قراءة في مواقف الرئيس محمود عباس في مواجهة القرارات الأمريكية حول القدس
تاريخ النشر : 2018-02-07
قراءة في مواقف الرئيس محمود عباس في مواجهة القرارات الأمريكية حول القدس


قراءة في مواقف الرئيس محمود عباس في مواجهة القرارات الأمريكية حول القدس

بيروت - عبد معروف
أطلق الرئيس محمود عباس "أبو مازن"خلال الأسابيع الماضية ، مواقف تصعيدية في وجه القرارات الأمريكية الأخيرة ، بعد قرار الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل مقر سفارته إلى القدس المحتلة .
واعتبر الرئيس أبو مازن أن هذه القرارات والتي ترافقت مع قرار قطع مساعدات أمريكية لوكالة الأونروا أمرا خطيرا يعرقل عملية السلام في المنطقة ويجعل من الإدارة الأمريكية طرفا منحازا إلى جانب الاحتلال الاسرائيلي وغير مؤهلة لتلعب دور الوسيط على المسار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية وبذلك فإنها لن تكون قادرة على أن تقترح حلاً عادلاً ومنصفاً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
مواقف الرئيس محمود عباس برزت خلال اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح الذي عقد برئاسته في رام الله 12 كانون الثاني الماضي وتم التأكيد على الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل وعلى"أن القرار الأميركي المجحف بحق مدينة القدس المحتلة أنهى الدور الأميركي كراع للمسيرة السياسية، وأثبت انحياز الإدارة الأميركية بشكل كامل للطرف الإسرائيلي".
ورفع الرئيس أبو مازن من موقفه الرافض للسياسة الأمريكية بعد قرار ترامب وأكد في كلمة أمام مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول يوم 13 كانون الأول 2017 أن فلسطين لن تقبل بأن يكون للإدارة الأمريكية أي دور في العملية السياسية بعد الآن، مجدداً رفضه للقرار الأمريكي المتعلق بالقدس معلنا "رفض القرارات الأمريكية الأحادية والباطلة التي صدمتنا بها الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي كنا فيه منخرطين معها في العملية السياسية من أجل الوصول لسلام عادل"، متابعاً "لن نقبل أن يكون للإدارة الأمريكية أي دور في العملية السياسية بعد الآن"مشيراً الى أن "واشنطن حولت صفقة العصر إلى صفعة العصر واختارت أن تفقد أهليتها كوسيط". ولفت قائلاً "دورنا في محاربة الإرهاب معروف للجميع، وعقدنا شراكات مع العديد من الدول بما فيها أمريكا، ولذلك نرفض قرارات الكونغرس التي تعتبر منظمة التحرير (الفلسطينية) إرهابية".
ووصف عباس قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بـ"وعد بلفور جديد (يأتي) بعد 100 عام على الوعد (البريطاني)". وشدد بهذا الشأن "إذا مر وعد بلفور، لا ولن يمر وعد ترامب . واعتبر القرار الأمريكي جريمة كبرى ، مؤكدا عدم الالتزام بالاتفاقيات التي وقعت مع واشنطن "ما دامت خرقت اتفاقها معنا".
وجدد الرئيس محمود عباس مواقفه أمام القمة العادية الثلاثين للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا 28-1-2018 حيث شدد على أن متابعة جهود السلام تتطلب إنشاء آلية دولية متعددة الأطراف، تحت مظلة الأمم المتحدة.
ورأى " أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتعلق بالقدس، قد جعل الولايات المتحدة طرفاً منحازاً لإسرائيل، واستبعدت نفسها كوسيط في عملية السلام، وبذلك فإنها لن تكون قادرة على أن تقترح حلاً عادلاً ومنصفاً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط".
وخلال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله يوم 14 كانون الثاني الماضي أشار الرئيس محمود عباس إلى أنه رفض لقاء السفير الأميركي في أي مكان، مبينا أن أميركا استعملت الفيتو 43 مرة ضد قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية. وأكد أن القيادة الفلسطينية لن تقبل بما تفرضه واشنطن على الفلسطينيين من صفقات، ودعا إلى إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
وقال لن نقبل بما تميله علينا أميركا من صفقة ولن نقبل بها وسيط بعد الجريمة التي ارتكبتها بحق القدس، لكننا نقبل برعاية أممية لأي عملية سياسية تهدف لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام.
