حوار مع الشاعر الفلسطيني عبدالسلام فايز
تاريخ النشر : 2018-03-24
حوار مع الشاعر الفلسطيني عبدالسلام فايز


نرحب بك ( عبدالسلام فايز ) في موقعنا و بدايةً لو تقدم لنا و للسادة القّراء نبذة مختصرة عن سيرتك الذاتية ..

تحية طيبة لكم و للسادة القرّاء و جميع متابعي هذا الموقع الكريم الذي أسعد بالكتابة بين سطوره ..
و كنبذة سريعة عن سيرتي الشخصية :
الاسم عبدالسلام فتحي فايز .
كاتب و شاعر فلسطيني مقيم في هولندا .
تولّد مخيم درعا جنوب سورية 1985 م  .
حاصل على إجازة في اللغة العربية و دبلوم تأهيل تربوي من جامعة دمشق / فرع درعا .
مدرّس سابق لمادة اللغة العربية مدة عشر سنوات ..

 بدايةً ، و بما أنك فلسطيني سوري تعيش في هولندا ، ماذا تشكل كل من فلسطين و سورية و هولندا بالنسبة لك ؟

بوضوح تام ، هولندا لاتشكل شيء بالنسبة لي على الإطلاق ، أشعر فيها أنني عابر سبيل فقط ، ولا أتمنى أن أموت هنا ، و لم أكن أعرف موقع هولندا على الخارطة لولا الحرب السورية ، و إذا دخلت منزلي الكبير فيها عند المساء لا أشعر أبداً بأنني في مأمنٍ و سكينة  ، لا تَسَلْني عن السبب لأنّ الجواب لم يكتمل بعد رغم مرور سنتين و نصف على إقامتي فيها ..
أما سورية فلن يتّسع هذا المقام لإنصافها ، و كيف السبيل الى ذلك و لي فيها مرتع الصبا و مدرسة طبريا و ثانوية الفالوجي و معهد إعداد المدرسين ، وصولاً إلى جامعة دمشق التي وهبتني وثيقةً طريّةَ المعالم من بين رفوفها ، ثم رحت أزاول مهنتي  في مدارس محافظة درعا ..
لي هناك الكثير الطيب .. زملاء و أصدقاء و طلبة أصبحوا اليوم شباباً أشدّاء ، أعتز بهم و بصداقتهم ، و اسمح لي في هذا المقام أن أحيّي سورية بِشِيبها و شبابها ورجالها و نسائها و كل شيء فيها ، لأنها تستحق كلمة ( وطن ) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ..
أما فلسطين ، فكم تتوق نفسي إلى رؤيتها ، و رؤية عروس ساحلها الطهور ، حيفا ، حيث مسقط رأس جدي عبد القادر فايز ، في قرية ( إجزم ) ..
لعل فلسطين تشكل نكبة كبيرة بالنسبة لي لاسيما أنني ابن النكبتين ، نكبة فلسطين و نكبة دمشق ، لم أرَ في يومٍ فرقاً بين حيفا و درعا ، أو بين القدس و دمشق أو بين يافا و حلب ، تلك هي سنّة الأوطان ، فكيف هو الحال إذن بمن تنحدر أصوله من فلسطين و سورية ، و هما ( الوطنان ) كما هو الحال عندما نقول : الأسودان و الأبيضان و الثقلان و ... و ... .


سؤال آخر : بما أنك عشت ما يقارب ثلاثة عقود في سورية ، كيف تقيّم وضع اللاجئ الفلسطيني في سورية قبل و بعد الأزمة ؟

لم يختلف الحال كثيراً سواء قبل أو أثناء الأزمة السورية ، فاللاجئون الفلسطينيون انخرطوا تماماً في المجتمع السوري على كافة المستويات ، شاطرناهم مقاعد الدراسة و الجامعات ، و فرص العمل و لقمة العيش ، ولم يكن ذلك ليحصل لولا عراقة الشعب السوري الذي كان مضيافاً إلى حدّ بعيد ، لم يكن هناك فرق بيننا و بين الأشقاء السوريين ولم نُعامَل على أننا لاجئون بقدر ما عوملنا على أننا أصحاب وطن ، و بعد الأزمة حلّ بالفلسطينيين ماحلّ بالأشقاء السوريين في مُصَابهم الجَلل ، فهناك شهداء من الفلسطينيين قضوا في سورية و هناك جرحى و هناك مهجّرون ، و هذا أمر طبيعي طالما أنّ النسيج واحد و مايزال كذلك ..
و أزيدك من الشعر بيتاً أنّ الانخراط الفلسطيني في المجتمع السوري زاد بعد عام 2011 ، لأنه قبل هذا العام كان التواجد الفلسطيني محصوراً في المخيمات و بعض المناطق المتفرقة هنا و هناك ، أما الآن و بعد أن تحولت معظم المخيمات هناك إلى مناطق منكوبة بفعل الحرب ، انتقل الفلسطينيون للعيش في أماكن تماس مباشر مع السوريين ، و زالت كل الفوارق و الفواصل و الاختلافات ،  و لذلك يمكنني القول أنّ الفلسطينيين الذين ما يزالون يعيشون في سورية حتى اليوم ، يقع عليهم ما يقع على السوريين من سرّاء و ضرّاء ..


