غوطة دمشق..من الوريد الى الوريد بقلم: د. سمير مسلم الددا
تاريخ النشر : 2018-03-13
غوطة دمشق........من الوريد الى الوريد
د. سمير مسلم الددا
[email protected]
ما جرى ويجري في غوطة دمشق الشرقية تعجز عن وصفه كل مفردات اللغة وحتى حروف الابجدية, وصمة عار على جبين البشرية تضاف الى غيرها من جرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية (على سبيل المثال لا الحصر) في البوسنة والهرسك, رواندا, حلب, فلسطين وبعض الدول العربية.
ما نراه على شاشات التلفزة فاق كل حدود تحمل البشر.....اطفال في عمر الزهور يتحولون الى اشلاء, نساء وشيوخ اصبحوا قوالب من تراب وغبار, عائلات بأكملها اختلطت لحومها وعظامها ودمائها بحديد واسمنت بيوتهم المدمرة فوق رؤوسهم بفعل القصف المجنون, الموت في كل مكان, من فوق ومن اسفل ومن الامام ومن الخلف وعن اليمين وعن الشمال, مجازر مرعبة تجاوزت بشاعتها كل حدود الانسانية وبمراحل.
الموت في الغوطة الشرقية بلغ حدا يتخطى بكثير حدود السياسة والدبلوماسية, تجاوز كل الخطوط الحمراء, فلت العقال وأمسى الوحش بلا لجام, فلتقرعوا كل نواقيس الخطر........فليس المهم من يحارب من, ليس المهم من هو على حق ومن هو على باطل, ليس المهم من ينتصر ومن يخسر, ليس المهم من يؤيد ومن يعارض, ليس المهم من هو ضد ومن هو مع, ليس المهم من الحاكم ومن هو المعارض, كل ذلك يتضاءل ويتلاشى امام بشاعة ما يحدث,,,,,, الان الشيء الوحيد الأهم الذي يجب على العالم ان يفهمه ويعمل بكل قوته من أجله هو ان يتم وقف هذا العمل المجنون اللاإنساني البالغ القسوة فورا وفي هذه اللحظة بدون ادنى تأخير, لان أي لحظة تأخير يعني مزيدا من اشلاء الاطفال والانساء والشيوخ,,,,,, يعني مزيدا من الموت والدمار.
بعد ذلك, اجتمعوا كيفما شئتم, تفاوضوا كيفما أردتم, تلاسنوا كيفما احببتم, مزقوا ملابس بعضكم, ابصقوا في وجوه بعضكم, انهبوا ما لذ وطاب وخذوا ما أردتم وارحلوا........... ولكن اذهبوا بعيدا بعيدا بعيدا عن دماء الاطفال ولحوم النساء وعظام الشيوخ, لا تعبثوا بحياة الابرياء, لا تقامروا بأرواح البشر, لا تعبثوا بوجود شعب ومستقبل بلد.
المقرف والمقزز ان العالم يقف متفرجا امام حرب الابادة التي تتعرض لها غوطة دمشق الشرقية, مجلس الامن قرر هدنة لمدة 30 يوما ولكنها لم تحترم, ولم يفعل شيئا, امين عام الامم المتحدة يعد الضحايا وهذا كل ما استطاع ان يفعله, فقال ان عدد ضحايا حملة الموت التي بدأت في غوطة دمشق الشرقية في 18 فبراير الماضي قد وصل الى 1000 قتيل في حين اوردت مصادر اعلامية غربية ان العدد قد تجاوز في الاسابيع الثلاثة الماضية الالف ومائتي قتيل معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن بحسن تلك المصادر.
من جهته قال مفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الانسان بأن " الجرائم التي ترتكب في سوريا ابطالها معروفون وسيتم تقديمهم للمحاكمة", اتمنى ذلك مع انه يساورني الكثير من الشك حول الجدوى العملية لمثل تلك التصريحات الصادرة عن وكالات الامم المتحدة المختلفة.
عالم منافق جبان, له مصلحة في استمرار مسلسل القتل الدائر في الغوطة, فهذا الطرف اراد لقرار مجلس الامن مجرد اضفاء شيء من الشرعية على عملياته الدموية هناك, والبعض الاخر يرى فيه فرصة ذهبية لتعزيز تدخله ووجوده, والبعض يراه مصوغا لاقتطاع جزءا من اراضي البلد المنكوب أي ان اخر همهم فرض هدنة حقيقية وفعلية لوقف شلالات الدماء ومسلسل الموت والدمار الدائر في الغوطة.