وفي كلمته أمام أعمال مؤتمر الأزهر العالمي لنُصرة القدس (17 كانون الثاني) وصف الرئيس محمود عباس اعلان الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بالخطيئة الخطيرة واعتبره تحدٍ لمشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين ، ما يعني "أن الولايات المتحدة اختارت ان تتجاوز الاتفاقيات وتتحدى شعوب العالم كافة، وأن تناقض الاجماع الدولي" .
ورأى الرئيس أبو مازن أن قرار ترامب الأخير جاء مناقضا لكل المواقف الاميركية السابقة بشأن القدس منذ عام 1967 وحتى 2016 حين وافقت اميركا على صدور قرار 2334 الذي يقول إن القدس مدينة محتلة وقال الرئيس أبو مازن : ما هذه الدولة التي لا تحترم قراراتها اذا كانت كلما جاءت امة لعنت اختها وكلما جاءت ادارة لعنت سابقتها، كيف نثق بهذه الادارة؟ متسائلا :كيف نثق بهذه الدولة العظمى لكي تحكم بين الفلسطينيين وبين الاسرائيليين؟ لن نثق بها ولن نقبل بها وكيف قبلت الولايات المتحدة الأميركية على نفسها هذا الموقف الغريب ونسفت كل مواقفها السابقة وهزت صورتها كدولة عظمى، يفترض بها ان تلتزم بتعهداتها وان تحترم الشرعية الدولية وقراراتها وقوانينها، وكيف يمكن لاحد في العالم ان يقبل بهذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن!!.
وأضاف ، لقد أخرجت الولايات المتحدة الاميركية نفسها بهذا القرار الخطير من عملية السلام ولم تعد تصلح لأن تقوم بدور الوسيط الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية، وبعد ان وقفت في صف الاحتلال بلا مواربة وفرضت على الفلسطينيين واقعا لا تملك القيادة الفلسطينية معه إلا أن تلجأ الى كل الخيارات الاخرى المتاحة بين ايديها من اجل الدفاع عن حقوق شعبها.
وطالب الرئيس محمود عباس بآلية جديدة للمفاوضات برعاية الأمم المتحدة بعد أن أصبحت الادارة الأمريكية طرفا منحازا لإسرائيل وقال في كلمته أمام القمة العادية الثلاثين للاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا28 كانون الثاني الماضي إن جهود السلام تتطلب إنشاء آلية دولية متعددة الأطراف، تحت مظلة الأمم المتحدة. وأكد تمسك الجانب الفلسطيني بخيار السلام،"غير أن قرار الرئيس ترامب المتعلق بالقدس، قد جعل الولايات المتحدة طرفاً منحازاً لإسرائيل، واستبعدت نفسها كوسيط في عملية السلام، وبذلك فإنها لن تكون قادرة على أن تقترح حلاً عادلاً ومنصفاً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط".
من جهتها ، أكدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال اجتماعها في رام الله يوم 3 شباط عزمها على تنفيذ قرارات المجلس المركزي برفض سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الهادفة لطرح مشروع أو أفكار تخالف قرارات الشرعية الدولية لحل الصراع، ودعت الادارة الاميركية الى مراجعة سياستها والكف عن التعامل مع الجانب الفلسطيني بلغة الاملاءات.
وشددت على رفضها الحازم لتهديدات وتصريحات ترمب بأن القدس لم تعد مطروحة على طاولة المفاوضات، وبأن الفلسطينيين أمام خيارين إما العودة لطاولة المفاوضات أو وقف المساعدات الأمريكية عن السلطة الوطنية الفلسطينية
وطالبت الإدارة الاميركية بالكف عن التعامل مع الجانب الفلسطيني بلغة الابتزاز والتهديد وسياسة الانحياز الأعمى للسياسة العدوانية الاستيطانية الاستعمارية لدولة إسرائيل، كما شجبت جميع المزاعم التي وردت في خطاب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أمام الكنيست الإسرائيلي بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل نهاية العام المقبل، ودعت الادارة الأميركية الى التوقف عن خطاب الكراهية ونفي الوجود الأصيل الممتد عبر التاريخ للشعب العربي الفلسطيني في هذه البلاد .