سؤال حول هجرتكم : من خلال هجرتك التي بدأت من درعا جنوب سورية ، وصولاً إلى هولندا ، ما هي أهم جوانب المعاناة التي واجهتكم في الطريق ؟؟

نعم .. الطريق كان شاقاً جداً ، و هذه المشقة أصبحت واضحة للجميع و قد تحدث عنها الكثيرون ، فأنْ تمتطي زورقاً من المطاط و تخوض به بحراً خضمّاً برفقة أطفالك الصغار ليس بالأمر اليسير ، كذلك الزحف البري الذي أنهكنا جميعاً و مفاوضات المهربين التي تُشعِرُكَ أنّك أصبحت لحماً رخيصاً تُبَاع حسب عمرك و وزنك ، و هل سيتم اعتبارك شخصاً كاملا أم نصف شخص ، ذلك يعتمد على الوزن ، تماماً كما تُبَاع الشياه ..
 أضف إلى ذلك المعاناة التي تكبدناها أثناء العبور من سورية إلى تركيا ، حيث وقعنا عن طريق الخطأ في قبضة تنظيم داعش الإرهابي الذي ساقنا إلى غرف التحقيق ..
الجميع كان يرتعد خوفاً ، لكنني لا أعلم كيف أعطاني الله تعالى الجرأة و الشجاعة آنذاك ، رغم أنني كنت أكثرهم خوفاً في طليعة الأمر ، إلّا أنّ شيئاً ما حالَ بيني و بين الخوف وقتها ، لدرجة أنّ جرأتي لفتت أنظار عناصرهم و قادتهم ، لأنهم اعتادوا أنْ تهابهم البشر ، و يصمت الجميع عندما يتكلمون ، فأنْ تناقشهم و لو بجمل يسيرة غير مسموح على الإطلاق ، و لذلك بدؤوا يُكثِرون من المضايقات عليّ ، و كلما ازدادوا في الشتائم و التهديد و الوعيد لي ، زادني الله شجاعةً في مواجهتهم بالكلمة ، و لكنّ الأمر بلغ ذروته عندما تعرّف أحدهم على جنسيّتي الفلسطينية و بدأ يسخر و يشتم المقاومة الفلسطينية ، مُتّهِمَها بالكفر و الردّة ، و بأنها ستكون هدفهم المقبل ، عندها قلت له بلسانٍ طَلِقٍ بلا خوفٍ ولا فزَع : كتائب القسام التي تشتمها و تتوعدها ياهذا ، تحارب إسرائيل ، و طالما أجبرتهم على النزول إلى الخنادق .. ماذا فعلت أنت ؟! أتحدّاك و أنا في عقر دارك الآن أن تحارب إسرائيل  !!! و كن على ثقة أنّ كتائب القسام و جميع الفصائل الفلسطينية التي لم ترعبها إسرائيل ، لن ترعبها أنت ..
قلت هذه الكلمات وسط ذهول زملائي في الأسْر ، و العناصر الملتحية التي تحيط بنا .
جُنّ جنونه و حمل ساطوره في مشهد مرعب كدتُ أدفع فيه حياتي ثمناً لكلماتٍ معدودات لولا رحمة الله التي أنقذتني ، و ذلك بعدما حاول أحد زملائه دفعه عني و تهدئته و عدم انفعاله ، و توجيه أمرٍ أخير لي بضرورة السكوت و إلّا سألاقي حتفي الآن في حال تفوّهت بكلمة .. و بالفعل التزمت الصمت حتى خرجنا من قبضتهم ، و بدأ جميع من رافقني في الجولة تلك بتوجيه اللوم لي على هذا التصرف اللامسؤول الذي كاد أن ينهي حياتي لولا رحمة الله ..

