أكبر من المؤامرات بقلم:خالد صادق
تاريخ النشر : 2018-04-16
أكبر من المؤامرات بقلم:خالد صادق


أكبر من المؤامرات
خالد صادق
كلما تمردت غزة على محاولات إخضاعها وترويضها تعرضت لضغوط اكبر إسرائيليا وأمريكيا ودوليا وعربيا وفلسطينيا, وتعددت وتنوعت الممارسات والأساليب والحيل الهادفة للسيطرة عليها, مسيرة العودة الكبرى انفجرت كالبركان في وجه الجميع, وبدأت الجهود المشتركة على كل الأصعدة ومن عدة جهات لوضع اليد على غزة وإدخالها حظيرة المساومات والمقايضات والإذلال, لكن غزة بقيت صامدة ضد الترويض والتهجين والتبعية, وأذهلت الجميع بصمودها الأسطوري في وجه المؤامرات, لم يكسرها الحصار الذي دخل عامه الثاني عشر, ولم تكسرها ثلاث حروب مدمرة, لم يكسرها الانقسام وتبعاته, ولم تستنزفها الانتفاضة الأولى التي استمرت سبع سنوات متتالية, ودخلت في انتفاضة التحرير حيث تحولت من المقاومة السلمية إلى المقاومة المسلحة, حتى تخلصت من الاحتلال الجاثم على صدرها, وها هي تخوض انتفاضة القدس المباركة في وجه الاحتلال الصهيوني, وتدخل في موجات من التصعيد ضده حتى تحقق أهدافها.

لقد فشل العالم كله في ترويض غزة وإخضاعها, لقد جربوا القوة بأبشع مظاهرها وصورها فلم يفلحوا, وجربوا المساومات والإغراءات والوعودات ولم يفلحوا, صمتوا على مسلسل الجرائم والقتل وأعطوا الضوء الأخضر للاحتلال ليمارس سطوته على الفلسطينيين كيفما يشاء ولم يفلحوا, تنكروا لكل الحقوق الفلسطينية التي أقرتها المواثيق والأعراف الدولية ولم يفلحوا, وخلع المجتمع الدولي القناع الزائف الذي كان يرتديه, وتضامن مع المحتل الغاصب وسهل له كل مسارات القتل وسفك الدماء ومنحه صك البراءة من كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحق الفلسطينيين ولن يفلحوا, فغزة ستبقى صامدة في وجه كل المؤامرات, تقدم أبناءها وفلذات أكبادها على مذبح الحرية, وتناضل وتقاوم وتتحدى الأعاصير والبراكين والزلازل بكل ثبات, لذلك بدأت مؤامرة ضرب غزة بزيادة حالة الخلاف والانقسام والشقاق بين السلطة وحركة فتح من جهة وغزة وحركة حماس من جهة أخرى, وبدأ سيناريو إعلان غزة «إقليماً متمرداً» وتساقطت التهديدات على رؤوس الغزيين وبالتأكيد لن يفلحوا لأن غزة محصنة ولديها مناعة قوية ضد التهديدات وهى تزيدها إصرارا على المواجهة.

لم يتوقع احد ان يخرج رئيس السلطة بهذا الخطاب «الفج» ضد غزة وأهلها, في الوقت الذي تقدم فيه غزة هداياها للسلطة بالدماء والضحايا كي تخرجها من حالة التجاهل الدولي والعربي والإسلامي, غزة أعادت قضية فلسطين إلى واجهة الأحداث مجددا, وأصبحت فلسطين تتصدر عناوين الأخبار, واهتمامات القادة والزعماء, ولو أحسنت السلطة التعامل مع الأحداث التي تبتدعها غزة في ميادين العودة, لاستطاعت ان تحقق مكاسب كبيرة لم تحققها على مدار 24 عاما من المفاوضات العبثية مع الاحتلال الصهيوني, لكن رئيس السلطة خرج علينا بخطابه «المشؤوم» لينذر غزة ويتوعدها بالويلات, ويحدد موعد إعلانها «إقليما متمردا» إذا لم تخضع له خلال ستين يوما من الآن, وستخضع لكل أشكال العقاب وألوانه المختلفة, وستتجرع من كأس المر ما لم تتجرعه من قبل, فالرئيس يطالب بكل شيء بالوزارات والأجهزة الأمنية والسلاح حتى يستطيع السيطرة على غزة ولا تكون هناك أي قوة موازية للسلطة, وإلا فلن يقدم لغزة أي دعم (وعليهم ان يشيلوا), ولا ادري هل من الممكن لعباس وسلطته ان يدافع عن غزة إذا ما تعرضت لعدوان من الاحتلال؟ وهل يستطيع حماية قادة المقاومة المهددين بالتصفية من الاحتلال؟ وهل من الممكن ان يسمح لمسيرات العودة بالوصول إلى المناطق الحدودية؟ وهل سينسق امنيا مع الاحتلال الصهيوني كما يفعل في الضفة؟ أسئلة تحتاج لإجابات.

من حقي ان اسأل رئيس السلطة الفلسطينية علام وقعتم في القاهرة, الم توقعوا على اتفاق للمصالحة الفلسطينية بحضور كل الفصائل وبرعاية القاهرة؟ لماذا لا تلتزمون بما وقعتم عليه, أم أنكم كنتم تعبثون بمصائرنا, وتساومون على حقوقنا فقط لإظهار أنكم مع مصلحة الفلسطينيين؟ هل تملكون إرادتكم بأيديكم أم أنكم تحتكمون لجهات خارجية تسيطر على مواقفكم وقراراتكم؟ كيف يمكن ان تقامروا بمصير الشعب كله لأجل إرضاء غروركم ونزواتكم, كيف تقامرون بمصير القضية الفلسطينية وتحاصرون المقاومة بهذا الفجر والجبروت؟ ان ابسط قواعد الدبلوماسية ان تحاولوا التعاطي مع واقع الشعب في قطاع غزة بعقلانية وإدراك, لكنكم افتقدتم لأبسط أساليب الدبلوماسية والسياسة, واستهدفتم الغزيين في قوت عيالهم وعاقبتوهم على ذنب لم يرتكبوه, وزدتم على حصارهم ألف حصار, ولا ندري لمصلحة من يتم هذا, ولأجل أي شيء يا سيد عباس, المسألة لا تحتاج لكل هذا الفعل الشنيع, فقط تحتاج لتنفيذ ما وقعتم عليه من اتفاق في القاهرة أم ان هذا كثير على غزة, ويجب عليها ان تنكسر وتخضع وتدفع ضريبة انتصارها وعصيانها على كل المؤامرات؟