رؤية فلسطينية للخطة الإسرائيلية حول الجزيرة الاصطناعية بقلم:د.كمال حمدان
تاريخ النشر : 2018-02-17
رؤية فلسطينية
للخطة الإسرائيلية حول الجزيرة الاصطناعية  
    غزة في 14 فبراير 2018م
توطئة:
في ظل ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من حصار واعتداءات ومصادرة للأراضي ودعوات بالتهجير، وعلى ضوء ما يُطرح على الساحة السياسية من خطط سياسية وتسويات، وصفقات قرنية وعقدية، ومبادرات شخصية وتنظيمية، ومن خلال حرصنا على تعزيز صمود شعبنا بشكل ايجابي، وتلبية لاحتياجاته في هذه الظروف القاهرة، والأخذ بأسباب المبادرة المدروسة، وتجنباً لفرقة الصف والكلمة، ومحاولة لمنع التهويد والمزيد من الاستيطان والاعتداء على المقدسات، ومنعاً لضياع فرص إقامة دولة مستقلة، وغيرها من الأهداف الوطنية، أرى أنه من الحكمة أن تتم الموافقة المبدئية على خطة (الجزيرة الاصطناعية) التي طرحها وزير المواصلات في دولة الاحتلال الإسرائيلي "يسرائيل كاتس"، ولكن باشتراط تعديلات تتفق مع المصلحة الوطنية حاضرا ومستقبلا، وتأخذ بعين الاعتبار الجوانب السياسية والاقتصادية والقانونية المنوطة بهذه الخطة التي ينبغي أن تخضع لدراسة مستفيضة؛ وإدخال الرأي والمطالب الملحة الفلسطينية.
وأرى أنه لا مانع بأن يأتي قبولها المبدئي ضمن خطة سياسية أشمل ترتكز على الثوابت الوطنية، وتلبي تطلعات وآمال شعبنا، تكون هذه الخطة مرحلية إلى أن تتم في المستقبل حلول سياسية أخرى أو أن يتغير الواقع الإقليمي والدولي، وينبغي أن يتم عرضها على الطرف الإسرائيلي ضمن قنوات محددة، وأرى انه من الحكمة بل ومن المنطق السياسي السليم الاستفادة من النتائج المترتبة على الاتفاقيات السابقة، والعمل على تجنب سلبياتها وأضرارها، مع عدم إخلاء مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي القانونية والسياسية عما حل بالفلسطينيين حتى اللحظة، ويمكن ذلك على النحو التالي:
ملخص الخطة:
خطة الجزيرة الاصطناعية مقابل شواطئ غزة هي خطة سياسية اقتصادية أمنية تقدم بها الوزير كاتس ذو التأثير القوي في دولة الاحتلال، ولاقت الفكرة قبولاً ملحوظاً لدى الجهات الرسمية والشعبية.
تذرع كاتس عند عرضها بأنها تهدف إلى إيجاد حل للواقع الفلسطيني السيئ، وغير الجيد بالنسبة للإسرائيليين، وفيها تتخلص إسرائيل من المسئولية عن قطاع غزة، المسئولة عن القطاع، وستمكن الفلسطينيين في قطاع غزة من إيجاد مخرج إنساني وإقامة علاقات اقتصادية وتواصل مع العالم الخارجي، ولكن ضمن ترتيبات أمنية تكون إسرائيل هي المشرفة عليه بحيث لا تضر بالأمن الإسرائيلي، وتكون هناك شرطة دولية تسهم في التفتيش الأمني.
وحسب الخطة المقترحة تقع هذه الجزيرة الاصطناعية على بعد 4.5 كم من شواطئ قطاع غزة، بمساحة 5400 دونم، طولها 4 كم وعرضها 2 كم، وتضم ميناء لنقل البضائع والمسافرين الفلسطينيين للخارج، ومحطة توليد كهرباء ومحطة تحلية مياه، ومحطة للتزود بالغاز، وبناء بنى تحتية مدنية أخرى، ومستقبلاً ستضم مطاراً جوياً، ومن المتوقع أن تستغرق الخطة 5 سنوات منذ البدء بالموافقة عليها، وتكلف حوالي 5 مليار دولار يسهم فيها المجتمع الدولي.
