كيف نستثمر نتائج مؤتمر اعادة اعمار العراق؟ بقلم:رائد الهاشمي
تاريخ النشر : 2018-02-22
كيف نستثمر نتائج مؤتمر اعادة اعمار العراق؟ بقلم:رائد الهاشمي


كيف نستثمر نتائج مؤتمر اعادة اعمار العراق؟

رائد الهاشمي
باحث وخبير اقتصادي

المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق والذي عقد في الكويت في الفترة من 12 الى 14 فبراير وبرعاية خمسة أطراف هي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعراق، والكويت والبنك الدولي يُعدّ خطوة هامة ومكسب كبير للعراق من عدة جوانب فهو اعتراف دولي وأممي بدور العراق الكبير وجهوده في مكافحة الارهاب والقضاء على داعش واعلاناً رسمياً عن عودة العراق الى المجتمع الدولي والعربي بقوة, وجاء لدعم الوضع الإنساني في العراق حيث يستهدف بحث مستجدات الوضع الإنساني وحشد الدعم الدولي والأممي لإعادة اعمار العراق عقب الحروب والصراعات التي تأثرت بها معظم محافظاته.
قدم الوفد العراقي المشارك في فعاليات المؤتمر أجندة عمل تتعلق بثلاثة محاور اساسية هي اعادة الاعمار والاستثمار ودعم الاستقرار في البلاد وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف اطياف المجتمع العراقي.
وقدّم الوفد العراق تقديراته للكلفة التي يحتاجها البلد لاعادة الإعمار ب 88 مليار دولار منها حوالي 20 مليار كمبلغ أولي للمباشرة الفعلية و66 مليار كمراحل قادمة, واستعرض الوفد بالأرقام والبيانات حجم الدمار الذي اصاب البنى التحتية للمحافظات نتيجة الأعمال الارهابية والحروب ضد داعش وقدم خارطة استثمارية للمشاريع الضرورية التي يحتاجها البلد وكانت حوالي 900 مشروع على المدى العام وعرض 157 مشروع منها والتي تعد الأكثر ضرورة في الوقت الراهن وتوزعت على مختلف القطاعات الاقتصادية وكان في مقدمتها الاسكان والنفط والزراعة والصناعة والنقل والخدمات, وقد اتفق الحاضرون على أن العراق يُعدّ حالياً من أفضل عشرة مواقع استثمارية في العالم.
 كانت محصلة المؤتمر النهائية حصول العراق على تعهدات من الدول المانحة بقيمة 30 مليار دولار جاءت  من مشاركة 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية و 51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية و107 منظمة محلية وإقليمية ودولية من المنظمات غير الحكومية و1850 جهة مختصة من ممثلي القطاع الخاص, وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات للمساهمة في إعادة الإعمار, وقد جاء هذا الرقم أقل من توقعات الحكومة العراقية بكثير.
ما أريد قوله بأن الموقف الدولي والعربي في هذا المؤتمر موقفاً ايجابياً ويُعدّ دعماً معنوياً ومادياً للعراق ليتسنى له المباشرة باعادة الاعمار والنهوض بالاقتصاد العراقي وتحقيق الاستقرار المطلوب, ولكن على الحكومة العراقية أن تدرس جيداً وبتمعن نتائج المؤتمر وتدقق بحنكة تفاصيل هذه الأرقام التي تم تثبيتها وعليها وحسب اعتقادي أن تعتذر عن قبول جميع القروض المقدمة بعد شكر أصحابها لأنها ستثقل العراق بديون لها أول وليس لها آخر وستُحمّل الموازنة مبالغاً كبيرةً عن فوائد تلك القروض ونحن لازلنا مثقلين بوزر القروض السابقة التي استفاد منها العراق ولم يجنِ منها المواطن أيّ تحسن في البنى التحتية للبلد, أما المبالغ التي خصصت كمساعدات وهبات وهي قليلة فيجب أن توظف بشكل صحيح في المكان المناسب, وعليها أن تركز على الجانب الاستثماري الذي يعتبر هو الجانب الأهم الذي نحتاجه للنهوض باقتصادنا عن طريق خلق بيئة تنموية سليمة باقامة المشاريع الضرورية والتي تحقق التنمية المطلوبة في جميع القطاعات الاقتصادية وتحقق ايرادات كبيرة للموازنة وتوفر فرص عمل كثيرة للعاطلين وتقلل من معدلات البطالة والفقر التي وصلت الى نسب مقلقة.
