خوف إسرائيل على الضفة الغربية .
عبرت الكثير من القيادات الإسرائيلية ، السياسية ، والعسكرية ، عن قلقها الكبير من احتمالية اندلاع مسيرات جماهيرية حاشدة في الضفة الغربية ، وذلك دعما لمسيرات العودة ، التي انطلقت في قطاع غزة ، في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض ، وما يعمق الخشية والقلق الإسرائيلي ، هو أن الطبيعة الجغرافية، والسكانية الفلسطينية، كما الخريطة الاستيطانية اليهودية ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تداعيات ، واثار، اخطر بكثير على إسرائيل ، من الاثار التي تسببها المسيرات في غزة ،حيث يوجد أكثر من سبعماية ألف مستوطن يهودي ، إضافة لعشرات آلاف الجنود الإسرائيليين ، المتواجدين في قلب ثلاثة ملايين فلسطيني ، وعلى مساحة جغرافية اكبر بكثير من مساحة قطاع غزة ، مما قد يؤدي اندلاعها إلى انهيار تام في الحالة الأمنية في الضفة القدس وداخل الخط الأخضر ، مما سيخلط كل الأوراق الإسرائيلية .
ما يعزز قلق ، وخوف إسرائيل ، هو أن استمرار المسيرات في قطاع غزة ، قد يؤدي إلى إحراج قيادتي السلطة الفلسطينية ،وحركة فتح في الضفة ، وزيادة الضغط الشعبي عليهم ، وتعميق حالة الاحتقان، والغضب في أوساط الشارع الفلسطيني عموما ،وأنصار حركة فتح خصوصا ، مما سيفرض على قيادة السلطة ،وحركة فتح ، السماح بتنظيم مسيرات ،ومظاهرات، ستنطلق باتجاه المستوطنات اليهودية ، ومعسكرات، وحواجز الاحتلال العسكري ، مما يعني حدوث تحول ، وتغيير جذري في الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية في الضفة ، والذي يمس ، ويضرب عصب دور السلطة من وجهة نظر إسرائيلية ، حيث أرادت إسرائيل أن تحقق من ضمن أهداف اتفاقية اوسلوا ،إحكام الاحتلال الاستعماري العسكري، والاستيطاني الشامل لكل الجغرافيا الفلسطينية ، والتفرغ لتهويد مناطق ج والقدس ، والانتقال من الاحتلال العسكري المباشر للتجمعات السكانية الكبرى ، للاحتلال غير المباشر ، من خلال إيجاد مجموعة فلسطينية ستضطر لقبول التعايش مع الاحتلال والاستيطان ، وذلك عبر إقامة كيان فلسطيني ( سلطة حكم ذاتي ، وليس دولة مستقلة ) ،يشكل حاجزا ماديا ، ونفسيا ، ما بين الجماهير الفلسطينية من جهة ، وما بين القوات العسكرية الإسرائيلية ، والمستوطنين من جهة أخرى ، وان يتحمل هذا الكيان الفلسطيني ، مسؤولية أعباء حياة الفلسطينيين ،بما فيها، منع أي عمليات تستهدف الاحتلال العسكري، والاستيطاني ،ومنع وصول المتظاهرين الفلسطينيين من معازلهم، إلى الاحتكاك مع الاحتلال الإسرائيلي ، لا أن تقوم هذه السلطة بقيادة هذه المظاهرات ، كما هي الحال الآن في غزة ، وما تخشى إسرائيل حدوثه مع سلطة الضفة الغربية لاحقا ، في حال استمرت وتصاعدت المسيرات على الحدود المصطنعة لقطاع غزة ، والذي سيضع إسرائيل أمام خيارات معقدة جدا ، سواء في استمرار المظاهرات في قطاع غزة ، والضفة الغربية وبما فيها من استنزاف عسكري وسياسي وأخلاقي ، أو التفكير بإعادة الاجتياح الكامل للتجمعات الفلسطينية ، والقضاء على السلطة الفلسطينية ، بعد أن انقلبت على أوسلو ، وانتقلت من مشروع خدماتي إداري ، واقتصادي ، وامني ، إلى مشروع مقاومة ،وكفاح ، وانتهاء بخيار العودة لعملية سياسية مع القيادة الفلسطينية ، ستجد إسرائيل نفسها مضطرة لتغيير أساليبها ألمعروفه الاستعلائية المبنية على سياسة القوة فقط ، وما حديث اللواء العسكري المتقاعد في الجيش الإسرائيلي، اورن شاحور، حول دعوته الحكومة الإسرائيلية للتفاوض مع حركة حماس ، بشكل مباشر ، أو عبر قنوات عربية ، للتوصل لحلول ووقف المسيرات ، ومنع استمرارها ، وانتقالها للضفة الغربية ، لما لها من تداعيات سياسية ، وأمنية إستراتيجية ، على مجمل العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية ، كما العلاقة الإسرائيلية مع بعض الدول العربية ،وخاصة السعودية في ظل تلهف الأمير محمد بن سلمان لإقامة علاقات قوية مع إسرائيل ،كما ان التسريبات حول قيام إطراف سعودية ، ومصرية بالضغط على حركة حماس من اجل وقف المسيرات ، يأتي في نفس سياقات البحث الإسرائيلي عن حلول سريعة للازمة الحالية ، بما يضمن عدم تسجيل انتصار، وانجاز كبير لحركة حماس ، وضمان وقف المسيرات ، التي أعلن منظميها أنها ستستمر وستتصاعد حتى الخامس عشر من أيار القادم ، وذلك في الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني ، وتزامنا مع الاحتفالات المستفزة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس .
تعي إسرائيل تماما ، أن تسمية المسيرة ، بمسيرة العودة الكبرى ، لم يكن قرار اعتباطيا ، أو متسرعا ، بل لقدسية حق العودة لدى كل الفلسطينيين ، وفي مقدمتهم ، طرفي الانقسام في الضفة والقطاع ، حيث أراد المنظمون مشاركة واسعة في المسيرات ، وهذا ما جرى في الأسابيع الأولى ، حيث المشاركة الواسعة ، رغم التهديدات الإسرائيلية الكبيرة لمن يشارك فيها ، والتي يفهمها الإسرائيلي جيدا ، أنها تؤكد فشل سياسة العصا الخشنة الإسرائيلية لكي الوعي الفلسطيني ، كما هي فشل، في سياسة الجزرة الناعمة لاختراق الوعي الفلسطيني ، وإذا كانت الجمعة الثانية التي أطلق عليها المنظمون جمعة الكاوتشوك ، قد أرسلت رسالة للإسرائيلي ، مفادها ، أن الأسلاك، والجدران المحيطة بقطاع غزة ، لم ولن تمنع من الوصول للاحتلال والاشتباك معه ، وان كتلة الغيوم السوداء، التي غطت كل التجمعات اليهودية المحيطة في قطاع غزة ،قد أرسلت رسالة واضحة ، انه لن تبقى مياه، وأجواء، وبيئة غزة ملوثة لوحدها ، مما حدا بكل الإسرائيليين في تلك المناطق لأخذ الاحتياطات لمواجهة الدخان المتصاعد من إطارات الكاوتشوك المشتعلة ، وإذا كان الإسرائيلي قد استوعب رسالة إعادة طرح حق العودة، والنضال الشعبي للوعي الشعبي الفلسطيني ، فانه يعي تماما أن الضفة أكثر تعقيدا وخطورة أمام مشروعه الاستيطاني التهويدي في فلسطين ، ومشروعه التوسعي للهيمنة على المنطقة العربية برمتها ، وان قضية الانفجار باتت حتمية ، طالما، أن هنالك شعب فلسطيني مصمم على الحرية والكرامة .
خوف إسرائيل على الضفة الغربية بقلم:عادل شديد
تاريخ النشر : 2018-04-15