غزة بوابة الجنة الناقصة بقلم زياد محمد حسن " مخيمر "
تاريخ النشر : 2018-02-07
غزة مثل كرة من النار ، تحرقه تصيبه بالدوخان ، تطن في أذنيه في شيء أشبه برنين الأشباح في ليلة مُظلمة حالكة السواد ، تراقب حركاته حتى وإن اتجه إلى مرآته الصغيرة ليري فيها أسنانه المتفحمة ،المدينة الصغيرة تجعله مقيداًبالتقاليد وهو الواسع الذي يحب كثيراً
الخروج عنها ، مخزون الثقافة في بلده يجعلها أكثر تطرفاً حين يدك من  حولها الحصار تلو الحصار والموت تلو الموت ،الرصاصات التي تدوي لتخترق عقله تمتزج مع كبرياء مخدوش مثل قهقهات رجل كهل ينتظر حتفه في أي وقت ، تحتويه الطرقات ورائحة البحر في غضب وسخرية ، قدركَ أن تظل هنا في غزة ، بلد الثوار تخلق بركة من العرق بركة من الملل ، أزيز الرصاص هو الساحة العائمة تغنيك عن مياه البحر ،الموسيقى تتدلى من أعلى مشنقة ، رائحة الغاز تقوده بخطوات ثقيلة تمنعه من الاستجمام خارج نفسه ليقول لها_ كل غزة في الجنة

تتطاير ألفاظه عبر الظلام الدامس ينحني ليلتقط منها عبارة واحدة
_ بإمكانك أن تذهب .. أن تسافر.
المعابر مغلقة لا ملاذ له سوى أن يتوسط الغرفة ويحتمي بضجيج الأمواج الغاضبة ، لابد أن يرى نفسه مع المهربين يتسلل من تحت شاربه ، يتسرب من أنف غزة رغماً عن أنفها هي التي تشتغل على النضال بحاجة إلى أن تستريح قليلاً ،الحمى تقتات من الأطفال والرجال والنساء ، ينظر إلى السماء ويقول_ لك ِ الله يا غزة


غزة تنفجر في رأسه ، تدوي كصفارة انذار ، هل يتدبر أمر الجوع الآن ؟
هل يحكم اغلاق البيت فيخرج بدون دواء ولكن إلى أين ؟ السيارات نامت من قلة البنزين ، رفاق الكفاح توغلوا في الانقسام حواجز الاحتلال تطل من شبابيك الموت ، الكهرباء مُعطّلة داخل دكاكين الصمت القبيح ، الكل يعيش  على صبره ، كيف له أن يخرج من جوعه للحياة ويدخل دائرة الملل والفراغ  القاتل ؟

_ .. أيها الرفاق .. كبونات تموين

_كبونات بنزين يا أصدقاء .

يخرج الناس مرة أخرى إلى شوارع غزة، إنها نفس التقاليد الخرافية التي  أصبحت تدك حصونها ، يتسرب من بين أرجاء المدينة يسمع صوتاً حاداً من امرأة عجوز
_ لكل مقبرة حراس ونحن حراس المقبرة لكل ميت منا كيس دقيق لكل ميت  منا كابونة بنزين .
_ يا حجة لا داعي لكثرة الكلام .. خذي أغراضك وارحلي .

يتردد صوت العجوز مرة أخرى
_ اذهب الى الجحيم أيها الصبي .. الموتى لا يدفعون أجرة .
لا يدفعون أجرة ، يضحك بينه وبين نفسه ، يتذوق طعم الضحكات عندما تأتي إليه منكوبة ، مصهورة بدوار كمن يصيب جرحاً ،لكنه بكل بساطة يريد أن يعيش ، أن يمتطي فرسه ويسافر, أكثر من مرة يَهم بالخروج والاندفاع ، حتى ثقلت خطواته تماماً ،أحراش كثيفة من المرارة أقدس من كل الأشياء ،لماذا يحس بالكآبة ؟

أليست عذابات الآخرين تجعلة أكثر قوة ، أليست قطرات الدموع أكثر رشاقة من رقصات الباليه ، بدت قامته طويلة ونظراته تسبح في السماء بلا أي ضجر ،كمن يبحث عن شيء كبير افتقده، يبحث عن نفسه وكأنها مسحوبة في وحل أسود ،معتم ، تتوزع روحه عبر السماء على شكل انتفاضات حادة ، يسند بصره إلى ما لا نهاية ويمضي ..

.
___________________