تجربة ذاتية 2 بقلم:د.محمد البوجي
تاريخ النشر : 2018-04-05
تجربة ذاتية 2 بقلم:د.محمد البوجي


التجربة الذاتية للأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي
الحلقة الثانية

سافرت إلى مصر للدراسة يوم الثالث من أكتوبر 1974م  في كلية التجارة في جامعة حلوان،  في حي الزمالك بالقاهرة – فرع البريد– كان سفرنا غريبا جدا ، كنا نركب الحافلة، يضع الإسرائيليون ستائر زرقاء محكمة على الشبابيك وعند السائق جندي يحمل سلاحه مصوبا إلى وجوهنا ، كأننا أسرى حرب ، وبطريقة معقدة يتم تسليمنا إلى الجانب العربي المصري، يا الله كم كنا فرحين عندما شاهدنا الجنود المصريين ورأينا في سيناء دبابات إسرائيلية محترقة، شاهدنا بانوراما حرب أكتوبر 73 في سيناء ،  درست في كلية التجارة  قرابة خمسة  أشهر كنت أدرس فيها الرياضيات والانجليزية والألمانية , كانت خارج قناعاتي. في منتصف شهر إبريل  أبلغني أحد الأصدقاء أنه رأى اسمي قد صدر في قسم اللغة العربية في جامعة الأزهر، فورا وبلا تردد قررت الانسحاب من كلية التجارة ، والدراسة في قسم اللغة العربية، باقي للامتحان أقل من شهر واحد، اشتريت الكتب وزرت بعض الأصدقاء لمعرفة المقرر ونجحت في جميع المواد. عندما شاهدت أستاذي في جامعة الأزهر أقسمت بيني وبين نفسي أن أكون أستاذا بالجامعة مثله, دفعني ذلك للقراءة كثيرا  حتى أصبح المنهج بالنسبة لي شيئا يسيرا فكنت أذهب كل يوم خميس مساء  إلى سور الأزبكية بالقاهرة  لشراء الكتب المستخدمة، فقد اعتدت أن أخصص ربع جنية كل أسبوع  لشراء الكتب، كانت تباع الكتب بأسعار جدا بسيطة وهي بقايا مرحلة ناصر الثقافية. أذكر حادثة بسيطة دفعتني بحدة نحو فكرتي، وهي أن الدكتور عبدالله عبد الغني أستاذ الأدب العباسي سأل سؤالا حول: من يشرح بيت الشعر التالي (نسيت البيت) نظرت فلم أجد أحدا وساد الصمت القاعة لأكثر من نصف دقيقة، رفعت يدي وشرحت، قال الدكتور: حرام أن تكون هنا، أنت مكانك أكسفورد، شعرت بحالة من الانتعاش أو الانتصار. حصلت عام 1978م على الليسانس في اللغة العربية وقررت أن أكمل الدراسات العليا, في تلك الفترة حدث اغتيال الكاتب المصري المعروف يوسف السباعي بعد زيارة السادات لإسرائيل بحجة أنه كان ضمن الوفد, منعت الحكومة المصرية تسجيل الفلسطينيين  للدراسات العليا وتم طرد الطلبة من لجنة الامتحان في الدراسات العليا. لم أفقد الأمل في الحصول على تلك الشهادة، بحثت عن حل آخر لإكمال الدراسة , كنت قد سمعت عن معهد جامعة الدول العربية للدراسات العليا ذهبت إلى سفارة فلسطين بالقاهرة  فطردوني لأني لم يكن لدي واسطة, ذهبت مرة أخرى للسفارة وقابلت نائب السفير فأعطاني درسا في الأدب وفي كيفية التعامل مع السفارة والانضباط في المواعيد. ولأنني شخص عنيد في الأمور الإيجابية أخذت ملفي وتوجهت فورا إلى موقع جامعة الدول العربية مباشرة  في ميدان التحرير بالقاهرة , دلني موظف هناك على عنوان المعهد، ذهبت توا إلىه , قابلت موظفا في المعهد  قال لي: هم الآن مجتمعون في الطابق العلوي يقومون بتحضير الأسماء ويوجد  مندوب فلسطين الدكتور أحمد صدقي الدجاني،  قابلت السكرتيرة  التي رفضت أن  تتعامل معي لأن هناك اجتماع، لكن مع إصراري المستمر وأنني قادم من غزة الآن في مهمة خاصة له، استجابت لي، دخلت وأبلغته، خرج الأستاذ الدكتور أحمد فشرحت له قصتي، أخذ ملفي وبشرني، وفي اليوم التالي وجدت اسمي  على رأس قائمة الأسماء المكتوبة في قائمة المقبولين. كانت  المنحة خمسة وسبعين جنيها مصريا كانت تكفي للحياة في تلك الفترة, من الأساتذة الذين أعتز بهم: د. سهير القلماوي, د.عز الدين إسماعيل, د.جابر عصفور، د. تغريد عنبر، وعدد كبير من الأساتذة ، بدأ في هذا المعهد يتكون الفكر القومي العربي لدي وبدأت تتغير شخصيتي، من شخصية المتعصب دينيا إلى شخصية المتحرر فكريا بوعي حضاري فاعل كما هي عليها اليوم، ولم أعد إلى مسجد الشيخ كشك كما كنت معتادا كل أسبوع ، ولم أعد أقرأ مجلة الاعتصام الإخونجية كل يوم اثنين، بدأت أقرا مجلات أخرى  أكثر عمقا ووعيا حقيقيا .