تقدير موقف - تشديد الحصار على المرضى في قطاع غزة إعداد:انتماء السدودي
تاريخ النشر : 2018-04-21
تقدير موقف

تشديد الحصار على المرضى في قطاع غزة

إعداد

انتماء السدودي

مشاركة في البرنامج التدريبي "إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي"


19 نيسان/أبريل 2018

 

مقدمة

شهد مطلع العام الحالي 2018 سعيًا إسرائيليًا حثيثًا لتضييق الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال إجراءات إسرائيلية جديدة تحدّ من حرية الحركة عبر حاجز بيت حانون، الذي يمكن من خلاله مرور المرضى إلى الضفة الغربية أو مستشفيات إسرائيلية. كما تراجع عدد أيام عمل معبر رفح، مع مصر، الأمر الذي جعل حاجز بيت حانون البوابة الوحيدة أمام المواطنين، وخاصة المرضى.

يدلل الوضع الراهن على أن العام 2018 هو استكمال لحلقة المعاناة المفروضة على المرضى لجهة عدم تمكنهم من السفر عبر حاجز بيت حانون لتلقي العلاج، فضلًا عن تفاقم أوضاعهم الصحية في ضوء الرفض الأمني وأساليب إسرائيل المتبعة في المماطلة، وعدم الرد على التصاريح المرضية المقدمة، سواءً من وزارة الشؤون المدنية، أو دائرة التنسيق و الارتباط التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية.

يشير هذا الوضع إلى أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد! وأنّ القطاع مقبل على المزيد من الصعوبات، وستدفع ثمنه شرائح عديدة مثل المرضى أكثر من غيرها.

 

عقاب جماعي

يعاني الوضع الصحي في غزة من مشاكل جسيمة نتيجة الحصار المفروض منذ أكثر من أحد عشر عامًا، وبسبب الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب المتعلقة بحركة المواطنين، بمن فيهم المرضى الذين يستعصي علاجهم في القطاع نظرًا لشح الخبرات، وغياب كامل للعلاج المطلوب للأورام وأمراض القلب والدم. ويستدعي هذا الأمر، وعلى نحو من السرعة، السماح للمرضى بالتنقل عبر حاجز بيت حانون طلبًا للعلاج، لكن غالبًا ما يكون ذلك صعب المنال بالنسبة لهم.

أدى رفع إسرائيل منتصف العام السابق 2017 لسن الفحص الأمني من (16-35 عامًا) إلى (55-16 عامًا)، إلى ازدياد أعداد المرضى في قائمة الرفض الأمني، الذي تفرضه إسرائيل على آلاف الغزيين بحجة "الاعتبارات الأمنية" دون تفصيل حيثياتها، بل دون إعطاء معيار معين للرفض الأمني، وبذلك يستحيل على المرفوضين أمنيًا من المرضى معرفة الأسباب القائمة وراء وضعهم في قائمة المنع الأمني.

لذا، فإن عدم إعطاء مبررات للرفض الأمني أشبه بخطة مدروسة تهدف إلى زيادة معاناة المرضى، حيث لا تستطيع قائمة المرفوضين أمنيًا من التوجه إلى جهة قانونية من أجل استصدار تصاريح علاجية نظرًا لعدم معرفة سبب الرفض.

يبقى الازدياد المضطرد في عدم الرد على طلبات التصاريح إحدى المشاكل الكبرى التي يعاني منها المرضى، فهناك آلاف الطلبات العالقة بانتظار الرد، وكثيرًا ما يُردُ عليها بعد فوات الأوان، بعد تدهور حالة المريض.

علاوة على الاعتبارات الأمنية، فإن إسرائيل تستخدم أساليب جديدة أثناء الاستجوابات الأمنية، تتمثل في فحص الأجهزة النقّالة، والأغراض الشخصية، وطلب التعرف إلى بعض الأماكن والأشخاص، وضرورة الإجابة الكافية والتعاطي مع "جهاز الأمن العام الإسرائيلي" (الشاباك) من أجل الحصول على التصريح.

