"أم ناصر أبو حميد".. هي أمي وأنا لست من رحمها بقلم:عبد الناصر فروانة
تاريخ النشر : 2018-03-21
"أم ناصر أبو حميد".. هي أمي وأنا لست من رحمها بقلم:عبد الناصر فروانة


*بمناسبة "عيد الأم" *
*"أم ناصر أبو حميد".. هي أمي وأنا لست من رحمها*
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة*

*رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى*

*عضو اللجنة المكلفة لادارة شؤون الهيئة في قطاع غزة*

ما أعظم المرأة الفلسطينية حين تكون قامتها بحجم السنديان شموخاً ، وحين تكون إرادتها أصلب من الفولاذ قوة ، كما يصفها صديقي " أبو ثائر التعمري " .
تلك المرأة الغير عادية التي قدمت نفسها بصور متعددة ، فهي الأم التي أنجبت وأجادت التربية وحثت أبنائها على التعلم والعمل والإنتاج ، وأرضعتهم حليب الثورة ودفعتهم للنضال والاستشهاد.

 وهي المثقفة والناشطة والمُنظمة التي وظفت قدراتها في تعبئة الأجيال وقيادة الخلايا التنظيمية والجماهيرية والعسكرية ، وهي المحرضة والداعية والقائدة ، وهي المقاتلة جنبا إلى جنب مع الرجال من أجل الحرية والاستقلال .

وهي التي سطرت تجارب أكثر من رائعة وسجلت مواقف عجز عنها الرجال ، وقدمت نماذج نادرة في سياق تاريخي مشرق وعريق .

فهي المرأة الفلسطينية التي استحقت احترامنا واعتزازنا ، و تستحق وبجدارة أن تشكل مفخرة للأمتين العربية والإسلامية .

والحاجة " لطيفة ناجي " وكنيتها " أم يوسف "  واحدة من النساء الفلسطينيات اللواتي شكلّت حياتهن تجارب رائعة ، وسجلن في غمارها مواقف لافتة ، وقدمن صوراً نادرة في الصمود والتحدي والصبر و التحمل ، فاستحقت أن تُلقب بـ " خنساء فلسطين " .

" خنساء فلسطين " هي أمي وأنا لست من رحمها ، بل هي أمنا جميعاً ونحن أبناؤها ، تذكرنا بأمهاتنا ومعانياتهن مع سنوات أسر الأزواج والأبناء والأحفاد ، وتضطرني قسراً لاستحضار أمي التي أنجبتني من رحمها وحكايتها مع السجون على مدار ربع قرن من الزمن .

 إنها الحاجة " أم يوسف " والمعروفة بأم ناصر أبو حميد " من سكان مخيم الأمعري بمدينة رام الله ،  وهي أم لشهيد اسمه " عبد المنعم " اغتالته قوات خاصة إسرائيلية عام 1994 ، وأم لأربعة أسرى حاليين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة أو لمرات عدة ، وهم ( ناصر المحكوم سبعة مؤبدات وخمسين سنة وهو الآن ممثل الأسرى في سجن عسقلان ، ونصر محكوم بالسجن المؤبد 5 مرات، وشريف محكوم بالسجن المؤبد 4 مرات، ومحمد محكوم بالسجن المؤبد مرتين وثلاثين عاما ) .

وعائلة أبو حميد من العائلات الفلسطينية المناضلة ، والمتميزة بعطائها الذي لا ينضب ، ونضالها الذي لم ولن يتوقف رغم ما مورس بحقها وبحق أبنائها من قمع وتنكيل وملاحقة وتعذيب على أيدي المحتلين ، وبالرغم هدم بيتها من قبل قوات الاحتلال مرتين في العام  1994 ، وفي العام 2002 .

" أم يوسف " أو أم ناصر أبو حميد ، كلاهما سيان وكلاهما كنز ومفخرة ، هي أسطورة فلسطينية تتشابك بتجربتها مع التجربة الجماعية لآلاف الأمهات الفلسطينيات اللواتي ذقن مرارة الاحتلال والاعتقال ، وهي واحدة من الأمهات اللواتي قضين عقود من أعمارهن وهن يتنقلن من سجن إلى آخر ومن بوابة إلى أخرى ومن شبك إلى شبك ، وعندما تعود لبيتها تقرأ الفاتحة على من ارتقى شهيداً من أبنائها ...

