أمريكا تقرر ضرب سورية لإنقاذ ماء الوجه بقلم: محمد كاظم خضير
تاريخ النشر : 2018-04-15
أمريكا تقرر ضرب سورية لإنقاذ ماء الوجه بقلم: محمد كاظم خضير


امريكا تقرر ضرب سوريا لانقاذ ماء الوجه الأمريكي
------------------
محمد كاظم خضير
فى 4/11 (2018) تعرضت مدينة دوما في سوريا لقصف بغاز السارين السام ما أسفر عن وقوع عدد كبير من الضحايا فى واحدة من أبشع المجازر التى مورست ضد السوريين منذ اندلاع الصراع بين النظام والمعارضة قبل سبعة سنوات. المجزرة فتحت باب الجدل الدولى مرة أخرى بشأن الأطراف المسئولة عن استخدام الأسلحة الكيماوية من بين طرفى الصراع السورى؛ فهناك وجهة النظر الروسية- الإيرانية- السورية التى ترى أن فصائل المعارضة بإدوما تمتلك مستودعا للسلاح الكيماوى وأنها المسئولة عن استخدامه، وأن اتهام دمشق بالمسئولية عن هذا القصف مسألة سابقة لأوانها قبل إجراء تحقيق دولى فى هذا الشأن. بينما تشير وجهة النظر المقابلة، والتى تتزعمها الولايات المتحدة وعدد كبير من القوى الدولية والإقليمية، إلى مسئولية النظام السوري عن المجزرة وتورطه فيها مستندة إلى مجزرة مماثلة مورست ضد سكان الغوطة الشرقية فى أغسطس 2013. وفى الحالتين كان الموقف الأمريكى من تلك المجازر حاضرا وإن اختلفت ماهيته نظرا لاختلاف سياسات الإدارة الأمريكية من الصراع السورى بين الرئيس السابق بارك أوباما والرئيس الحالى دونالد ترامب. فقد استغل أوباما آنذاك مجزرة الغوطة الشرقية فى رعاية اتفاق أممى أُسس بناء على مبادرة روسية تقضى بوضع ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية. وفى 29 سبتمبر 2013 صدر قرار مجلس الأمن رقم 2118، الذى وضع إطار عمل “للتدمير العاجل لبرنامج الأسلحة الكيماوية السورى بطريقة أكثر أمانا”. وبمقتضى ذلك تراجعت إدارة الرئيس الأمريكى السابق عن ما أسمته بالخطوط الحمراء التى لا يُسمح لنظام الأسد بتجاوزها فى إشارة إلى استخدامه للأسحلة الكيماوية، ومثل النكوص الأمريكى عن توجيه ضربة عسكرية للنظام وقتها نوعا من الاعتراف بشرعيته فى مواجهة المعارضة.

الأمر اختلف كليًّا بالنسبة لترامب الذي أولى الأزمة السورية قدرًا من التفاعل عبر الانخراط العسكري الفعلي في سوريا من باب محاربة الإرهاب؛ فبعد أيام قليلة من تصريحات من ترامب بانسحابه من سورية ، جاءت مجزرة دوما ليعيد النظام السوري فيها المشهد نفسه متجاوزًا كافة الخطوط الحمراء، وواضعًا ترامب في اختبار شديد الصعوبة لسياسته الخارجية في منطقة المشرق العربي، ما دفع الأخير إلى الإدلاء بتصريحات تشير إلى أن موقفه من نظام بشار الأسد قد تغير، وأنه بصدد التشاور مع الكونجرس والبنتاجون لاتخاذ خطوات قاسية ضده. وبالفعل وبعد ساعات من تلك التصريحات شنت الولايات المتحدة في السابع من


 
قامت القوات الأمريكية -البريطانية -فرنسيه ، فجر يوم 14 /4 الجاري، بتوجيه 100ضربة صاروخية من طراز “توماهوك” من مدمرتين تابعتين للبحرية الأمريكية في البحر المتوسط، استهدفت مواقع عسكرية. وجاء ذلك على خلفية التلويح الأمريكي في 7 /4 الجاري بدراسة خيارات عسكرية في سوريا للرد على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي مؤخراً في دوما .