يضع هذا الإجراء الإسرائيلي الجديد المرضى في موقف حرج يهدد حالتهم النفسية كما الجسدية، فكلما قل تجاوب المريض مع المخابرات الإسرائيلية قلت فرصته في الخروج للعلاج. ووثّقت بعض الحالات في مركز الميزان لحقوق الإنسان التي تمت مساومتها على علاجها.[1]

يشير محمد المقادمة، مدير عام الإعلام والمنظمات الدولية لهيئة الشؤون المدنية، إلى أنه "في أغلب الأحيان لا تقوم الحكومة الإسرائيلية بالإبلاغ عن الإجراءات الجديدة المفروضة، وإذا تم الإبلاغ عنها يكون بشكل غير مكتوب، وإن هذه الإجراءات في حالة تغير دائم، وتأتي بشكل مفاجئ، مما يهدد بانهيار كافة القطاعات، بما فيها الصحي".[2]


أزمة إنسانية ممتدة

شهد العام 2016 زيادة في حالات السرطان المكتشفة بنسبة 8.5% مقارنة مع العام 2015. وتشير المعطيات إلى أن السرطان السبب الثاني الرئيس للوفاة لأسباب مرضية بنسبة 41% بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.

هناك نسبة 5% من السرطانات في قطاع غزة سرطان ثدي، ويستوجب علاجه تحمل أعباء السفر إلى مستشفيات الضفة الغربية، أو القدس، أو إسرائيل، نظرًا لأن العلاج الكيميائي والإشعاعي غير متوفر بكل أصنافه في مستشفيات القطاع، سواء الحكومية أو الخاصة".[3]

تقوم مؤسسة الثقافة والفكر الحر بتمويل من الحكومة اليابانية، وبالشراكة مع العديد من المؤسسات الصحية غير الحكومية في غزة، بمشروع يستهدف مريضات السرطان تحت عنوان "رسم مسارات اّمنة لمرضى سرطان الثدي والكشف المبكر". ولوحظ من خلال تتبع حالات مريضات السرطان أن نجاح المشروع وفرص إنقاذ المصابات بالسرطان مرتبط ارتباطًا مباشرًا بفرص الحصول على تصاريح للعبور من خلال حاجز بيت حانون. فالهدف الأول لرسم المسارات الاّمنة للمريضات هو الكشف المبكر عن الورم، وإجراء الفحوصات الضرورية للعلاج، ومن ثم استئناف رحلة العلاج الإشعاعي أو الكيميائي في مستشفيات الضفة أو إسرائيل.

تشير الإحصاءات أن 60% من النساء المصابات بسرطان الثدي هن على قائمة المنع الأمني، إذ فقدت ثلاث مريضات حياتهن جراء عدم تمكنهن من السفر بعد وضعهن على قائمة الرفض الأمني مطلع العام، و قد كنّ في انتظار آخر جرعات الكيميائي.[4]

نفذت وزارة الصحة الفلسطينية في آذار 2018، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية؛ دراسة مشتركة حول مريضات سرطان الثدي لمعرفة التحديات التي تواجه المريضات في قطاع غزة والقطاع الصحي إجمالًا. وأشارت نتائج الدراسة أن التحدي الأكبر أمام المريضات في غزة هو عرقلة وصولهن للعلاج في الضفة الغربية أو القدس، وحرمانهن من التصاريح، أو تأخيرها من جانب السلطات الإسرائيلية.

 

إحصاءات و دلالات

تنعكس الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة والمفروضة على المرضى بشكل سلبي على صحتهم وبقائهم أحياء، وتشير الإحصاءات إلى أن معدلات الرفض للتصاريح المقدمة للمرضى تزداد بشكل كبير جراء الإجراءات المفروضة.

يوضح الجدول أدناه النسب المئوية لمعدلات القبول والرفض للأعوام (2015-2017)، إذ تظهر المعطيات ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الرفض وعدم الرد على التصاريح، ما تسبب في موت 54 مريضًا في العام 2017، 85% منهم مرضى سرطان.

