أن ماركس، عندما أعلى من شأن المصالح الاقتصادية، إنما كان يتحدث عن أشخاص "فجين" لا عمق لديهم. كنت أظن أن ماركس محق في مستوى الأفراد العاديين "التافهين" أما البشر "الحقيقيين" فإنهم مع المبادئ أولا وأخيرا.
بالطبع نكتشف جميعاً مع التقدم في العمر أن الناس كلهم تقريباً يستطيعون إلقاء الخطب الرنانة عن الأخلاق والمبادئ والقيم ما دام الأمر بعيداً عن جيوبهم، ولكنهم في الأغم الأغلب لن يدفعوا شيئاً من جيوبهم دعماً لأية قضية من القضايا التي يصرخون عالياً بخصوصها.
من المهم أن نقول ببساطة إن النزاع بين البشر أفراداً وجماعات إنما ينتج أساساً عن النزاع حول المنافع الاقتصادية الدنيوية بما في ذلك الدول والعشائر والأفراد: النزاع في سوريا والعراق وليبيا وفنزويلا والقرم وأوكرانيا وفلسطين واليمن وبين الشاعر وصديقه والأخ وأخيه والابن وأبيه ....الخ الخ كل ذلك في "التحليل الأخير" نزاع من أجل المصالح الاقتصادية وما تحققه من منافع مباشرة او هيمنة أو قوة مهما تقنعت تلك المصالح بالمبادئ والقيم والديانات والفلسفات.
وينطبق هذا على الأقل على الغالبية الساحقة من البشر، إن لم نقل إن الاستثناءات قليلة إلى درجة أنه يمكن إهمالها "إحصائياً" أو "بحثياً".
حاشية:1. نتوهم أن هذه المشكلة لها حل واحد لا غير، على الأقل في المستوى البعيد أو "المطلق" وذلكم هو إلغاء الملكية الخاصة. عندها تولد فرصة حقيقة للإعلاء من شأن الحب والأخلاق والجمال والمبادئ والقيم التي تستند الى العدل والخير والمنطق.
2. "الصراخ" الذي نسمعه طوال الوقت عن "حقوق الإنسان" و "حماية الأبرياء والمدنيين" وتحقيق "الديمقراطية" خصوصاً في سوريا إنما يرتبط بالمصالح الاقتصادية والسياسية. أنظروا إلى الصمت اللطيف الذي يكتنف الدمار الشامل الواسع في اليمن. تقريباً نحتاج إلى موت آلاف اليمنيين في كل "وجبة" موت من أجل أن يقول أحد "حراس" حقوق الإنسان إن ما يحدث في اليمن ليس لطيفاً. وينطبق هذا على غزة فلسطين كلها. أما سوريا فتتمتع بسحر خاص في مجال تحريك الضمير العالمي والإنساني المنغرس الجذور في مصالح النفط والهيمنة الاستعمارية.