ورغم تقدم سنها وتجاوزها الستين عاماً من عمرها ، وحكايتها التي لم تنته مع الأسر منذ ثلاثين عاما وما يزيد ، لم تنكسر ، وهي التي امتلكت الإرادة والعزيمة والقوة المعنوية لن تنكسر وستبقى عصية على الانكسار أو الانهيار ، وهي ذاك الظهر الذي لا ينحني ، وذاك الشموخ الذي لا ينتهي.

" أم يوسف " لا تعترف أن البيوت تموت إذا غاب أو هُجِّر ساكنيها ، أو أن تُدفن الأحلام ان اعتقل أصحابها ، فهي لا تزال الأم الصابرة ، الصامدة ، المتسلحة بالأمل الممزوج بقوة الإرادة بأن حلمها وحلم أبنائها وعائلتها وشعبها لا بد وأن يتحقق  .

سمعت عنها وقرأت الكثير عن حكايتها وحكاية أبنائها مع الأسر ، لكنها المرة الأولى التي ألتقي بها ، واقتربت منها كثيراً خلال الأيام الثمانية الجميلة التي قضيناها سويا في لبنان .

استمعت إليها وهي تتحدث بهدوء ، وراقبت سلوكها وتعاملها مع الآخرين ، وأنصت جيداً لإجاباتها على أسئلة الإعلاميين ، لتعزز بسلوكها وتواضعها اللافت وإجاباتها المتزنة مكانتها في قلوبنا وعقولنا .

تحدثت بشموخ عن أبنائها ، وبعزة عن شعبها وبتواضع عن تضحياتها ، قليلة الحديث عن معاناتها الخاصة وحكايتها مع الأسر وكأن شيئا عاديا قد حصل معها طوال ثلاثين عاما مضت ، وإنما سعت دائما للربط ما بين حكايتها الخاصة والتجربة الجماعية لأمهات الأسرى ومعاناة الكل الفلسطيني .
وإذا أصر هذا الإعلامي أو ذاك الصحفي على أن يتلقى منها إجابة على سؤال يتعلق بحكايتها ومعاناتها مع الأسر ، فإنها تجيبه بتحدي وعنفوان ، وباقتضاب شديد وبكلمات واضحة ودون استجداء أو ذرف للدموع ، فتؤثر فينا وتبكينا و(لا ) تبكي !.

وحينما سألها الإعلامي المتألق " سامي كليب " في لقاء معها على الهواء مباشرة على فضائية الميادين ، فيما لو خيرت ما بين حرية أبناؤك وحرية الأسرى المرضى فماذا تختارين ؟

أجابت ودون تردد الأسرى المرضى لهم الأولوية وهم أحق بالحرية ، من أبنائي الأربعة .

فرد عليها بقوله " لو لم نكن على الهواء مباشرة لقمت وقبلت يداك " ، وبعد انتهاء الحلقة أصر على تقبيل يداها وطلب من زملائه إلتقاط صورة له وهو يقبل يداها الطاهرة ، في صورة تعكس احترامه وتقديره العالي لها ولأمهات الأسرى .

ما أروع تلك المرأة وما أعظم شأنها ، التي تحمل في صدرها قلب رقيق المشاعر ، حنون وعطوف على من يحب ، جبار في تحمل الشدائد والمصائب ، حقود على من يمس شعبنا بسوء ومن يصادر حرية أبنائه ، ومن يزج أبطاله في سجونه ومقابر الموت .

أم يوسف أو أم ناصر أبو حميد .. مدرسة في الصبر ، بدأت حكايتها مع الأسر منذ ثلاثة عقود ولم تنته بعد ..!!

حقا هي أمي وأنا لست من رحمها وأفخر بلقائها ومعرفتها ، وهي تستحق أن يُطلق عليها " خنساء فلسطين " ، فكم أنت عظيمة أيتها الأم الفاضلة ..

نسأل الله العظيم أن يجمع شملها بعائلتها وبأبنائها الأربعة تحت أشعة شمس الحرية

 تنويه: المقال سبق ونشر . فاقتضى التنويه