في سورية و قبل هجرتك ، كنت مدرّساً لمادة اللغة العربية ، و اليوم تدخل مجال الشعر و الإعلام ، كيف حصل هذا الأمر الطارئ ، و ماالذي دفعك إلى هذا التغيير ؟؟

لم يخطر لي سابقاً أن أكتب الشعر البتّة ، بل إنني كنت أسخر من شعراء المهجر عندما درسنا عنهم ، و لطالما اتّهمتُهم بأنهم باعةُ الأوطان و تُجّار العواطف ، لذلك لم أنظم قافية واحدة فيما مضى لي في سورية ..
محاولاتي الأولى كانت بعد شهور من وصولي هولندا عندما داهمني الحنين إلى مدينة درعا جنوب سورية ، فلم أجد سوى القلم أنيساً لي ..
راجعت بعض ضوابط الشعر و العروض لأخوض تجربتي الأولى التي كنت مليئة بالعيوب ، و لكنها كانت بالنسبة لي ثمرة النجاح الأولى ، لأنني رأيت فيها فسحة جميلة للترويح عن النفس ..
ثم حدّثتني نفسي أن أدخل عالم السياسة ، و بالفعل ، كتبت مقالي الأول في مجلة رأي اليوم قبل عام بالضبط ،  بمناسبة الذكرى 13 لاستشهاد مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، و لكنني تفاجأت آنذاك أن سبعة مواقع تداولت المقال ، و هو ما دفعني نحو المزيد ، و شجعني على مراسلة الصحف و المجلات للتدوين و الكتابة فيها بلغة الأدب و الشعر تارةً ، و بلغة السياسة تارةً أخرى ، مقتدياً بنصيحة مهمة في هذا الصدد ، و هي أنّ أبلغ الشعراء هم الشعراء الصحفيون ، و أنجح الصحفيين هم الصحفيون الشعراء ، الذين يروّضون اللغة و يجعلونها أدبية تروق للعشّاق و أصحاب الذوق الرفيع ، و سياسية يستلذ بها أبناء السياسة الذين هم مؤمنون بأنّ السياسة لادين لها ..

كيف تقيّم وضع الجالية الفلسطينية في هولندا سواء على مستوى المسؤولين أم على مستوى المواطنين ؟ و ماهي المآخذ التي يمكن أن تؤخَذ عليهم ؟

سؤال غاية في الأهمية ..
كثيرة هي الأنشطة و الفعاليات التي تنظمها الجالية الفلسطينية لدعم قضيّتنا ، بالإضافة إلى الحراك السياسي من أجل جذب مزيد من الأصوات المتضامنة مع فلسطين .. نعم هذه الجهود غير كافية و لا تليق بحجم فلسطين و تضحيات شعبنا الفلسطيني في الداخل ، لكنها أوصلت الصوت و لفتت أنظار المجتمع المدني الهولندي إلى القضية الفلسطينية ، و ممارسات إسرائيل العدوانية ضد حقوق شعبنا و في مقدمتها حق العودة الذي تحاول إسرائيل شطبه من أيّ مفاوضات ..
لكن المأخذ الأبرز الذي يمكن أن يؤخذ على جاليتنا في هولندا هو الانقسام المزعج ، فالانقسام الفلسطيني لم يكن حكراً على الداخل فحسب ، بل كان له تَبِعات في الخارج ، و الجالية الفلسطينية في هولندا منقسمة إلى جاليتين للأسف ، و بالرغم من محاولة بعض الشباب الفلسطيني لاحتواء الخلاف ، إلّا أنّ هناك معوقات حالت دون ذلك ..
من حق المواطن الفلسطيني أن تكون له جالية واحدة براية واحدة و بوصلة واحدة هي فلسطين ، لاسيما أنّ كلتا الجالتين لها مالها من العلاقات الراقية مع المسؤولين و الساسة الهولنديين ، و كلتاهما تعملان لدعم فلسطين ، فإذا توحّدتا فسوف تكون النتائج مثمرة أكثر ، و هذا التوحد أصبح مطلباً فلسطينياً ملحّاً ، من أجل توحيد الجهود في القارة الأوروبية لإيصال صوت فلسطين بما يليق بحجمها و حجم شعبها ..

سؤال أخير : ماهي أمنياتك ؟! و ماهي احتمالات عودتكم في حال تحسنت الأوضاع في سورية ؟

أمنيتي الأولى هي أن تزول معاناة أهلنا في سورية و أن يتوقف شلال الدم هناك لأنني لا يمكن أن أرى فلسطين إلّا من البوابة السورية ، و لا يمكن أن تحلّ القضية الفلسطينية مازال هناك حرب مستعرة في سورية ، فالدم واحد ، و الهَمّ واحد و الشعب كذلك هو شعب واحد ..

و بالنسبة لاحتمالات العودة لا يمكنني أن أتحدث هنا باسم الجميع ، و لكنْ على العموم يمكن القول بأنّ بعض الفلسطينيين راقت لهم هذه البلاد و قد يستقر فيها بعد منحه الجنسية الهولندية ، و اندماجه في سوق العمل الهولندي ، و البعض الآخر مصرّ على العودة في حال تحسنت الأوضاع هناك ، لأنه لم يجد في هذه البلاد مستقبلاً مُرِيحاً .. هذا الأمر هو شخصي بامتياز ، يتعلق في كل شخص حسب ظروفه و حسب نظرته المستقبلية ..
كل التحية للفريق العام  لإتاحة هذه الفرصة لي ..
دمتم و دام منبركم ..