قراءة في رواية مقتل بائع الكتب بقلم منى النابلسي
تاريخ النشر : 2018-04-15
قراءة في رواية مقتل بائع الكتب
بقلم منى النابلسي
رواية مقتل بائع الكتب، للروائي العراقي سعد محمد رحيم، تقع في 219 صفحة من القطعة المتوسطة، تدور أحداثها الفعلية
بين بعقوبة وبغداد، إذ يطلب عجوز مجهول من صحفي ذائع الصيت ان يؤلف كتابا عن محمود المرزوق بائع الكتب الذي قتل في جريمة غامضة في بعقوبة قبل أسابيع قليلة، وتقييد قضيته ضد إرهابي مجهول، وكي يؤكد العجوز للصحفي (الأستاذ ماجد)، صدق نواياه، فإنه يحول له مالا يعادل راتب عامين في عمله في الكتابة الصحفية، ليجد الصحفي الأستاذ ماجد نفسه، يبحث في تفاصيل حياة بائع الكتب المقتول محمود المرزوق، فيسافر إلى بعقوبة التي يقيم فيها شهرين، وتحمله تفاصيل القصة لمطاردة حياة محمود المرزوق في براغ وباريس.
زمن الرواية الفعلي هو العراق 2009/2010، لكنها في معرض استشراف حياة محمود المرزوق تعرج على حقبة تاريخية تمتد من 1968 إلى 2010 .
شخصية الرواية الرئيسية هي بائع الكتب المقتول محمود المرزوق، حيث تدور حوارات كافة الشخصيات الأخرى حول الشخصية الرئيسية، فكل الشخصيات التي التقاها الأستاذ ماجد في بعقوبة كانت لها علاقة بمحمود المرزوق بطريقة ما، فكل من عرف عن نيته كتابة كتاب عن حياة المرزوق أراد أن يسجل شهادته، أو يخرج للأستاذ ما في جعبته حول مرزوق الشخصية المثيرة للجدل، بعضهم للتاريخ وبعضهم حبا فيه، وبعضهم بغضا له.
يغلب على الرواية الطابع السردي الذي يأتي متسلسلا احيانا، ومتجاوزا لقفزات زمنية طويلة في احيان اخرى، اذ تروى الرواية بضمير الغائب تفاصيل حياة محمود المرزوق على السنة اصدقائه ومعارفه، وحتى أعدائه، كما لجأ الكاتب للرسائل والمحادثات واليوميات لسرد نتفا غامضة من حياة محمود المرزوق حافظ من خلالها على التشويق، والغموض الذي تحقق من خلال كشف حقائق دون غيرها في فصول مختلفة في الرواية، وبذلك يكون قد وخرج بسلاسة من مشقة رسم تلك الاحداث، رسما روائيا، فجاء الحديث العاطفي عنها خارج الزمان والمكان ومتجاوزا للعديد من التفاصيل الواقعية والتعقيدات البنائية، ليركز على العمق النفسي والفلسفي للأحداث، وعن علاقتها في تكوين شخصية محمود المرزوق، أكثر منه حالة خلق للحدث.
تحدثت الرواية عن شباب محمود المرزوق ابن الأسرة الثرية الذي يتلقف الفكر الشيوعي دون ان يعاني يوما من قلة المال! والذي وبسبب غدره بفتاة فلاحة فقيرة، تضرم النار بنفسها بعدما تركها، يجد نفسه في سجن يتهم فيه بانتمائه السياسي، وهو في الحقيقة انتقام من معارف أهل الفتاة له، ولا يكشف الكاتب عن ذلك إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية، فيبقي القارئ على شوق وشغف، ويروي على ألسنة متعددة قصة نقل المرزوق مع خمسمائة سجين سياسي، فيما عرفته العراق باسم قطار الموت إلى السجن الصحرواي، وهو قطار مغلق الأبواب والنوافذ، وارضيته من القار، سافر من بغداد إلى الصحراء دون ان يعرف سائقه ما يحمل، إلى ان بدء السجناء يحاولون خلع الأبواب بعدما مات بعضهم اختناقا، فقرر السائق الانطلاق بأقصى سرعته إلى وجهته، فاختصر ثلاث ساعات من زمن الرحلة، منقذا بذلك حياة معظم المعتقلين آنذاك ..
ويخرج محمود من سجنه ليقع في حب بورجوازية أخرى يسميها غادة، ويتحاشى ذكرها بالاسم حتى في يومياته، لانها تتزوج من رجل مهم في بعقوبة وتبقى هي جرح قلبه ، إلى أن تموت قبيل وفاته بعامين بمرض القلب. ويسافر بعدها إلى براغ، حيث يلتقي ناتاشا، ابنة العميل الروسي الذي يصفيه التشيك، وهي طفلة، ولتلاحقها المخابرات بعد ذلك، وتنصب لها كمينا من خلال محمود المرزوق الذي يعتقلونه لليلة كاملة، لا يتحدثون فيها إليه بكلمة، ثم يرجعونه إلى الشقة حيث ناتاشا تنتظره، ويوهمونها أنها اعترف بكل شيء، ويغادر بعدها براغ إلى باريس عقب تحذير صديق له عراقي، ويترك ناتاشا تواجه قدرها، فقد قتلتها المخابرات التشيكية بعد اغتصابها وتعذيبها.
وفي باريس تكون له حكاية أخرى مع جانيت، الابة العشرينية التي تعمل موديلا للرسامين الهواة، والتي يتركها تواجه قدرها دون أي كلمة منه ويعود إلى بعقوبة، ويتركها تقضي وحدها بمرض السرطان، فيما يبدأ هو حياة جديدة في بعقوبة، كصاحب مكتبة، ثم كصاحب سرداب يضم مكتبة ويعيش فيه.
وفي بعقوبة أيضا يجد المرزوق نفسه متورطا مع فتاة يسميها رباب، لها أخ إرهابي، حتى تتجه أصابع الاتهام في الشرطة إلى أخيه، ويسود الاعتقاد أن قتله كان على خلفية الشرف، قبل أن يوضح الكاتب أخيرا، عبر مكالمة هاتفية من شرطة بعقوبة، تخبر فيها الأستاذ ماجد أن المرزوق قتل بالخطأ وأن المقصود بالقتل كان عجوزا آخر له مواصفاته!
تروي الكتابة مع أحداثها حكاية الحكم المستبد في العراق، وتفاصيل التحول الشيوعي فيها، وطبيعة علاقة الناس بالحزب، وشيء عن سجونها، وبرجوازيتها، ونسيجها الاجتماعي، وبعض من تفاصيل الحرب على العراق، وتشكل العصابات الإرهابية فيها. وتسجل من خلال الروايات المتعددة لحياة المرزوق حوارا فلسلفيا عميقا، وتكشف عن أبعاد نفسية واجتماعية وإنسانية معقدة.
ولعل ما قاله المرزوق يوم منح فرصة التحدث عبر المايكرفون لمن جاءوا يسمعون شهادته على العصر، تختصر فلسفة الرواية في سرد أخطر الأحداث في خلفية حياة رجل مثير الجدل، فقد قال المرزوق يومها:" بصراحة سيداتي آنساتي سادتي، أود الكلام عن أشياء ثلاثة؛ الكتب والنساء والمدن. ليست أية كتب أو أية نساء أو أية مدن، بل عن الكتب الآثمة، والنساء الآثمات، والمدن الناهضة بالإثم".