ألم الحرمان في زمن الخذلان غزة بقلم:وسام تيسير جودة
تاريخ النشر : 2018-03-14
ألم الحرمان في زمن الخذلان غزة بقلم:وسام تيسير جودة


بسم الله الرحمن الرحيم
ألم الحرمان في زمن الخذلان غزة

أبدأ حديثي بقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أصبح آمناً في سربه، معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" .
  منذ الانقسام الفلسطيني وغزه تتجه نحو الهاوية في اقتصادها، فالحصار الذي فرض على غزة طال جميع مناحي الحياة حتى أنه أصبح يُفقد من السوق أبسط الاحتياجات الانسانية، اختلف الأمر وبدأت الحياة تنتعش والاقتصاد يزدهر مع تصاعد العمل في الانفاق التجارية بين غزة ومصر، وبدأ مستوى معيشة الناس في الارتفاع وامتلأت الأسوق بكل المتطلبات الحياتية والاستفادة طالت جميع مستويات المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.
هذا الازدهار في الاقتصاد لم يدم طويلاً فمنذ تغير النظام المصري عام 2013 عاد الاقتصاد بالانهيار نتيجة اقفال الأنفاق التجارية مع مصر، لكنه لم يصل إلى مستوى الفقر بشكل كامل،
بعد أن أعلن الرئيس عباس فرض العقوبات على قطاع غزة بدأت تظهر انتكاسات الاقتصاد وانهياره بشكل كامل ولا زالت حتى الآن، فالعقوبات التي فرضها على غزة كتقليص كمية الكهرباء، خصم الرواتب، قانون التقاعد المبكر، تقليص التحويلات الطبية، تقليص كميات الأدوية، كلها أثرت بشكل مباشر على مناحي الحياة المختلفة، فأصبح الانهيار الحقيقي للاقتصاد مع عدم توفر السيولة المطلوبة نتيجة لخصم نسبة 30% على رواتب موظفي السلطة ( المستنكفين) بتعليماته ، واصبح واضحاً أن الكثير منهم لا يجد قوت يومه، بل هناك من لا يستطيع أن يشتري الطعام لأبنائه.
ظواهر كثيرة ظهرت لم تكن من قبل في الشارع الفلسطيني بقطاع غزة فمثلاً ارجاع عدد كبير من الشيكات لتجار كبار نتيجة عدم تمكنهم من تغطية تلك الشيكات، قضايا النصب التي أصبحت شبه ظاهرة، الركود الاقتصادي الكساد في الأسواق .
لكن الأخطر في تلك الظواهر حالات التسول الغير مسبوقة، كثير من البيوت لا تسترها غير الجدران دون مأكل تعاني الحرمان، أطفال متسولون يجولون الشوارع ويطرقون الأبواب، نساء تبحث عن لقمة عيش كل ذلك كان نتيجة لما يعرف بالعقوبات وعدم توفر الرواتب بشكل كامل للموظفين.
فكم آلمني ذلك الطفل عندما تفاجأت به أثناء نزولي باكراً عندما توجه إلي قائلاً " عمو ما بتعرف حدا عنده أكل زيادة ما بيلزموا يعطينا إياه "، فسألته عن اسمه وأين يسكن فأخبرني، فاذا هو ابن أحد العاملين في السلطة وهو رجل محترم يتقاضى راتبه من رام الله قد طاله الخصم ومستأجر بيت ولديه التزامات أخرى، وأحزنني أكثر عندما قال أنه لا يوجد في بيتهم سوى شوية خبز.
كم كرهت هذا الواقع المؤلم الذي أوصلنا اليه تلك القيادات التي لا تريد الخير لغزة وأهلها، من المسؤول عن هذه الحالة؟ آلاف البيوت التي لا يوجد لديها قوت يومها موظفي غزة، موظفي رام الله، عمال غزة، تجار غزة، خريجي غزة، الجميع أصبح ضمن فئة الفقراء وتحت خط الفقر وطاله هذا الألم.
السلطة تنتظر التمكين الفعلي، وحماس تتخوف وتنتظر أن تقدم السلطة خطوة والأمر من سوء لأسوء.
كنا قد استبشرنا خيراً حين بدأت عجلة المصالحة تتقدم، وكان الفرح يخيم على جميع بيوت قطاع غزة عندما أعلنت حماس حل اللجنة الإدارية ومن بعدها تسليم المعابر بالكامل كي ينجز ملف المصالحة، لكن هذا الاستبشار وذاك الفرح قد انتهى مع بروز المناكفات وعدم ازالة المعوقات من السلطة كرفع العقوبات المفروضة على القطاع والتي من شأنها أن تحل الكثير من الأزمات وتنهي الكثير من الظواهر المقيتة وتعيد للناس كرامتها لكن ذلك لم يحدث.
لقد خذلتم شعبكم وسيكتب التاريخ في صفحاته أنه ذات يوم كان هناك رئيساً لشعب عاقبهم لذنب لم يقترفوه، حرمهم من أبسط حقوقهم ليس لشيء إلا أنهم أطاعوا أمره وتركوا أعمالهم وخدمة أبناء شعبهم ، جعلهم يتسولوا ويمدوا أيديهم للغير دون النظر إلى ماضيهم وتاريخهم في خدمة وطنهم، سيكتب أن رئيساً لشعب رفض أن يلتئم جرح الوطن برفضه دمج موظفين عملوا لمدة عقد في خدمة شعبهم ليس لشيء إلا أنهم عملوا في وقت كان يريد أن لا يعمل أحد لخدمة شعبه.
سيكتب التاريخ ما اقترفتم بحق أبناء شعبكم ووطنكم. سيكتب خذلانكم لشعبكم تحت مسميات الشرعية.
سيكتب حرمانكم لشعبكم تحت مسميات الحماية للمشروع الوطني. سيكتب قهركم لشعبكم تحت مسميات الوطنية. سيكتب تجويعكم لشعبكم واذلاله من أجل لقمة العيش . كل ذلك سيكتبه التاريخ وسيرتد عليكم وستعلم الأجيال القادمة أنكم سببتم لشعبكم الألم وضيعتم الوطن بضياع مواطنيه، ولن يرحم أحد دافع أو برر لكم أعمالكم.