زريف الطول ؟! بقلم سليم عوض عيشان " علاونة "
تاريخ النشر : 2018-03-11
زريف الطول ؟! بقلم سليم عوض عيشان " علاونة "


" زريف الطول " ؟؟؟!!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )
------------------------------------
( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل )
أحداث وشخوص النص حقيقية .. حدثت على أرض الواقع ؛ وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء خاص :
إلى " زريف الطول " صاحب الملحمة وبطل النص .
.. وإلى كل " زريف الطول " في كل مكان .
( الكاتب )
--------------------------
" زريف الطول " ؟؟؟!!!
... لم يكن من أبناء القرية أصلاً ... هذا ما يعرفه الجميع .. ولكن الجميع يعرفون بأنه قد أتى إلى قريتهم من قرية أخرى ؛ قد تكون قريبة من قريتهم أو بعيدة عنها .
عرف الجميع بأنه قروي .. ابن قرية أصيل ... لزيه القروي المميز .. وطيبة قلبه ودماثة خلقه وحسن طبعه وجمال قسماته وصلابة جسمه وقوة شكيمته وجلده ومثابرته .. وهي بعض الصفات والسمات التي يتميز بها ابن القرية على الدوام .
ثمة أمور أخرى كانت تميز الشاب .. " الصمت " شبه المطبق ؛ اللهم سوى من بعض الهمهمات والتمتمات والدمدمات والحروف والكلمات والتي نطق من خلالها بالتفوه باسمه عندما سأله مختار القرية عن اسمه ... فقال بأنه " ظريف " ولم يزد ... أو عند الرد فيما بعد وبشكل مقتضب على سؤال مطول .
وثمة امر آخر كان يميز الشاب بشكل أوضح وأعظم .. وهو طوله الغريب .. فلقد كان الشاب طويل القامة بشكل لافت للنظر ؛ ولم يكن أحد على الإطلاق من شباب القرية أو رجالها يبزه أو يدانيه طولاً .
لم يكن من أهل القرية سوى أن أضافوا لاسمه - الذي كان قد نطق به - لقباً مناسباً .. فأصبح اسمه الذي يتداوله أبناء القرية " ظريف الطول " ..
ولكن يبدو – فيما بعد – بأن أبناء القرية قد قاموا بتحويل وتدوير الاسم - الذي كان قد اختاره - لكي يتلاءم مع طبيعة نطق القرويين للحروف والكلمات .. فتحور اسمه فيما بعد ؛ لكي يصبح " زريف " .. كما تمحور وتدور لقبه الذي كانوا قد اختاروه له ؛ لكي يصبح " الطول " .. فأصبح الاسم انسيابيًا بشكل أفضل وأسهل في النطق على ألسنتهم ... فعرفه الجميع في القرية فيما بعد باسم " زريف الطول " .
ثمة رجل طيب القلب .. صافي السريرة .. يدعي " أبو حسن " .. كان مشهوراً في القرية بحرفته المميزة في عمله كنجار يتقن فنيات حرفته في صناعة الأدوات المنزلية والحقلية الخشبية الرائعة واللازمة للحياة اليومية للقرويين .. وكذلك الفنيات الخشبية الراقية في مجال تصنيع قطع الأثاث المنزلي .
" أبو حسن " آنس في الشاب " زريف الطول " كل الخصال الحميدة التي يتمتع بها الشاب .. وزاد عليها الدقة في المواعيد والتفاني في العمل والأمانة المطلقة ...
كل هذا وذاك؛ جعل الشاب قريباً جداً من الرجل " أبو حسن " ؛ والذي قام بدوره بإسناد قسم كبير من مسؤوليات العمل المهنية والإدارية للشاب ؛ والذي قام بدوره بأعباء كل هذا وذاك على خير وجه .
" زريف الطول " بدوره .. كان يتقاضى أولاً بأول أجره الأسبوعي عن العمل من " أبو حسن " فيعمد إلى ادخاره وإخفائه بالكامل بطريقة ذكية وبدون أن يحس بالأمر أحد.
ثمة ميزة أخرى كان الشاب يتمتع بها .. وهي من أرفع الخصال وأنبلها .. فهو لم يرفع عينيه عن الأرض باتجاه امرأة .. سواءً أكانت امرأة أو فتاة .. على الرغم من أن معظم نساء القرية وفتياتها كن يحاولن التقرب منه بشتى الوسائل ومختلف الطرق .
