الخباز الصغير ... القوه في حفرة وانهالوا عليه ضربا بقلم عيسى قراقع
تاريخ النشر : 2018-02-13
الخباز الصغير ... القوه في حفرة وانهالوا عليه ضربا بقلم عيسى قراقع


الخباز الصغير ... القوه في حفرة وانهالوا عليه ضربا

بقلم عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
تشبه القبر، بل هي قبر، حفرة في الارض القاني الجنود بداخلها وانهالوا عليّ ضربا مبرحا، بعضهم بدأ يهيل التراب عليّ، هل جاء الموت؟ هل هذا هو قبري ؟ أسئلة صارخة في تلك اللحظات القاسية اطلقها الاسير القاصر عمر جهاد ابو عمر 15 سنة سكان باب الزاوية في الخليل الذي حكم ب 8 شهور سجن فعلي.
اعتقل عمر يوم 27/7/2017 خلال المواجهات التي اندلعت بسبب اقتحام المسجد الاقصى بالقدس وتركيب البوابات الالكترونية ، لحق به اكثر من جندي، امسكوه وبطحوه ارضا، وقام احدهم بوضع قدمه على رأسه وتثبيت حركته، وقام آخر بربطه بقيود بلاستيكية وثني يديه الى الخلف وشد القيود.
الطفل الصغير وجد نفسه يجر على الارض من قبل مجندة، سحبته الى داخل حفرة في الارض، القته فيها، نزل احد الجنود الى داخل الحفرة وبدأ يضرب الطفل المربوط المصدوم والمرتعب ، وكلما حاول رفع رأسه ازداد الضرب اكثر مصحوبا بشتائم قذرة والفاظ وسخة.
الطفل عمر يعمل خبازا، يبيع ارغفة الخبز للناس، وجد نفسه داخل قبر يمارس بحقه التعذيب الوحشي، هو لم يرتكب اثما، وكلما انهال التراب على رأسه خلال حفلة الضرب كلما اعتقد انه سيدفن في هذه الحفرة، ازداد صراخه محاولا ان يستنشق الهواء، لا يريد ان يموت بهذه الطريقة، لم يفعل شيئا سوى انه القى حجرين على جنود الاحتلال، ترك ارغفة الخبز في الفرن وخرج ليشارك في الاحتجاجات ضد الاعتداءات على القدس ككل الاولاد.
استغرق التحقيق معه عدة ساعات حول عدد الحجارة التي القاها على الجنود، وقد انتهى الرقم بحجرين فقط، الولد بعد ان اخرجوه من الحفرة كان التراب يملأ وجهه ورأسه ، لم يصدق انه عاد من يوم القيامة حيا، ولم يصدق ان دولة اسرائيل تئد الصغار وتدفنهم أحياء.
الخباز الذي قضى فترة اعتقاله في سجن عوفر لم ينس ذلك المشهد المرعب، وقد اكتشف ان اكثر من 150 طفلا اسيرا مروا بتجارب تنكيل وتعذيب رهيبة، كل طفل يحمل في داخله جهنما، انهم اطفال عادوا من جحيم الاحتلال، خرجوا من حفر التعذيب الوحشي.
احدهم تحدث عن تلك الزنزانة الصغيرة التي حشر فبها، زنزانة بلا شباك تشبه القبر، ضيقة قذرة، لا شمس ولا هواء ، بطانيات متعفنة ، رطوبة عالية، لم يحضروا له الطعام والماء، رفضوا الاستجابة له لقضاء حاجته مما اضطره ان يبول على نفسه.
الخباز الصغير رأى اطفالا مضروبين ومصابين بجروح وصلوا قسم الاشبال في عوفر ينزفون الدماء، الجنود دعسوا على رؤوسهم بالبساطير ، رفسوهم في بطونهم وظهورهم وهم مقيدين الى الخلف ومعصوبة اعينهم، الضرب بالبوكسات، بقبضات الايدي، الشتائم النابية، اطفال يصرخون تحت احذية الجنود، اطفال وحدهم في نار الكراهية الاسرائيلية الحامية.
الخباز الصغير يحلم ان يكبر الرغيف ساخنا بين يديه ليطعم كل الفقراء ، ويحلم ان يعيش دون ان يرى حاخاميين ومستوطنيين يؤدون طقوس الحرب والعنصرية امام بوابات الحرم الابراهيمي والمسجد الاقصى.
الخباز الصغير يحلم ان يجري في شوارع وحارات الخليل دون ان يعترضه حاجز او يلاحقه جنود، ان يبيع اكبر عدد ممكن من الارغفة ،ان يخرج من سياج المدينة وطوقها ولا يسمع صوت الرصاص وحفلات الاعدام الميداني على الارصفة.
الخباز الصغير يريد ان يخرج من هذه الحفرة الاحتلالية ، ان يرى السماء صافية ، ان يرى الارض خضراء خضراء لا تشوهها مستوطنة او تقلع خصوبتها جرافة عمياء، هو من زرع الارض، وهو من يعرف رائحة الطحين والسنبلة.
الخباز الصغير يريد ان يخرج من هذه الحفرة الاحتلالية، من الشبح في معسكر عتصيون والمسكوبية، من مطاردة دولة الاحتلال للصغار، تصطادهم قتلا واعتقالا ، تجرهم مهانين مذلولين الى العتمة والمحاكم العسكرية .
الخباز الصغير يحرك الخيال
يريد ان يخرج من الحفرة
ان ينسى لحظة الاعتقال
يخاف الغد لأن الاحتلال لم ينته
الخباز الصغير لا يريد ان يكبر
يبيع الخبز في الساحات
يحمل حجرين او اكثر