جدول (1): نسب تصاريح المرضى المرفوضة 2015-2017

السنة النسبة المئوية للقبول النسبة المئوية للرفض وعدم الرد
2015 77.66% 23.34%
2016 63.8% 36.2%
2017 54% 46%


تُظهر النتيجة أعلاه أن نسبة الرفض لتصاريح المرضى للعام 2015 كانت 23.34%، وارتفعت أكثر من 10% في العام 2016، و10% أخرى في العام 2017، لتصل إلى 46%. ويُدلل ذلك على خطورة هذه الإجراءات التي تُشكل أحد أهم التحديات أمام القطاع الصحي في غزة، ما يتطلب ضرورة التصدي لها.

 توضح أرقام طلبات تصاريح المرضى لشهر كانون الثاني 2018 (بلغ عدد التصاريح المقدمة 2007، تمت الموافقة على ما نسبته 56%، وبقي ما نسبته 38% في انتظار الرد، في حين رُفض ما نسبته 6%) وجود ارتفاع على نسب الموافقة على التصاريح المرضية، لكن استمرار الإجراءات يحرم العديد من المرضى في الحصول على علاج.

لم يتمكن ما نسبته 44% من إجمالي عدد تصاريح المرضى المقدمة لذلك الشهر من السفر لتلقي العلاج، أي أن 889 مريضًا من ضمن ما يسميه الاحتلال الإسرائيلي "الحالات الإنسانية الاستثنائية" فقدوا حقهم في العلاج الضروري. ويعاني 89 شخصًا منهم من أمراض القلب، وجزء منهم بحاجة ماسة إلى إجراء جراحة قلب مفتوح مستعجلة، في حين يعاني 188 من أورام سرطانية تحتاج إلى علاج إشعاعي أو كيميائي أو استئصال الورم، وهناك  79 شخصًا بحاجة للذهاب إلى قسم العظام، بعضهم من جرحى الحرب الأخيرة على غزة 2014، فضلًا عن 50 طفلًا يعانون من أمراض صدرية وسمعية ومشاكل خلقية عجزت مستشفيات القطاع عن علاجهم، و72 شخصًا يعانون من أمراض في الدم التي يجب تشخيصها أولًا ثم علاجها، لكن حالت قائمة المنع والانتظار بينهم وبين تلقيهم للعلاج، الأمر الذي وضع حياتهم على المحك، وجعل موتهم أقرب منه إلى الحياة.[5]

 يجب التنويه إلى أن أرقام الموافقات على العلاج مضللة أحيانًا، ففي جزء من الحالات يتم السماح بالسفر بعد استفحال المرض وتدهور حالة المرضى الصحية، أو يُسمح لهم مرة أو مرتين ثم يتم توقيفهم أمنيًا، مما يهدد حياتهم ويزيد من احتمالية حدوث انتكاسة صحية.

الإجراءات الإسرائيلية في ضوء مسيرات العودة

قدم مركز عدالة ومركز الميزان لحقوق الإنسان بتاريخ 12/4/2018، التماسًا لدى المحكمة العليا الإسرائيلية، يطالبان فيه بخروج مصابين حالتهم حرجة للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية جراء الأحداث المتواصلة المتعلقة بمسيرات العودة، إلا أن المحكمة العليا تماطل وتؤجل النظر في القضية حتى كتابة هذا التقدير، الأمر الذي يشير إلى تواطئ المحكمة العليا مع سلطات الاحتلال في سلسلة الإجراءات على مرضى القطاع بشكل خاص.[6]


مبادرات مجتمعية

نُفذت العديد من المبادرات من المؤسسات المدنية والقطاع الشبابي بهدف تسليط الضوء على معاناة المرضى في غزة، وحقهم في حرية الحركة والسفر للعلاج.