لدرجة أن " زوجة المختار " .. مختار القرية .. طلبت من الشاب " زريف الطول " أن يصنع لها " خزانة " لتضع فيها الملابس .. ولم تكن بحاجة لها في الواقع .. ولكنها فعلت ذلك من أجل أن تلفت نظر الشاب الى ابنتها الجميلة .. عله يراها ويقوم بخطبتها والزواج منها ...
كما أن نفس الأمر حدث بالنسبة لزوجة " خطيب المسجد " ؛ والتي طلبت من الشاب أن يصنع لها صندوقًا خشبيًا بمواصفات عالية لتضع فيه الملابس .. وهي بالطبع لم تكن بحاجة لمثل ذلك الصندوق .. ولكنها فعلت ذلك كي تسترعي انتباه الشاب لابنتها .. ولم تكتف المرأة بذلك فحسب .. بل راحت تحدث الشاب عن ابنتها وجمالها الفتان الأخاذ وكمال أخلاقها ومواصفاتها ...
ووصل الأمر إلى درجة أن " خطيب المسجد " شخصياً لمح إلى الأمر وهو على المنبر في خطبة الجمعة .. وكان يقصد الشاب بكلامه وإشاراته...
ولكن كل هذا وذاك كان بدون فائدة على الإطلاق .. لأن " زريف الطول " لم تكن تعنيه كل تلك الأمور سواءً أكان الأمر بالتلميح أو التصريح .
.. في ذلك اليوم ؛ كانت مجموعة من إحدى مجموعات " العصابات الصهيونية " تهاجم سكان القرية ... وقامت بقتل ثلاثة من خيرة شباب القرية ..
وفي اليوم التالي كان " زريف الطول " قد غادر القرية إلى جهة مجهولة .. دون أن يطلع أحد من أهل القرية عن نيته .. وعن وجهته التي يقصدها ؟؟؟.
ولكنه لم يلبث أن عاد إلى القرية بعد عدة أيام ..عاد في جنح الظلام متسربلاً باسوداد الليل دون أن يتنبه له أحد .
بعد عدة أسابيع قاربت على الشهر من تلك الحادثة .. عاد أفراد العصابة الصهيونية لاقتحام القرية من جديد ؛ وقاموا بعمل طوق مشدد حول القرية استعدادًا لتنفيذ الهجوم ...
وكانت المفاجأة !!!
فلقد أخرج " زريف الطول " عدة بنادق من مخابئها السرية .. وهي التي كان قد اشتراها من ماله الخاص الذي كان قد ادخره من أجر عمله في محل " أبو حسن " ..
قام بتوزيع تلك البنادق على الشباب الذين عهد فيهم القوة والجرأة والذين كانوا يتقنون فن التصويب باستعمال البنادق .
وبالفعل ؛ فقد كانت تلك البنادق القليلة سببًا مباشرًا لإفشال خطة العصابة الصهيونية والقضاء على ستة أفراد من رجالها وفرار الباقين .. فكان لذلك ردة فعل بالغة في نفوس وقلوب أبناء القرية ؛ رجالًا ونساءً وأطفالًا .. وقاموا جميعًا بالاحتفال بالنصر المؤزر الذي حققه شباب القرية بفضل تلك البنادق التي كان قد اشتراها " زريف الطول " من ماله الخاص .. مما شجع العديد من نساء القرية في نهاية ذلك الاحتفال على التبرع بما يملكن من مجوهرات وذهب ومصاغ لبيعها والتبرع بثمنها لشراء بنادق جديدة .
أنيطت مهمة شراء تلك البنادق للشاب " زريف الطول " لأنه أصبح خبيراً في شراء البنادق وجلبها إلى القرية بسرية تامة ؟؟ وبالفعل ؛ فقد قام الشاب بالمهمة على خير وجه وبالسرعة القصوى تحسباً لأي طارئ ..خشية معاودة رجال العصابات الصهيونية لمهاجمة القرية من جديد أخذًا بالثأر .