طرف اخر يرى ان قرار مجلس الامن 2401 الذي لم يجف حبره بعد (اعتمد يوم 24 فبراير الماضي), يرى ان القرار غير عملي ولا يدعو الى وقف فوري لأطلاق النار, وهو غير مخصص لما يجري في الغوطة بل يسري على كافة الاراضي السورية, فاقترح ذلك الطرف مشروع قرار جديد يدعو "الى وقف فوري وملزم لإطلاق النار".
أشك في رغبة هذا الطرف الفعلية في السلام, وتباكيه على اطفال سوريا, حيث ان تاريخه مخيف ومهول ومضجر بالدماء وملفه متخم بالجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية وجرائم الحرب, هو الاول والاكبر والاخطر في العالم في نشر ادوات القتل والدمار والارهاب برا وبحرا وجوا وهو السبب الرئيسي في نشر الموت في زوايا العالم بأجمعه, بداية من ابادة شعب كامل قوامه ملايين الهنود الحمر المدنيين الابرياء في القرنين السابع عشر والثامن عشر, حيث بلغ عدد الضحايا في بعض التقديرات الى اكثر من مائة مليون قتيل في جريمة يعتبرها معظم المؤرخين انها الاكبر والابشع على امتداد التاريخ البشري منذ بدء الخليقة, ومن ثم اصبح هذا الطرف هو الوحيد في تاريخ البشرية الذي يستعمل السلاح النووي واكثر من مرة في اقل من اسبوع مرتكبا جرائم ابادة جماعية وجريمة ضد الانسانية وجرائم حرب مروعة بقتله مئات الالاف من المدنيين اليابانيين الابرياء, مرورا بالحرب الكورية والذي راح ضحيتها بحسب بعض المصادر حوالي 5 ملايين شخص معظمهم من المدنيين الابرياء وحرب فيتنام التي خلفت حوالي 3 ملايين قتيل غالبيتهم من المدنيين الابرياء وصولا لأفغانستان الذي قتل فيها ما لا يقل من مليون انسان من المدنيين الابرياء وصولا الى العراق الذي قتل فيها اكثر من مليوني عراقي بحسب مصادر غربية معظمهم من المدنيين الابرياء.
الان جاء دور سوريا وهي الاحدث في هذه السلسلة الاجرامية التي لا نهاية لها على ما يبدو, اطلق عليها حملة من الموت والدمار عن طريق ذئابه المسعورة وابرزها داعش مخلفا عدد مهول من القتلى والجرحى يلامس سقف المليونين من المدنيين الابرياء كما تنقله لنا وسائل الاعلام العالمية, للأسف هذا هو الطرف الذي يمسك بتلابيب العالم, ويتحكم في مقدراته, ويوزع شهادات واوسمة الشرعية والوطنية وحسن السلوك على من يدور في فلكه, او الوصم بالإرهاب لمن لا يسير في ركابه, بل بلغت به الوقاحة والصلف والافتراء بان يهب ما لا يملك لمن لا يستحق, يهب عاصمة شعب لشعب اخر في انتهاك سافر ووقح لكل المواقف والقرارات والقوانين والشرائع الدولية.
نعم هذا هو الطرف الذي يلعب دور الحمل الوديع اليوم وهو في الخفاء رأس كل الشرور, لا يمكننا ان نصدق ما يتشدق به من كلمات تنديد واستنكار وشجب وخلافه من تلك البضاعة الرديئة الذي أكل عليها الزمان وشرب, فلم نرى مظاهرات عارمة على اعتاب بيته الابيض تستنكر قتل الاطفال والتنكيل بالشيوخ والنساء, لم نرى حاملات الطائرات ولا الغواصات النووية ولا طائرات اف 35 ولا راجمات الصواريخ الذكية او حتى الغبية تجندت للذود عن اطفال الغوطة ونسائها وشيوخها.
صمت مريب ومواقف رخوة لا ترقى لمستوى الجرائم التي ترتكب, في لغة السياسة مثل هذه المواقف الرمادية تعني ضوءا اخضرا للامعان في ارتكاب مزيدا من القتل, وكما قال العالم البرت اينشتاين "العالم مكان خطر للعيش فيه ليس لوجود الاشرار بل لان الاخرين لا يفعلون شيئا حول ذلك".