ان الأرقام التي تم تثبيتها في المؤتمر لاتُعدّ نهائية حسب اعتقادي لأن آلية الدفع ستكون تحت مراقبة دقيقة من قبل الدول والمنظمات الأممية والدولية التي قامت بتخصيص تلك المبالغ بسبب عدم ثقتها بمصير تلك المبالغ وهل ستنفق في المجالات التي خصصت لها أم ستذهب الى جيوب الفاسدين وهذه النظرة جاءت لارتفاع معدلات الفساد في العراق وتثبيتها باحصائيات عالمية وهذه النظرة تنسحب حتى على الجهات والدول التي خصصت مبالغ للاستثمار, لذا فعلى الحكومة العراقية أن تعمل من الآن على تحقيق بعض الخطوات الهامة لكسب ثقة جميع الأطراف الدولية وتشجيعها على المساعدة الفعلية وعلى الدخول بقوة في عملية الاستثمار في البلد وفي اعتقادي ان أهم هذه الخطوات هي:
1.    يجب تقديم ضمانات من العراق الى المجتمع الدولي وللشركات المستثمرة على أن الأموال الممنوحة والمستثمرة لن تذهب الى جيوب الفاسدين والعمل الجاد على الاستمرار في محاربة الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة.
2.    تعزيز وتطوير القطاع المصرفي في العراق وبشكل سريع لأنه يمثل حلقة أساسية في العملية الاستثمارية.
3.    ازالة كافة العقبات أمام المستثمرين في جميع مراحل العملية الاستثمارية وتفعيل مبدأ النافذة الواحدة بشكل فعلي لأنها لم تنفذ على أرض الواقع بشكل حقيقي وهذا معلوم لجميع المختصين في الاستثمار.
4.    العمل على تعزيز الوضع الأمني وخاصة أمام الشركات المسثمرة وتوفير الحماية لها بشكل كامل لأن العلاقة بين الأمن والاستثمار علاقة طردية.
5.    ابعاد التدخلات الحزبية والكتلوية عن سير العمليات الاستثمارية وعمليات اعادة الاعمار وادارة هذا الملف الحيوي بشكل مركزي من قبل الحكومة وعن طريق تشكيل لجنة مستقلة عليا في رئاسة الوزراء تضم كفائات اقتصادية وعلمية مستقلة بعيدة عن التأثيرات السياسية.
6.    إعداد أطلس استثماري جديد يركز على الأولوية للمشاريع الخدمية والاسكانية والمشاريع التنموية للقطاعات الصناعية والزراعية والنفطية والسياحية والتي تنهض بالواقع الاقتصادي.
ملاحظاتي التي دونتها لا أريد بها الانتقاص من أهمية هذا المؤتمر الذي أعدّه نصراً كبيراً للعراق ولكن أريد من حكومتنا أن تستثمر نتائجه بشكل أمثل وخاصة في دفع عجلة الاستثمار بشكل حقيقي واستغلال الرغبة الحقيقية للمستثمرين الذين يتمنون الدخول الى العراق واستثمار أموالهم, وهم يراقبون بحذر, والكثير منهم ينتظرون الخطوة الأولى ويدرسوها بدقة وبحذر حتى لايغامروا بأموالهم, لذا فعلينا أن نهتم بالخطوة الأولى ونقدم الضمانات والاطمئنان للمستثمرين وأنا على يقين بأن كل شركة ستدخل باستثمار في العراق وتطمئن في العمل ستسحب خلفها عدة شركات من نفس الدولة لأن العراق غني بالاستثمارات والمشاريع الاستثمارية وسيكون محط أنظار معظم المستثمرين في العالم, وتمنياتي أن لاتنشغل الحكومة والكتل السياسية في الفترة القادمة بالحملات الانتخابية والتحالفات السياسية وصالحهم الحزبية والكتلوية ويهملون هذا الملف الهام الذي لو تم استغلاله بشكل صحيح فانه سينهض بالاقتصاد العراقي ويقلل من معاناة المواطن.