بالفعل ؛ فقد حدث ما كان متوقعاً .. فقد عاد رجال العصابات الصهيونية وبأعداد غفيرة من جديد لمهاجمة القرية للأخذ بالثأر ..
وحدث ما لم يكن يتوقعه العدو .. فلقد اندلعت معركة رهيبة بين شباب القرية المسلحين بالبنادق ورجال العصابات الصهيونية الذين لم يكونوا يتوقعون أن تكون مثل كل تلك الأسلحة بين أيدي القرويين .
دار المعركة الرهيبة بين أشجار " كروم التفاح " في الأرض الزراعية التي كانت تقع على حدود القرية .. مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من أبناء القرية .. وفي نفس الوقت كان قد سقط عددًا كبيرًا من أفراد عصابة العدو .
بعد فرار البقية من رجال العصابة الصهيونية وهم يحملون قتلاهم ويجرجرون جرحاهم .. قام أهل القرية بجمع جثث الشهداء من أبناء القرية من ساحة المعركة ومن بين الأشجار المحيطة بالقرية .
راح اهل القرية يتفقدون الشهداء للتعرف عليهم ؛ وقد تم حصر جميع الشهداء والتعرف عليهم ؛ وبدأ أهل القرية بالتجهيز لدفن الشهداء في احتفال مهيب .
مما استرعي انتباه أهل القرية فيما بعد ؛ عندما تفقدوا بعضهم البعض .. أنهم اكتشفوا بأن " زريف الطول " لم يكن موجوداً بينهم .. ؟؟!! .. لم يكن موجوداً بين الأحياء كما هو الأمر بالنسبة لعدم وجوده بين الشهداء ؟؟!!.. مما أثار الغرابة والتساؤل في نفوس الجميع .
لقد أجمع أهل القرية .. وخاصة الشباب الذين اشتركوا في المعركة ضد رجال العصابات الصهيونية ؛ بأن " زريف الطول " كان يقاتل بشجاعة وشراسة وقوة غير معهودة .. ويؤكد الكثيرون منهم بأن " زريف الطول " قد قتل أكثر من عشرين رجلًا من رجال العصابة .
ويؤكدون أيضاُ بأنه قام بإنقاذ العديد من شباب القرية .. ولكن الذي أثار العجب العجاب في لب أهل القرية جميعًا هو أمر اختفاء " زريف الطول " بعد انتهاء المعركة... ولم يظهر بالمطلق بعد انتهاء المعركة .. وبعد انتهاء مراسم دفن الشهداء؟؟!! ..
قرر أهل القرية جميعًا البحث عن الشاب " زريف الطول " .. ومحاولة العثور عليه حيًا أو ميتًا ..
راح الرجال والشباب يصرخون بأعلى أصواتهم وهم يجوبون الجبال والوديان ...
" زريف الطول " .... " زريف الطول "
فتتردد أصواتهم بالصدى دون مجيب .
اندفعت نسوة القرية وفتياتها وفتيانها وأطفالها للمشاركة في البحث عن " زريف الطول " .
.. طال بهم البحث والنداء طويلًا.. حتى كلت أرجلهم وبحت أصواتهم .. ومضى الليل بطوله .. تبعه النهار .. تبعه الليل .. تبعه النهار ... وما زال البحث جاريًا والصراخ والنداء مدويًا .
أصاب اليأس الشديد جميع سكان القرية .. وتيقنوا من عدم العثور على " زريف الطول ".
ثمة عبارة غريبة عفوية مدوية انطلقت من بين شفتي امرأة من نساء القرية بصوت مدوٍ هادر مجلجل ..
يا " زريف الطول " وقف تاقولك
رايح ع الغربه وبلادك أحسنلك
لم تلبث بقية نساء القرية أن قمن بترديد تلك العبارة ..
ولم يلبث أن بدأ الرجال بتكوين حلقة ضخمة .. جمعت كل رجال القرية .. وشبابها ونسائها .. وحتى العجائز وكبار السن والأطفال .. تحلقوا جميعاً في تلك الحلقة المهيبة وراحوا يرددون :
يا " زريف الطول " وقف تاقولك
رايح ع الغربه وبلادك أحسنلك

(( انتهي النص .. ولم تنته الملحمة ... وما زال الصوت الهادر المدوي يجلجل في أنحاء الأرض وأرجاء السماء )) ...