المطالب والمبررات الإسرائيلية:
يرى "يسرائيل كاتس" من هذه الخطة أنها يمكن أن تسهم في التخلص من العبء السياسي والمسئولية عن قطاع غزة عن الذرائع الإنسانية والاقتصادية (كهرباء ووقود ومياه وبضائع....)، وهنا هذا تأكيد واعتراف بأن دولة الاحتلال ما زالت هي المسئولة فعلياً عن قطاع غزة، وهي التي تتحكم في الحصار المفروض على القطاع، وهذا يلزمها برفعه ومعالجة تبعاته.
 كما يشترط كاتس فيها عدم مساهمة إسرائيل في تمويل المشروع، بل أن يكون هناك ضمان لتمويل وملكية دولية لهذا المشروع، وهذا فيه تهرب من الالتزامات السياسية والاقتصادية، وتنصل من المسؤولية التاريخية عن المآسي التي تعرض فيها شعبنا الفلسطيني عبر تاريخه، وفيه إلقاء تبعات ذلك على المجتمع الدولي والعربي.
ويدعو كاتس إلى فرض ترتيبات أمنية تلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية أثناء وبعد إنشاء المشروع بما فيها أن تكون لإسرائيل حصرياً إمكانية فصل الميناء عند الضرورة الأمنية عبر إقامة جسر متحرك وقتما أرادت إسرائيل للضرورة الأمنية، وهذا أمر ينبغي أن يخضع للسيادة الفلسطينية، وممكن أن تدرس إمكانية إشراف عربي أو حتى تركي أو جنوب أفريقي أو أممي.
ويرى كاتس أن هذه الجزيرة ستسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين إسرائيل ودول المنطقة وفتح الأبواب أمامها، وفي تعزيز العلاقات الدولية مع إسرائيل، وهذه غاية إسرائيلية لطالما سعت إلى تحقيقها، وبذلت جهودا كبيرة في الوصول اقتصاديا إلى الدول العربية والخليجية سواء كان ذلك بطريقة مباشرة، أو بطروحات يكون فيه الفلسطيني بمثابة الجسر الذي يوصل الإسرائيليين إلى ذلك، ونحن هنا نثق ونعتمد على وعي الجماهير العربية وقادتها في تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال. 
وهو يحاول فيها ترسيخ الدعاية الإسرائيلية ومحاولات الظهور بالمظهر الإنساني والحضاري الذي يتطلع لتلبية الرغبات الفلسطينية، وحرصها على تحقيق مستقبل أفضل لشعوب المنطقة، بل وإظهار أنها مع التسوية السياسية وحقوق الإنسان، وأن مبادرة الجزيرة الاصطناعية ستؤدي إلى تعميق الإجراءات الايجابية مع سكان القطاع؛ بعيداً عن التسلح والتحريض.
من هنا:
ومن أجل استغلال هذه الفرصة السانحة؛ والتأثير السياسي الكبير للوزير الإسرائيلي الليكودي، أرى بأنه ينبغي على الجانب الفلسطيني قبول هذه الخطة من حيث المبدأ واشتراط ذلك بمطالب واحتياجات وطنية يجمع عليها أبناء شعبنا بكافة فئاته.
ومن أجل المضي قدماً بهذه الخطة التي يمكن أن تحقق الكثير لنا كشعب يعاني من ظروف سياسية واقتصادية، آخذين بعين الاعتبار الظروف العربية والإقليمية والدولية في هذه الفترة التاريخية، التي تلوح فيها خطط قرن وتلميحات بتهجير وضم واستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف ينبغي أن يتم ذلك بعد تنقيح مستفيض ودراسة واعية للخطة ووضع الشروط الفلسطينية الخاصة المقترح بعضها ويمكن التوسع فيها وتوضيحها.
ومن المقترح تعديله في هذه الخطة أن يتم إدخال تعديلات جذرية عليها منها مثلاً:
•    مضاعفة مساحة الجزيرة لخطط مستقبلية تكون فيها هي الميناء العربي الحيوي للمملكة الأردنية والدول العربية الأخرى ليعود بالنفع على شعبنا الفلسطيني.
•    كما ينبغي الشروع فوراً في بناء المطار استغلالاً للزخم السياسي وعدم تأجيله؛ رغبة في ربط فلسطين دولياً، تسمح بحرية التنقل بعيدا عن كل التعقيدات الحالية.
