حروب الشرق الحديثة بقلم: محمود الجاف
تاريخ النشر : 2018-04-15
حروب الشرق الحديثة بقلم: محمود الجاف


بسم الله الرحمن الرحيم
حروب الشرق الحديثة
محمود الجاف
تلعبُ المُخابرات دوراً حاسماً بالإنتصار في الحُروب وتعتبرُ خُطَة الضابط الفرعوني “توت” سنة 3590 ق . م أولى العمليات حين أرسل 200 جندي داخل أكياس القمح إلى يافا وتمكنوا من السيطرة على الميناء وتسليمهُ للجيش المصري المُرابط حول المدينة . ولا توجد دولة في العالم لا ينشط على أرضها أكثر من جهاز مُعادِ وصَديق في حالة السلم أو الحرب بما في ذلك الولايات المُتحدة الأمريكية نفسها .

وفي سـوريا كغيرها عملت أجهزة استخبارات عدة دول صديقة وعدوّة مُنذ ماقبل 2011م وكان هذا الأمر تحضيرياً لما حصل لاحقاً بعد أن بدأت نشاطاً غير مسبوق حتى وصل عددها إلى 16 جهاز مُخابرات عالمية . بعضها شكل خطراً حقيقياً ودعم المُعارضة بشقيها السياسي والمُسلح وأمدهُم بالمعلومات والسلاح والخطط العسكرية والإعلام التحريضي وآخرين ساعدوا النظام بينما اخترقت أجهزة أخرى مناطق عديدة منها بعض المفاصل الحساسة . وتعمل جميعها ضدّ بعضها أو تنسّق أحيانا فيما بينها تبعاً لمصالحها . مثال : عمل المُخابرات الأميركية ضدّ الروسية . لكنهُما قد يتفقان فيما بينهما في قضية ما ضد المُخابرات الفرنسية مثلًا .

أما الأجهزة التي تتعاون مع المخابرات السورية فهي : الروسية . الإيرانية . العراقية . استخبارات حزب الله . والصينية بشكل خفي مع وجود غير دائم لأجهزة أخرى مثـل : البلجيكية ، الكندية ، الكورية ، المصرية ، الباكستانية . وغيرها . رغم إن المخابرات الكورية تلعبُ دوراً هاماً في توريد الأسلحة غير التقليدية .

يُنظر إلى مُسمى حملة صليبية في عديد من الثقافات الغربية نظرة إيجابية على أنها جاءت من اجل الخير ولهدف سامي وقد يتخطى الإطار الديني فقد ترد عبارات كـ" بدأ فلان حملة صليبية لإطعام الجياع " كما استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش هذا المُصطلح لوصف ما أسماهُ الحرب على الإرهاب في 11 سبتمبر 2001م في عبارة مُثيرة للجدل "This crusade, this war on terrorism is going to take a while ." أي " هذه الحملة الصليبية على الإرهاب سيستلزمها وقت ." وتعتبر الشخصيات التي شاركت فيها أبطالاً مُحاطين بهالة من القداسة مثل : لويس التاسع الذي يُعتبر قديسًا ويُمثل صورة المُؤمن الخالص في فرنسا وريتشارد قلب الأسد ملكا صليبيا نموذجيا وكذلك فريدريك بربروسا في الثقافة الألمانية .

ويراها المُسلمون استعمارية دموية إقصائية واستغلالية انتهازية سعى قادتها إلى تطويع البسطاء للسيطرة على ثروات ومُقدرات الشرق وان صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس كانوا أبطالا مُحررين والأمة الآن بأمس الحاجة لأمثالهُم وهي حقيقة . فبعد أن فقدت قادتها وقدواتها ضاعت كقطيع الأغنام الذي هاجمتهُ الوحوش من كل ناحية . والمُشكلة إننا نُصدق كل ما يُقال ومنها إن بينهُم حربًا كبيرة من أجلنا وأن روسيا مثلًا تعمل جاهدة لإنقاذنا من براث أمريكا والغرب ولكننا واهمون فهم كفريق كرة الطائرة . احدهُم يستلم الكرة والآخر يرفعها والثالث يضربها بأقصى قُوة ليفاجئ الخصم أحيانا بشدتها أو يصور لهُ ذلك ويحتال عليه ويدفعها ببطئ شديد .

وكما يجري في كل مرة فقد أعدَت ال MI6 فصول المسرحية الهزلية فقد نشرت وسائل الإعلام البريطانية أن رجلًا يدعى سيرغي سكريبال قد تعرض لعملية تسميم وحالته "حرجة". وكان هذا الرجل قد اعتقل عام 2006م في روسيا بعد أن اكتشف أمر تجسسهُ لحساب المملكة المُتحدة وحكم عليه بالسجن 13 عامًا قبل أن يفرج عنهُ بعد 4 سنوات باتفاق لتبادل الجواسيس بين البلدين . وقالت لندن إنها سترد بحزم . وبحسب شرطة ويلتشير فإن رجلاً نقل مع امرأة ثلاثينية إلى مُستشفى في سالزبوري في جنوب إنكلترا " بحالة حرجة " بعد أن تسمما بمادة غامضة مُشيرة إلى أنه تم العثور عليهما فاقدين للوعي على مقعد في مركز تجاري .

وبحسب " BBC " فإنه قبض من ال MI6 مبلغ 100 ألف دولار مُقابل تزويدها بأسماء الجواسيس الروس الموجودين في بريطانيا . وهدد وزير الخارجية بوريس جونسون أن بلادهُ سترد "بحزم" وأعلن الكرملين أن لا معلومات لديه عن هذا الحادث واصفًا إياه بأنه "مأساوي". وقال ديمتري بيسكوف المُتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مُؤتمر صحفي . أن لندن لم تقدم أي طلب للحصول على مُساعدة في التحقيق الذي أطلقته الشرطة بعد العُثور على الكولونيل السابق في جهاز الإستخبارات الروسي البالغ من العُمر 66 عامًا . وأكد أن "موسكو مُستعدة دائما للتعاون".
وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان عملية مقتل ليتفيننكو بمادة البولونيوم المُشعة التي وضعت لهُ في الشاي في لندن . وتسبب الحادث بأزمة دبلوماسية كبيرة بين لندن وموسكو . الأمر الذي جعلها تلتزم الصمت إزاء الضربة الأمريكية الفرنسية البريطانية لسوريا والتي يتضح من خلالها وجود صفقة مُقابل السكوت وتجاوز الخلافات حول مُحاولة اغتيال الجاسوس أو القيام بالرد وعلى إحدى الدول العربية أو الإسلامية وعلينا أن نضع في حساباتنا إن ما يحصل حاليًا هي حُروب لأجهزة المُخابرات التي تستعين بالجيوش أحيانًا ولابد لنا أن نفهمها أو العمل على ذلك من اجل الوصول إلى بعض الإمكانية في وضوح الأهداف وتخطيها وإنقاذ شعوب المنطقة من نيرانها وظُلمها وأن لا تنطلي علينا فكرة أن بوتين وخامنئي أو أمريكا وفرنسا وأمثالهم يريدون مُساعدتنا بل إنهُم جزء من قطيع الذئاب الذي يُمزق جسد الأمة الآن ويتقاسمهُ في الأيام القادمة ...