الهجوم الذي تم باستخدام صواريخ توماهوك وأدى إلى إلحاق خسائر محدوده بالمواقع العسكريه يحمل العديد من الدلالات، ويعد مؤشرًا مهمًا على تغيرات مستقبلية في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية.”قد” لا تقف هذه التغيرات عند حد محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإنما تتعدى ذلك إلى دور أكثر انخراطًا في الصراع السوري عبر إعادة تقييم واشنطن لحساباتها السياسية والأمنية في سوريا، وهو ما قد يدفع علاقاتها بغيرها من القوى الداعمة لنظام بشار الأسد وتحديدًا روسيا وإيران إلى مزيد من الصدام.

من اهم الدوافع وأهداف الضربة العسكرية الأمريكية لمواقع السورية أثارت عدة تساؤلات بشأن الأسباب التي أدت إلى تغيير موقف الرئيس الأمريكي من النظام السوري، وهل كانت واشنطن في انتظار هذه الخطوة غير المحسوبة من جانب النظام السوري ليحدث هذا التغير النوعي في موقفها تجاهه، أم أن هناك “أسبابًا كامنة” تقف وراء ذلك؟ وما هي الأهداف المنتظرة من تلك النقلة النوعية الأمريكية، وهل ستكون الضربة مقدمة لغيرها من الضربات أم ستقف عند حد اعتبارها مجرد ضربة عقابية لا أكثر؟ في هذا السياق يرى المحللون أن ثمة جملة من الدوافع والمنطلقات مثلت مدخلات مهمة للإدارة الأمريكية أدت إلى حسم أمرها بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري يمكن تلخيصها في التالية:رغبة ترامب في توجيه رسائل لإيران التي اعتبرها الراعي الرئيسي لنظام في سوريا، ووضع حلفائها العاملة في سوريا على قدم المساواة. هذا بخلاف عدم استساغته شخصيًّا، ومجموعة مستشاريه السياسيين والعسكريين، للاتفاق النووي الإيراني باعتباره منح إيران نفوذًا متناميًّا في المنطقة على مدار ثلاثة اعوام . ومن ثم، فإن ضربة سريعة وخاطفة ونوعية ضد حليفها نظام الأسد قد تمثل خطوة البداية في طريق الانخراط العسكري الأمريكي الشامل في الأراضي السورية بما يعنيه ذلك من تقليص النفوذ الإيراني الذي تمدد بشراسة داخل سوريا على مدى يتعلق بدلالة “محدودية ” الضربة؛ فالضربة سريعة وخاطفة ونوعية ومحدودة النطاق بالنظر إلى طبيعة الهدف الذي تم تحديده وأثره في القدرات العسكرية للنظام السوري. محدودية الضربة تعكس أمرين: الأول، أنها لا تعبر – حتى الوقت الراهن – عن تدخل عسكري أمريكي شامل وواسع في الصراع السوري؛ فلم تستخدم واشنطن طائراتها العسكرية الموجودة في قاعدة إنجرليك التركية في استهداف المواقع السورية، وإنما استهدفته بصواريخ من مدمراتها الحربية في البحر المتوسط. والثاني، أنها لن تكون رادعة للنظام السوري على المدى المنظور لأنها لم تستهدف إصابة كافة الآليات والقدرات السوري التي كانت متمركزة في المواقع المستهدفة – البعض يعزي ذلك إلى أن واشنطن أخبرت موسكو بالضربة مسبقًا – بشكل قد لا يشل من قدرة النظام السوري على استخدام المواقع في شن هجمات على المعارضة. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن الاستهداف الأمريكي للقدرات العسكرية للنظام سيمثل عاملًا لكبح النظام تجاه استخدام أي سلاح كيماوي مرة أخرى، خاصة بعد أن أساء تقدير رد الفعل الأمريكي المحتمل على استخدامه.