حوار مع الروائى المغربى: السعيد الخيز
تاريخ النشر : 2018-03-06
حوار مع الروائى المغربى: السعيد الخيز


حوار مع الروائى المغربى المبدع : السعيد الخيز
قام باعداد الأسئلة وإجراء الحوار سامح سليمان

نرجوا تعريف القارئ بشخصكم الكريم ورحلتك مع القراءة

أنا لا أعرف نفسي جيدا وإلا لم كل هذا البحث عن الذات، ولكني أذكر جيدا كيف بدأت قراءاتي منذ سنوات المراهقة الأولى، كان لقاء غير عادي بالكلمات، كان فرحا طفوليا باكتشاف القصص والروايات والتعرف على الكائنات الورقية، كان هناك جرجي زيدان بكل تلك الأطنان من الوصف والحكايات التاريخية، وكان هناك المنفلوطي بترجماته الشاهقة وجبران وعمالقة الأدب العربي والمصري على الخصوص. وكان العبقري نجيب محفوظ بثلاثيته الشهيرة.

س : ما رأيك في الحالة الثقافية للعالم العربي في الفترة الحالية : إعلام _ سينما _ الأدب بأنواعه ؟
العالم العربي يعيش حالة غليان سياسي، حروب وتطاحنات وبؤر توتر كبيرة ولا تنتهي، قتل ودمار ودم وخيانات ، القضايا العربية ملوثة جدا بالدم، لم تعد هناك قضايا نقية. العالم العربي محط أطماع العالم ككل بسبب كل ما يملكه من ثروات طبيعية وبسبب ضعفه ، ولكن الفن عموما لا يؤمن بهذه الأشياء لذلك تجده يزدهر وينمو ويواكب آلام الناس في كل مكان وخاصة في الأماكن الأكثر حرجا والأشد خطرا، الإنسان يظل إنسانا يعبر عن ضعفه وشقائه مع أخيه الإنسان. القيم تتدهور والأخلاق تنحط والأدب دوره بدءا هو تشريح هذا التحول وجس نبض العلاقات الإنسانية.

س : هل المثقف عنصر فعال و مؤثر أم مؤدلج و متعال و ألعوبة في يد من يملك المال ؟
هناك المثقف المؤدلج الذي باع ضميره وأصبح بوقا للسلطة و للأحزاب المريضة والجهات المتطاحنة، هذا النوع لا يهمه الإنسان . المثقف الذي من المفروض أن يمثل صوت الحكمة والمرجع القيمي ومصدر التوازن صامت صمتا مشبوها، وحتى إن تكلم ينطق الزلات. كم من الأقنعة سقطت ، كم من وجه ثقافي وإعلامي وديني ظهرت حقيقته المرة. أما المثقف الملتزم فلا يعدو يتكلم حتى تلفق ضده التهم ، الشعراء متعالون باستعاراتهم اللولبية، الروائيون ينتظرون نهاية الحدث لإقفال رواياتهم، المثقف المناضل انتهى زمنه، اللهم بعض الوجوه التي مازالت تحارب بالكلمة القوية ولكنها غالبا ما تجد من لها بالمرصاد. لكن الأدب لا يحمل السلاح عادة، الأدب صوت للأجيال القادمة، شاهد على المهزلة، باك على الأطلال. لكنه يظل أجمل ما يمكن أن يوجد ويعتنى به في مثل هذه الظروف العصيبة.

س : هل ما هو رائج من قصة و شعر ورواية يعبر عن الإنسان العربي و أزماته و صراعه مع ضغوط الحياة ومع ذاته ؟ س : أيهما أكثر قدره على التعبير و التواصل مع القارئ ، الرواية أم القصة القصيرة ، وهل يجب أن نعلن انتهاء زمن القصة القصيرة ؟
أكيد، التجارب القصصية والروائية استطاعت أن تسير وألم الإنسان العربي، أو المتحدث بالعربية تدقيقا، وإلا فلسنا كلنا عربا، وهذه مسألة ثانوية في ظل ما يقع في أراضينا من موت وقتل. الرواية العربية لا تصف فقط بل تتنبأ بما قد يحدث، تحذر مما قد يحدث، تحاول رسم معالم الإنسان العربي الأخير وتقول انتبهوا يا عرب فالقادم أشد سوادا مما أنتم عليه. أما الشعر فقد تراجع دور المدونة الشعرية العربية وخفتت الأصوات القوية لصالح الرواية التي تبقى في نظري الأقدر على امتصاص ما يحدث، الأقدر على جمع وجهات النظر المتعددة في كتاب واحد، إنها الأقدر على التواصل مع القارئ بعد أن غرق الشعر في الغموض والسريالية،

