المشهد السياسي الإسرائيلي.. سيل من الفرص السانحة بقلم:عماد أبو عواد
تاريخ النشر : 2018-03-13
المشهد السياسي الإسرائيلي.. سيل من الفرص السانحة

عماد أبو عواد  *مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

في خطابه قبل نحو شهر ونصف من الآن، أشار عاموس يدلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنّ على دولته اعداد خطط استراتيجية واضحة، سواءً من الناحية السياسية أم الأمنية وغيرهما، في اشارة واضحة لصانع القرار بكافة مستوياته، أنّ تل ابيب لا تمتلك رؤية واضحة.


عدم وضوح الرؤية الإسرائيلي، لا يعتريه الكثير من التخبط السياسي، ولعلّ ذلك يعود إلى وجود فرص سانحة كثيرة، منحت تل ابيب دون الكثير من التخطيط، أرضية خصبة لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة،في ملفات عدّة، تحديداً على المستوى الاقليمي.
أولى تلك الفرص، هي الحالة العربية المتردية، والتي تمثلت بتراجع دور الدول العربية، وزيادة انقسامها انقساماً، الأمر الذي دفع الكثير منها للهرولة نحو التطبيع مع "إسرائيل"، طوعاً أو كرهاً، رغم أنّ غالبيتها قالت أتينا طائعين، إلى جانب ذلك، فإنّ الاصطفاف الأمريكي غير المسبوق إلى جانب تل أبيب زاد من نشوتها وشهيتها، نحو اقتناص تلك الفرص، الأمر الذي كان وسيكون له انعكاس كبير على السياسة الإسرائيلية في التعاطي مع الكثير من الملفات.


ففي الملف الفلسطيني، باتت الرؤية الإسرائيلية، أكثر وضوحاً، وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطيني يخال أنّ السيطرة على الأرض في الضفة الغربية، سيكون لأبعاد الاستيطان والمصادرة فقط، رغم كارثية الأمرين، إلّا أنّ "إسرائيل" ومن الممكن دون تخطيط، وصلت إلى سياسة فرض الأمر الواقع، والتي تقضي بالعمل على حلّ اشكالتي شطري الوطن الفلسطيني، الضفة وغزة، كلِّ بمعزل عن الآخر.


ومن يلاحظ التحركات المصرية الأخيرة إلى جانب التصريحات الأمريكية، بضرورة حلّ الاشكاليات الإنسانية في غزة، وفي ظل التلويح بامكانية التوصل لحلول منفردة في القطاع، وقد يكون تشديد الحصار يحمل في طيّاته ارغام متخذ القرار في غزة، لمضغ أقلّ الأمرين وهو الوصول لحلّ مجتزء، يُعطي غزة متنفساً من نواحِ عدّة.


إلى جانب ذلك، فإنّ المخطط الإسرائيلي في الضفة، يسير دون الكثير من الازعاج، فعجلة الاستطيان تحولت إلى قطار لا يقف في طريقه أيّاً من المعيقات، في ظل استعداد اسرائيلي واضح لضم كامل المناطق الاستيطانية، وابقاء ما تبقى من الضفة تحت حكم الفلسطينيين، أو ربما، الذهاب باتجاه بعض الأصوات الاسرائيلية والتي تطالب بضم كامل الضفة بسكانها، أو القاء عبئهم على الأردن.


في الملف السوري، كذلك، فإنّ "إسرائيل" والتي تخشى الوجود الايراني، وتمدده في الاراضي السورية فإنّها تمتلك العديد من نقاط القوّة، والتي لربما تُساهم في خلق نوع من الحلول يعود عليها بالفائدة، فالمشهد على الأرض السورية والذي لا يزال ضبابياً، فيما يتعلق بطبيعة الترتيبات التي ستؤول اليها الأوضاع هناك، تسعى "إسرائيل" من خلاله لإعادة صياغته وفق ما تقتضيه مصالحها.


قد يكون ذلك مستحيلاً من خلال التدخل الإسرائيلي المباشر، فـ"إسرائيل" ليست الدولة التي تمتلك كل مفاتيح القوّة، ولكنّها تسعى لذلك من خلال المعادلات المتناقضة على الساحة السورية، والتي باتت تتكشف بشكل أكبر، فبداية وجود نوع من عدم التفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا من جانب، وبين روسيا والولايات المتحدة من جانب آخر، ربما سيؤدي إلى احتكاكات عسكرية، أو تفاهمات سياسية تؤدي إلى اضعاف كافة الفرقاء بما في ذلك ايران.


هذا إلى جانب استمرار "إسرائيل" في سياسة الاستهداف على الاراضي السورية، والتي تسعى من خلالها ايصال رسائل لحاكم دمشق بشار الأسد، أنّ استمرار الوجود الايراني، سيؤدي إلى استنزاف اسرائيلي متكرر للقوات السورية، الأمر الذي قد يدفع الأسد للمطالبة بتخفيف ذلك الوجود، وهذه الرؤية الإسرائيلية، كشفت عنها المؤتمرات الأمنية والسياسية الأخيرة في تل ابيب.
ويُجمل مركز القدس، الواقع السياسي الإسرائيلي بالقوّل أنّ "إسرائيل" تعيش اريحية على المستوى التكتيكي القريب، وغموض على المستوى الاستراتيجي البعيد، وتعمل ضمن التوجهات التالية:

    ابقاء الانقسام الفلسطيني، ومحاولة ايجاد حلول لملف غزة، تضمن الهدوء في الجنوب، وتضمن عدم تطوير المقاومة لسلاحها.
     
    استمرار الاستيطان في الضفة، والاستعداد لأي سيناريو محتمل، مع تفضيلها بقاء السلطة الفلسطينية لادارة شؤون الضفة.
     
    في الملف السوري، استمرار العمل على مستوى الدول العظمى، من أجل خلق أرضية تحفظ أمن "إسرائيل" وتبعد ايران عن حدودها.
     
    استمرار العمل مع الدول العربية، للوصول الى تطبيع كامل، وتقوّية العمل مع مصر، لترتيب أوضاع سيناء بما يخدم "إسرائيل".
     
    على مستوى حوض شرق الأبيض المتوسط، استمرار عملها من أجل خلق نوع من الاحتكاك بين تركيا وجاراتها، لاضعاف الدور التركي المتصاعد.