•    كما يجب اشتراط السيادة الفلسطينية الكاملة فلسطينياً على الجزيرة، وعلى الممر الذي يربطها بالشاطئ، ولا مانع من إشراف دولي (تركي أو الأمم المتحدة...) بما لا يؤثر على مسألة السيادة والتنقل والمستجدات والتطويرات المستقبلية.
•    وأرى بأنه كي يتم الأمر لا مانع في هذه المرحلة النظر في الترتيبات الأمنية المقبولة وطنياً التي تؤثر إقليميا والجوار الفلسطيني؛ بحيث تكون ترتيبات حديثة تقنية غير معيقة لحرية الحركة وسرعة الانتقال، سواء كان ذلك في المداخل والمخارج للبضائع، أما الانتقال البشري فلا علاقة للجانب الإسرائيلي بذلك بطريقة تنسجم مع السيادة الكاملة وحرية الحركة وسرعتها، وعدم الاحتكاك المباشر مع المحتل الإسرائيلي، ويقترح أن تكون هناك محطة انتقالية في جزيرة قبرص القريبة أو في تركيا أو حتى اليونان تخضع لترتيبات دولية.
•    كما يمكن أن تكون هذه الخطة ضمن خطة أشمل مدروسة ومتفق عليها وطنياً يتم فيها التوصل إلى تهدئة أمنية بكل جوانبها لمدة 15 سنة، أو هدنة طويلة المدى 25 سنة تتغير فيها كثير من الأوضاع الإقليمية والدولية أو تحدث حلول سلمية مستقبلية، بحيث تكون التهدئة ملزمة يتم فيها الحفاظ على الوضع الراهن، ويجنب شعبنا المزيد من المآسي ومصادرة الأراضي الاستيطان والحصار والفقر.
•    كما يمكن أن يسبقها إتمام صفقة مشرفة لتبادل الأسرى، ويشترط عقد اتفاق التهدئة بضمانة دولية، تلزم بوقف الاستيطان تماماً، والانسحاب من كل المستوطنات المنعزلة، والانسحاب من المناطق التي تخضع للمنطقة (ب) و (ج) في الضفة الغربية، وعدم البناء بالمطلق في الكتل الاستيطانية الكبيرة، ووقف عمليات الاجتياح والاعتداءات الإسرائيلية، وحرية الانتقال والعمل، وفتح الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبناء السكة الحديد التي تربط مدينة رفح بمدينة الظاهرية، أو بيت حانون بترقوميا وبيتونيا وطولكرم، وفتح المعابر بآليات جديدة حديثة Transparency (تتضمن الوجود الدولي المعقول المصري أو الأردني أو التركي أو حتى الجنوب أفريقي، ويمكن فيه تفعيل دور للشركات الخاصة...وخلافه).
•    كما يجب أن تكون هناك دراسات فنية ومختصة لإدخال التعديلات الفنية والاقتصادية على هذه الخطة بحيث تحقق الفائدة السياسية والاقتصادية العظمى لأبناء شعبنا، وعماله، وموارده الاقتصادية بالتعاون مع جمهورية مصر العربية وتركيا وغيرهما.
•    والتعديلات الأخرى التي يمكن التفصيل فيها .
الخلاصة:
أدرك أن هذه الخطة يعتريها الكثير من المخاطر والمحاذير؛ ولكنها خطة جديرة بالدراسة المستفيضة من الناحية السياسية والقانونية والفنية والنتائج الاقتصادية والإدارية، وتقديم ردود ايجابية عليها تحقيقاً للمصالح العليا لشعبنا، بما يحقق وحدة القرار والهدف الفلسطيني، للخروج من الحالة التي وصلت إليها، وتبني كل ما يمكن أن يعيد رسم العلاقات بين جميع الأطراف ذوي العلاقة من جديد.
وباعتقادي أن الطرف الإسرائيلي يمكن أن يتوافق عليها بقبول الطرف الفلسطيني والتزامه بها، مع تأكيدي في النهاية على أهمية دراستها باستفاضة، وعدم قبولها مبدئياً إلا باشتراط إدخال التعديلات الوطنية الفلسطينية عليها، والله غالب على أمره.

كمال محمد حمدان
دكتوراه علوم سياسية
مختص في الشأن الإسرائيلي