تضمين مفاهيم الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي بقلم: وليد محمود الأغا
تاريخ النشر : 2018-03-14
تضمين مفاهيم الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي

للباحث في شئون التنمية : وليد محمود الأغا

إن صعوبة الواقع المعاش على أرض فلسطين بكل تفاصيله يخبر بمأساوية المستقبل الذي ينتظر أبناءنا وبناتنا وتتجلى حقيقة ذلك في أعداد الطلبة التي تتدفق بشكل سنوي الى المعاهد والجامعات  ومؤسسات التعليم العالي  بشكل عام دون أدنى حد من التخطيط  للحاجات المستقبلية للمجتمع  من الكوادر الخبرات والمؤهلين , وباعتقادي نحن امام خمس معضلات حقيقية أو تساؤلات جوهرية أتمنى من أصحاب اتخاذ القرار أن يقفوا عندها :

الأولى : هل ستبقى المؤسسات تضخ سنوياً أعداداً جديدة من الخريجين والخريجات دون توظيف أو توفير فرص للعمل لهؤلاء من ناحية ودون خطة لتلبية حاجات المجتمع من هؤلاء من ناحية أخرى؟

الثانية : ما مدى كفاءة هؤلاء الخريجين والخريجات ومدى فاعلية تأهيلهم لسوق العمل وفق معايير الجودة التي تتبناها المؤسسات الوطنية ؟

الثالثة : هل هناك تغذية راجعة توضع المؤسسات التعليمية في اطارها لتطوير المناهج والاساليب وفق متطلبات سوق العمل بالكفاءة والجودة المطلوبة ؟

الرابعة : ما هو مصير هؤلاء الخريجين الذين لم تنطبق عليهم شروط التأهيل ومطابقة المواصفات للانخراط بسوق العمل ؟

الخامسة : هل جامعاتنا الفلسطينية والتي يمنح درجة البكالوريوس وحتى الماجستير تنتج المعرفة ؟

ومن هنا فإن صعوبة الواقع في الضفة العربية وقطاع غزة لا يعفينا من الوقوف بجدية أمام تلك المعضلات , ونرى أن الخروج من تلك المعضلات وايحاد الحلول المرضية لجميع الأطراف من ناحية وللمضي قدماً نحو التنمية الحقيقية المستدامة هو بتضمين مفاهيم الحوكمة  في مؤسسات التعليم العالي والتي تعد مطلبًا ضروريًّا لإيجاد مؤسسات  تتصف بالاستقلالية والتركيز على الرسالة التي أنشئت من أجلها.   

والحوكمة التي نرجوها تبدأ بتكوين النواة الحقيقية لها من خلال الوزارة وفريق يرأسه الوزير نفسه أو من ينوب عنه إضافة لرؤساء ومدراء الجامعات والمعاهد الفلسطينية  ومندوبين عن وزارات المالية والتخطيط للعمل كفريق واحد متشارك من أجل دفع الأجندة الوطنية الاستراتيجية التي تبدأ بوضع الاليات والمعايير الفلسطينية الخاصة بمؤسسات التعليم العالي والتي تعكس :

* رؤية واضحة لكل الجامعات والمعاهد و للمستفيدين من الخدمات التي تقدمها المؤسسات والتي حددتها الإدارات  وفق معايير تم وضعها بشكل وطني تؤهل هذه المؤسسات لإنتاج المعرفة.

* وضع آليات لمراجعه رؤية كل جامعة وتطابقها مع الترتيبات المتخذة وطنياً لتضمين معايير الحوكمة .

* أدوار ومسئوليات رئيس الجامعة  والتنفيذين من عمداء الكليات وأكاديميين والعاملين يجب أن تكون محدده كتابيا، بحيث تكون واضحة، وتُظهر الاجراءات المحددة للتفويض، وتحديد بروتوكول الاتصال الفعال في المؤسسة.

* وضع المعايير لقياس جوده التعليم ( المناهج , الكوادر, الأبنية ,المختبرات , أساليب التقويم والاختبارات , المنح , القبول ,البحث العلمي , تطوير الكادر البشري ... إلخ ) للتأكد من تقديمها متماشية مع الأهداف المحددة وطنياً، لضمان إنها تمثل أفضل استخدام للمصادر واستثمار للعقول .

* الميثاق الأخلاقي الذي يحدد المعايير لسلوك الأفراد (أطراف العملية التعليمية ) ويؤكد إن كل فرد يلتزم بالقيام بدوره من العمل بهذه المعايير، وأن الجميع في المؤسسة يطبقها بدقه.

* الأوامر المحددة، والتعليمات المالية، ونظام التفويض وكتيبات ومذكرات الدعم التي تعرف بوضوح كيفية اتخاذ القرارات والعمليات التي يجب اتخاذها للتحكم في إدارة المخاطر بما يضمن الاستمرارية مع تقلبات الأوضاع الخاصة فلسطينياً.

* النظم الموضوعة لضمان الالتزام بالقوانين والمعايير المحددة، والتعليمات والسياسات الداخلية، والإجراءات، وبخاصة فيما يتعلق بالمشاريع التي تقوم بدعمها جهات خارجية والتأكد من أن الإنفاق قانوني. والافصاح عن ذلك للجهات المختصة للتأكد من قانونيتها.

* الاجراءات الموضوعة لتلقى ودراسة وحل الشكاوى والاشكاليات المتعلقة بالمسيرة التعليمية ودور الجامعات تكون معلنه للجميع.

* وضع النظم والاجراءات التي تضمن تطوير الموارد البشرية للعاملين من خلال المؤتمرات والندوات والدورات الخاصة لأن التعليم  ليس ثابت بل هو دائم التغير ومتجدد فهو محكوم  بالبحث العلمي .

* قنوات اتصال واضحة للتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني والمجلس التشريعي والاحزاب والاعلاميين وكل من له علاقة، تضمن المحاسبة والرقابة  وتشجع المشاركة  بالرأي والاستشارات المنفتحة.

وأخيرا، فإن إدخال وتنفيذ تلك المفاهيم مرتبط بتأسيس لجان قوية للمراجعة الداخلية في الجامعات والمعاهد، حيث  أن هذه اللجان يجب أن تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية وأحقيتها في رفع تقاريرها إلى رأس الهرم  في المؤسسة الوطنية (رئاسة السلطة والمجلس التشريعي ) مباشرة.. كما يجب أن ترفع تقاريرها إلى اللجنة الحكومية المسؤولة عن تطبيق الحوكمة. وبذلك يكون لتلك اللجان دور كبير في مكافحة التسيب والعشوائية والقرارات الخاطئة وتداخل المصالح وتراجع الأداء وغيرها من الأمور المناقضة لمعايير الحوكمة في عمل التعليم العالي.