تستطيع سوريا أن تخيف إسرائيل وتردعها بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2018-02-14
تستطيع سوريا أن تخيف إسرائيل وتردعها بقلم : حماد صبح
يمكن القول في ما يتصل بإسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة إف 16 الإسرائيلية إن الإسرائيليين بالغوا في صدمتهم وفزعهم من إسقاط الطائرة ‘ وإن السوريين والعرب المحبين لسوريا والمناصرين لها بالغوا في فرحتهم بإسقاطها . إسرائيل بعد إسقاط طائرتها انتقمت فورا ، فهاجمت 12 موقعا في الأراضي السورية ، وأخذ خبراؤها العسكريون يقللون من قيمة ما حققته الدفاعات الجوية السورية قائلين إن قائد الطائرة وملاحها فشلا في مناورة الهرب ، وإنهما أخطآ حين حافظا على ارتفاع شاهق للتأكد من إصابة الهدف الذي كان عربة تحكم إيرانية في قاعدة تي فور السورية يتهمها الإسرائيليون بإنها أطلقت طائرة تجسس إلى سماء فلسطين المحتلة ، وإن الدفاعات الجوية السورية أطلقت 20 صاروخا من نوع سام 5 باتجاه الطائرات الإسرائيلية الثماني التي كانت تهاجم العربة الإيرانية ، وإن من الطبيعي أن يصيب أحد تلك الصواريخ إحدى تلك الطائرات . وسعى الإسرائيليون في صدمتهم وفزعهم ليؤكدوا لمواطنيهم أن المعادلة بينهم وبين سوريا وإيران وحزب الله لم تنكسر ، وأكدوا أنهم سيواصلون مهاجمة ما يريدون من أهداف قي سوريا . السوريون ومحبو سوريا ومناصروها من العرب قالوا مبالغين في فرحتهم إن المعادلة كسرت بين سوريا وإيران وحزب الله وقوى الممانعة إجمالا وإسرائيل ، وأغفلوا أن إسرائيل هاجمت مثلما قلنا 12 هدفا في الأراضي السورية بعد إسقاط طائرتها . المبالغة عادة تغفل بعض الحقائق ، ومن ثم لا تنتج رأيا قويما سديدا . حقائق الصراع بيننا وبين إسرائيل أشمل وأعمق من إسقاط طائرة أو اثنتين أو أكثر . إنها حقائق تتنوع على خارطتها الأحداث بين ما يسر هذا الطرف وما يحزن هذا الطرف ، والنهاية السارة ستكون لمن يحسن التعامل مع هذه الحقائق . في حرب الاستنزاف في منطقة قناة السويس أسقطت الدفاعات الجوية المصرية 5 طائرات فانتوم إسرائيلية في يوم واحد ، وظلت الحال على ما هي عليه حتى توقف تلك الحرب ، ثم تلتها حرب 1973 ، وهاهي الأمور في المنطقة كلها لا تزال بذات الحقائق الاستراتيجية ، وإن جرى على خريطتها خط هنا وخط هناك ، واستقام خط هنا ، واعوج خط هناك . وصفوة هذه الحقائق أن إسرائيل كيان مغتصب معتد زرعته القوى الغربية ذات التاريخ العدواني المزمن على العرب والمسلمين ، وهذا الكيان يرى أن لا حياة له في المنطقة العربية الإسلامية دون قوة تخيف من حوله ، وقوته منذ أن زرع في 1948 تعززها القوى الغربية التي تتقدمها الآن أميركا ، ومهما كانت قوته الذاتية من العتو والاقتدار فلا أمل له في البقاء حيا في المنطقة دون التعزيز الغربي الشامل . والمشهود أن هذه القوة الذاتية يداهمها التصدع عند أي مواجهة حقيقية جادة حتى من بعض العرب ، حدث هذا في الأسبوع الأول من حرب 1973 حين واجهت القوات الإسرائيلية أياما عصيبة صعبة ، ورجح كفتها في النهاية ترجيحا نسبيا التدخل الأميركي والغربي ، وحدث هذا في الانتفاضة الأولى التي وإن لم تكن مسلحة إلا أنها أزاحت كثيرا من الغشاوة الصفيقة التي كانت تعمي عيون الإسرائيليين وعقولهم عن حقيقة أن في فلسطين شعبا هي في الحق وشواهد التاريخ له وحده ، وحدث هذا في مايو 2000 عندما أجبر حزب الله الناشىء يومئذ إسرائيل على الهرب في ليلة واحدة من الجنوب اللبناني . وهو يمكن أن يحدث بين حين وآخر لو وجد من يتصدى لاعتداءات إسرائيل حق التصدي ، وهي ، تأكيدا منها لقوتها ولرغبتها في إشعار مواطنيها بالأمن ؛ لا تتردد في الاعتداء إذا لم تصطدم بمن يخيفها ويردعها ، وهذا ما حدث مع سوريا التي أسرفت في السكوت على اعتداءاتها قبل وقوعها في محنتها التي توشك أن تكمل عامها السابع . سكوت سوريا على اعتداءات إسرائيل قبل محنتها الحالية كان خطا كبيرا ما كان لدولة في مستواها أن تقع فيه ، وهي في تقديرنا ، حتى في ظل المحنة الرهيبة التي تواجهها ، تستطيع تدفيع إسرائيل ثمن أو بعض ثمن تسلطها واعتدائها على حرمة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية وكرامة الشعب السوري ، وسنرى أن إسرائيل التي ترسم خطوطها الحمراء في سوريا على هواها تكتشف أنه من الممكن ألا يكون لها خطوط حمراء فيها . وفي النهاية لا أحد لا يخاف إذا وجد من يخيفه ، وسوريا التي صمدت سبع سنوات لأعتى وأقذر حرب تشارك فيها أميركا وإسرائيل بوسائل مختلفة ؛ تستطيع أن تخيف إسرائيل وتردعها .