مواقف في رحلة العمر - 62 بقلم ياسين عبد الله السعدي
تاريخ النشر : 2018-03-19
مواقف في رحلة العمر - 62 بقلم ياسين عبد الله السعدي


هدير الضمير
مواقف في رحلة العمر - 62
ياسين عبد الله السعدي
اليهودي أنجدني والعرب خذلوني
كنت استغل العطلة الصيفية بالإضافة إلى العطلة الأسبوعية يوم الجمعة وأيام عطل المناسبات وأسافر إلى الداخل لتوزيع اللوازم المدرسية وغيرها مما كان يطلبه الزبائن من المواد التجارية.
ومع مرور الزمن صار لدي كثير من التجار الذين صاروا أصدقاء أيضاً يطلبون أشياء تنقصهم غير اللوازم المدرسية أحضها لهم في المرة القادمة. ولذلك صار لزاماً عليّ أن أتواصل معهم وأقوم بتحضير الطلبيات سلفاً وأضعها في العلب الكرتونية لكي تكون جاهزة مع كتابة اسم صاحبها عليها لتسليمها لمن طلبها بيسر وسهولة. وكنت أستغل الفرصة المناسبة لتوصيلها في الوقت المناسب، وخصوصاً يوم الجمعة بحيث تكون السيارة جاهزة في الصباح وكثيرا ما كنت أسافر بعد انتهاء الدوام الرسمي.
كان لدي طلبيات تستحق السفر مبكرا لتسليمها إلى بعض التجار في عكا ثم كفر ياسيف وطلبية أخرى لأحد التجار في جولس إلى الشرق من كفر ياسيف.
سافرت في أحد أيام الجمعة وعندما وصلت إلى منطقة الإشارة الضوئية شرق المنطقة الصناعية على طريق حيفا – عكا (الشيك بوست) أمرني الشرطي على حاجز مؤقت لفحص المركبات بالتوقف. توقفت وتم الفحص وكان كل شيء على ما يرام لأني كنت أحرص على الصيانة والتأكد من سلامة السيارة. وعندما أردت الانطلاق لم تستجب السيارة للعمل وإنما كانت تطلق غمغمات فقط. أقبل الشرطي وسألني عن المشكلة ولما لم تستجب طلب مني وضع السيارة على اليمين وأشار إلى المنطقة الصناعية القريبة من المكان بحيث أذهب إلى هناك وأطلب من الميكانيكي أن يحضر ليقوم بإصلاح الخلل.
كان ولدي عبد الله يرافقني دائما لكي يساعدني ويهتم بالسيارة عندما أدخل محلا لتسليم البضاعة ولذلك تركته في السيارة لكي يحرسها ومضيت مع الطريق وأنا أتلفت خلفي وأشير للسيارات التي تمر بي ولكن لم تتوقف سيارة واحدة على كثرة السيارات التي تحمل نمرة الضفة الغربية. لكن سيارة تحمل نمرة إسرائيلية يقودها رجل متقدم بالعمر توقف وسألني بالعربية السليمة: إلى أين تريد الذهاب؟ أجبته: إلى المنطقة الصناعية القريبة فطلب مني الصعود وسألني خلال الطريق عن اسم بلدي فقلت له: أنا من مدينة جنين. عندها سألني: هل تعرف أبو ناصر الشطاوي؟ أجبته أعرفه جيدا وهو تاجر يتعامل ببيع الكتاكيت والأعلاف. قال هذا التاجر يأخذ الكتاكيت مني عرفت أنه صاحب مزرعة دواجن كبيرة في المنطقة.
عندما وصلت إلى المنطقة الصناعية، وقبل أن انزل من السيارة، أشار إلى منطقة مسورة وبداخلها عدة محلات لتصليح المركبات وقال لي: أسأل عن محمود من شفا عمر وهو رجل محترم لا يستغلك وقل له أرسلني الخواجا ديفد.