س : هل توجد علاقة بين الأدب والعلوم الإنسانية؟ وما هي أهم المهارات الواجب توافرها لدى الكاتب ؟
لقد تطورت الكتابة الروائية ولم تعد الرواية تجربة شخصية محدودة، الرواية ورشة مفتوحة على كل المجالات، التاريخ والفلسفة والتصوف والتشكيل والسينما والرقص والموسيقى، لذلك فإن تحدثنا عن مهارات معينة يمكن أن يمتلكها الكاتب فهي سعة اطلاعه وحسن تدبيره لموارده، توزيعه العادل للكلمة داخل الرواية، ديموقراطيته في استحضار وجهات النظر المتعددة، نضاله في إسماع الصوت المهمش والمقهور داخل فضاء روايته، تتبعه للبرامج السردية التي لا تجعل القارئ يتيه ويلعن السرد، احتفاؤه بالإنسان في آخر معاقله الذي هو الجسد، قدرته على التواضع أمام اللغة كما يقول واسيني الأعرج، تمسكه بالصدق والإصرار كما يقول رشيد الحاحي، الكتابة رسالة تحمل قيما إيجابية بالضرورة، قيما تنتصر للحياة والفرح وتحارب التطرف والإرهاب والموت. المعرفة الإنسانية تتخذ أشكالا متعددة ولكن تسريدها هو ما يجعلها تصل إلى فئة عريضة من الناس. الحكي طقس إنساني بدأ مع الالتفاف حول نار متوهجة قرب شيخ القبيلة، أو صاحب الغليون في الحضارات الأمريكية الشمالية، أو الحكواتي العربي. ويستمر الطقس عبر القصة والرواية والسينما. لا بد من الحكي، الحكي صفة إنسانية.

كيف كانت رحلتك مع كتابة و نشر روايتك نوستالجيا الحب والدمار ؟
نوستالجيا حالة كتابة خاصة جدا، بدأتها وقد كانت ذاكرتي مكتظة بالصور والذكريات والآلام وحكايات الناس حول التهجير، بدأتها وأنا أدري أني سأخرج منها منهكا فاقدا لجزء كبير من ذاكرتي، لا يهم وربما هذا هو الهدف منهاـ إفراغ ذاكرتي المتضخمة التي تمنعني من النوم ليلا. نوستالجيا الحب والدمار كانت قضية كبيرة، قضية التهجير والصراع بين الوطن والمواطن الإنسان ، في الأخير ضاعت الأرض وضاع التاريخ وضاع الوطن أيضا وكبر الطفل الصغير وهو يلعن السد المشؤوم، وفي قلبه غصة .

س : ما هي أهم الأقلام العربية بشكل عام والمغربية بشكل خاص سواء فى الأدب أو الفكر ؟ س : ما هي أهم الأعمال التي قد ساهمت فى تكوين رؤيتك الفكرية و الأدبية؟
لقد أثرت في كل الأعمال الصادقة التي كتبت باللغة العربية، وأولها عبقري السرد نجيب محفوظ الذي أعتبره مؤسسا حقيقا للرواية العربية. وأثرت في نفسي أعمال الكبار من الروائيين غادة السمان، حنا مينة، عبد الرحمان منيف، يوسف القعيد، يوسف السباعي، غسان كنفاني والكثيرين والآن أنا منبهر بأسلوب الكاتب الجزائي واسيني الأعرج والكاتبة المغربية زهرة المنصوري والكاتب الليبي إبراهيم الكوني، وأحب كتابات الشباب التي تصدر كل سنة وأقرؤها بنهم شديد. ففي كل قطر تجد قلما يصل مدارج روحك ويمتعك ويدخل أعماقك.

س : ما هو تعريفك للهوية وهل أنت مع الذوبان فى ثقافة عالمية موحدة ؟
الهوية تضيق وتتسع، إن ضاقت تقتل وإن اتسعت تعطي الحياة، هي المسؤولة عن العنف والقتل وهي المسؤولة عن السلام والقتال، لست مع الذوبان في هوية موحدة لأن الأمر مستحيل وهو ما تسعى إليه الامبريالية، خلق إنسان آلة يأكل ويشرب ويعمل ويتناسل، يشبع بعضه بعضا. ولست مع الهويات الضيقة التي تقصي الآخر، انظر إلى حروبنا، إنها كلها حروب هوية، هويات قاتلة تنبني على الدين والطائفية واللغة والعرق، لقد ضاقت بهم الهويات فتقاتلوا ولم يبحثوا عن المشترك الإنساني فيهم، حروب رموز وعلامات، الكل يعتقد أنه المختار لينوب عن الله في الأرض.