وفي هذا المجال حشد "تجمع نساء ضد الحصار" بتاريخ 13/2/2018 أعدادًا غفيرة من الأطفال والمرضى والمعنيين أمام مستشفى الرنتيسي مطالبين بإنهاء الحصار المفروض على غزة والسماح بدخول الأدوية إلى القطاع.[7]

كما دعت "بذرة خير" في تموز 2017، وهي مبادرة شبابية، الجهات المسؤولة للتحرك العاجل من أجل مرضى السرطان والسماح لهم بالسفر للعلاج، وتوفير العلاج الكافي. وفي هذا السياق قام وفد من مبادرة "بذرة خير" بلقاء رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني رامي الحمد الله خلال زيارته إلى القطاع مطلع العام 2018، ووضعه بصورة معاناة المرضى جراء الإجراءات الإسرائيلية وقائمة الرفض الأمني.[8]

تتضافر جهود المبادرات والحملات المجتمعية من أجل التأكيد على الحق في الحرية والتنقل من أجل العلاج، وإيصال صوت مرضى غزة وحقهم في العلاج لكل الجهات المعنية للمجتمع الدولي، لكن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية ما زالت مستمرة وتزداد تعقيدًا.


الجهود الرسمية

تبقى وزارة الصحة ودائرة التنسيق والارتباط على اتصال دائم بمنظمة الصحة العالمية والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان على أمل تغيير الوضع إلى الأفضل، لكن طبيعة عمل الدائرة تجبرهم على التعاطي مع الإجراءات الإسرائيلية المفروضة. وتلتزم الهيئة العامة للشؤون المدنية بهذه الإجراءات مجبرة، فهي من جهة لا تملك حق الرفض، ومن جهة أخرى تفضل مساعدة العدد اليسير على ألا تساعد البتة. كما تقوم العديد من المؤسسات الحقوقية بشجب واستنكار ما يقوم به الجانب الإسرائيلي، وفضح الانتهاكات التي يقوم بها بحق المرضى والمواطنين ككل.[9]

لا توجد مؤشرات على أنّ هناك جهدًا رسميًا منظمًا لإيجاد حلول جذرية للسياسات الإسرائيلية، فضلًا عن انسداد أفق تطوير القطاع الصحي في القطاع في ظل الحصار.

خاتمة

تظهر المعطيات السابقة بشكل جلي أن قائمة المنع تطول ولا تقصر، وأن سياسات الاحتلال الممنهجة لعرقلة وصول المرضى إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس تقوم على مبدأ أن الأصل هو المنع، والاستثناء هو السماح.

باءت محاولات العديد من المؤسسات والجهات المعنية الساعية إلى وقف الرفض الأمني المفروض على المرضى بالفشل الذريع، فإن استجابت السلطات الإسرائيلية على المناشدات والالتماسات المقدمة تكون استجابتها بعد فوات الأوان، وبعد أن تصبح إمكانية الشفاء شبه معدومة، وفي الغالب لا تستجيب.

ما لم تتظافر وتتكامل جهود جميع الجهات المعنية الحكومية والمجتمعية والحقوقية والدولية للضغط على سلطات الاحتلال لوقف هذه الإجراءات والانتهاكات بحق مرضى القطاع، فإن خطرًا متصاعدًا ومستمرًا يهدد حياة المرضى، وقائمة وفاة بينهم تزيد.


[1] كارثة إنسانية في الوضع الصحي في غزة؛ كيف يمكن إخضاع الاحتلال للقوانين الدولية؟!، عصام يونس،

[2] مقابلة شخصية، محمد المقادمة، مع مدير عام الإعلام والمنظمات الدولية، غزة، 1/3/2018.

[3] Hammad, Jarrar, Jubran, Shaar, Pathway to Survival: The story of Breast Cancer in Palestine, Gaza, January 2018

[4] المرجع السابق.

[5] منظمة الصحة العالمية، تقرير شهر كانون الثاني
[6] مماطلة محكمة الاحتلال تؤخر حصول مرضى غزة على علاج، موقع عرب 48، 14/4/2018.

[7] مقابلة شخصية، إيمان الصوراني، اتحاد لجان العمل الصحي، غزة، 30/3/2018.

[8] مقابلة مع محمد المقادمة.

[9] مقابلة شخصية، رفعت محيسن، مدير دائرة التنسيق والارتباط في وزارة الصحة، غزة، 3/3/2018.