عندما وصلت إلى الرجل وجدته كما وصفه الخواجا ديفد فرحب بي خصوصا عندما عرف أنني من الضفة. سٍألني عن المشكلة فشرحت له ما حصل معي بالسيارة. قال لي. هذا لأنك توقفت فجأة وبينما كان محرك السيارة حاميا فتلف (الكويل). عليك بنزع الكابل الواصل بين البطارية وجسم السيارة (الشصي) وعندما تعود إلى جنين تغير الكويل فقط.
لكن محمود لم يتركني أعود ماشيا وإنما ركب سيارته وأجلسني بجانبه وقام بالعمل بنفسه حتى عمل المحرك. سألته: كم تأمرني؟ أجاب: سلامتك. كنت أحمل 3 ربطات شوكولاته سلفانا كان قد طلبها الصديق أبو يوسف الريماوي، فأخرجت علية منها وقدمتها له شاكرا فأخذها بعد تردد. وعندما رجعت غيرت (الكويل) واكتشفت أن تاجر قطع غيار السيارات الذي باعه لي غشني لأنه أعطاني واحدا صغيرا لا يصلح لسيارة فولكس واجن كبيرة.
أراد أن يستغلني فطرده أبو حسين بمحجانته - ب
بعد الانتهاء من تسليم البضاعة في عكا وفي كفر ياسيف توجهت إلى جولس لتسليم طلبية الشيخ على أبو خلّا، وكنيته أبو حسين. توقفت على باب دكانه الكائن أسفل بيته مباشرة وملاصقا للحائط لأن الشارع ضيق يكاد لا يتسع لسيارتين صغيرتين.
أقبلت سيارة فولكس واجن باص وعندما اقترب من سيارتي لامست سيارته سيارتي قليلا فحدث احتكاك بسيط لم يحدث تأثيرا يذكر بالسيارتين ومع ذلك نزل السائق الذي كان يحمل مواد تنظيف ويوزعها على الدكاكين، كما أذكر جيداً، وأخذ يتكلم بلهجة تنم عن قلة الذوق وسوء الخلق ويحملني المسؤولية بما يفهم انه يريد عمل دهان السيارة على حسابي ويطلب مبلغا ذكره لكي يصلح ما فعله الاحتكاك بين السيارتين.
كان أبو حسين في الداخل يتفقد طلبيته لكي يتأكد من إحضار كل ما طلبه ولذلك خرج لكي يستطلع عن سبب الصوت. سأل الرجل عن سبب صياحه فطلب من أبي حسين أن يحضر ويرى بنفسه ماذا حدث لسيارته. تقدم أبو حسين وطلب منه أن يرى التلف المزعوم الذي حدث وعندما شاهده وقف ونظر إليه نظرة استهزاء وقال له بسخرية: مضى أكثر من شهرين وأنا أشاهد ما تدعيه كلما أحضرت لي مواد تنظيف. هذا الخلل الذي تدعيه قديم، أم هل تريد عمل دهان سيارتك على حساب الرجل؟.
لكنه أصر على ادعائه فقال له أبو حسين: أنت كنت شرطياً يا أفندي وتفهم بقانون السير والقانون يقول إن من يتحمل المسئولية الخطأ هو المتحرك وأنت كنت تمر وهو واقف. أنت يجب أن تدفع له ومع ذلك لا يوجد شيء يستحق التصليح. أذهب من هنا أفضل لك وإلا أضع هذه المحجانة على اكتافك. مع السلامة. مرت سيارة دورية الشرطة قبل دقائق وسوف ترجع من هنا وأنا الذي سوف أطلبها وأخبرها بالحقيقة. من الأفضل لك أن تذهب من هنا ولا تظل واقفا. رجع الرجل إلى سيارته ومضى وهو يغمغم وأبو حسين يهدده ويتوعده إذا كرر ادعاءه.
نشر في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 1832018م؛ صفحة 16
[email protected]