س : هل تكونت لديك رؤية واضحة لمشروعك الفكرى و الأدبى؟
لدي مشاريع تؤرقني، إنها ضخمة جدا، ولكني أكتفي منها بكتابة الروايات. لأن الرواية أصبحت هي الحياة بالنسبة لي، ما زال لدي الكثير لأقوله وداخلي ضاج بالحكايات، ولدي وطن لا أسلم من استفزازه المتكرر لي، وذاكرة تتضخم كلما انقطعت عن الكتابة، وجسد يحملني ويعطي إشارات الفناء، ومازال الخوف والرعب في داخلي ينتظر أن يخرج على شكل سطور، مشاريعي عملاقة جدا مقارنة بإمكانياتي ولكني أقاوم.

س : ما هي أوجه التشابه و الاختلاف بين نوستالجيا الحب و قطف الجمر ؟
اختلاف كبير في نظري، نوستالجيا الحب والدمار راهنت على اللغة وإمكانياتها المجازية والاستعارية، أما قطف الجمر فقد راهنت على الواقع المر الذي يعيشه شباب اليوم، الحيرة والتيه في الفكر والقيم، التضارب بين المعتقدات والواقع، ضبابية تعاريف الحب والصداقة والجنس والعلاقات الإنسانية، الاستغلال الجنسي والصراع الطبقي، شباب يتسلقون سلم المجتمع ببيع أجسادهم تمام كما تبيع الفتيات أجسادهن رغبة في ثوب جميل وأكل مشبع وساعات فاخرة وحفلات. يصبح الشاب بائع هوي تحت ضغط الفقر والرغبة وعدم النضج والصراع الداخلي الذي يعيشه. ولكنها رواية تنتصر في الأخير للحب والصداقة والحياة.

س : ما هي أهم قضايا المرأة وهل أنت مع أم ضد مصطلح الأدب النسوي والحركات النسوية بشكل عام ، وما رأيك في المنتج الصادر عن الأقلام النسائية فى الوطن العربى ؟

أنا ضد التصنيف الذي يميز بين الأدب النسائي وغيره، إنها من شرور الأكاديمية ومن شرور الجامعات العربية أن أدرجت الأدب التي تكتبه المرأة في خانة ضيقة وفي مادة دراسية سمتها الأدب النسائي، المرأة كما الرجل عقل يفكر وقلب يشعر وجسد يحس، القضية الأكبر قضية صراع مع الحياة التي تضربهما معا، القضية الحقيقية قضية موت وحياة. لقد كتبت غادة السمان ورضوى عاشور ونازك الملائكة وزهرة المنصوري وأحلام وبثينة العيسى وآسية جبار ومليكة مستظرف وزهرة زيراوي وغيرهن كما كتب الرجال وأقوى. التصنيف الأكاديمي كان هدفه الظاهري الميز الإيجابي ولكن هدفه الحقيقي حصر ما تكتبه النساء في قوقعة خاصة والأغرب أنهم يستعملون مناهج خاصة لدراسته كأنه حالات عجيبة وغريبة تحتاج تعاملا خاصا.

س: لماذا تدور أغلب الأعمال الأدبية العربية فى فلك العلاقة بين الرجل والمرأة ؟
لأن العرب لم يحسموا بعد في أمورهم الجنسية، ما زالت المرأة تشكل لهم قضية مؤرقة، ما زال العرب يناقشون جسد المرأة كأنه قلعة مظلمة. صحيح أن الحب والرغبة والجسد والفن والسياسة والدين مواضيع خصبة للإنتاج الأدبي والفني ولكن لا يمكننا الحسم معها بمقاربات من قبيل فلتغفري أو حبيبي داعشي أو الألوان تليق بك، إن تفاهة التعاطي مع العلاقة هو الذي ميعها.

هل أنت مع أم ضد المعالجة الفكرية والأدبية للتابوهات ؟ و ما هى أهم الأعمال التى نجحت فى ذلك ؟
من يستطيع أن يحدد لنا هذه التابوهات، إننا حين نكتب لا نحمل بوصلة توجهنا وتحدد لنا التابوهات، الجنس ليس طابو، فلم يكتب المحدثون ما كتبه الفقهاء والشعراء عن الجنس في العصر العباسي وفي الأندلس، الكاتب يقاوم بكل ما يملك من لغة، من مجاز واستعارة، من تحقيقات وتفكيك نفسي واجتماعي، الكاتب يجعل الحياة أكثر وضوحا، ولكن ككل إنسان معرض للإسكات والقهر والقتل، ولكنه في الأخير يقول كلمته ويمضي.