وشجبت اللجنة التنفيذية حملة التحريض والتشويه التي تقوم بها الإدارة الأمريكية، مستهدفة الرئيس والقيادة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية عدم استجابتها للمفاوضات.
يبدو أن الرأي العام أمام قرارات وقرارات مضادة ومواقف ومواقف مضادة بين الإدارة الأمريكية والقيادة الفلسطينية ، ويبدو أن القيادة عملت على تصعيد مواقفها وتصريحاتها في وجه القرارات الأمريكية في محاولة لحشد الرأي العام العالمي في مواجهة هذه القرارات . لكن ذلك حتما سيجعل القيادة الفلسطينية في مواجهة جادة مع الادارة الأمريكية لا يقتصر ميدانه على الاعتداءات والاقتحامات والاعتقالات ومصادرة الأراضي التي تنفذها حكومة الاحتلال ، بل سيشمل ذلك المزيد من الحصار الاقتصادي والسياسي .
فهل تعلم القيادة الفلسطينية أنها أمام سياسة جديدة في مواجهة الادارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب ، وهل أدت القرارات والمواقف التي أطلقت إلى طلاق نهائي بين الجانبين الفلسطيني والأمريكي .
الرئيس محمود عباس أعلن تمسك القيادة الفلسطينية بعملية السلام على المسار الفلسطيني إلا أنه أكد أن الولايات المتحدة لم تعد صالحة لتلعب دور الوسيط وأن قرارها الأخير حول القدس أخرجها عن طاولة المفاوضات واصبحت طرفا منحازا للسياسة الاسرائيلية .
ولاشك بأن مواقف الادارة الأمريكية المنحازة والداعمة بشكل مطلق إلى الاحتلال الاسرائيلي ليست جديدة ، بل إن الادارات الأمريكية المتعاقبة قدمت الدعم والمساندة المطلقة للكيان الاسرائيلي وكانت سببا لقوته وتصاعد عدوانه المتكرر والمتواصل ليس على فلسطين وشعبها فحسب بل وعلى الأمة العربية كلها وشكل لها هذا الكيان مخفرا متقدما أولا لإرهاب العرب ومنع تقدمهم وضمان سيطرتها على ثرواتهم من جهة وضمان عدم وحدتهم وتفككهم من جهة أخرى .
وبالتالي فإن قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي هو حلقة ربما تكون متقدمة وفاجرة (استنادا للواقع الفلسطيني والعربي والدولي الحالي) ، إلا أنه جاء حلقة من حلقات السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية الهادفة إلى تصفيتها وضمان تفوق ونصرة الاحتلال ، ولم يأت القرار خارج سياق السياسة الأمريكية العامة ولم يأت خارج ما تعمل من أجله واشنطن التي أجبرت العرب ومنها القيادة الفلسطينية على تقديم الكثير من التنازلات وفي مقدمتها القبول بالولايات المتحدة راعية لعملية السلام مع الكيان الاسرائيلي هذه الحلقات التي كان لابد منها أن تصل بالنهاية إلى قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة احتلال والآتي أعظم.
لذلك فإن الادارة الأمريكية لم تجد نفسها محرجة أمام الرأي العام العالمي بسبب قرار ترامب ولم يكن الموقف غريبا عن مضمون سياستها تجاه القضية الفلسطينية ومتى كانت الولايات المتحدة تحترم قرارات الشرعية الدولية ومن سيجبرها على ذلك الاحترام ، ومتى كانت الامبرياليات العالمية التي ضربت في العراق وسوريا دون أي غطاء دولي تحترم الشرعية الدولية وتحسب لها حسابا .
وأمام هذا الصلف الأمريكي والتعنت الاسرائيلي ماذا بقي أمام القيادة الفلسطينية من أوراق لمواجهة هذه الحلقة من حلقات العدوان الأمريكي – الاسرائيلي .
وأذا كان الرئيس الأمريكي قد أصدر قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال في إطار ما أطلق عليه "صفقة القرن" أو صفعة القرن كما قال الرئيس أبو مازن ، والتي تستهدف تقسيم الأمة من جديد على أنقاض سايكس بيكو الذي رسم في عهد الامبرياليات المنتصرة في الحرب العالمية ، فما هي أوراق القوة بيد العرب لمواجهة صفقة الامبرياليات المنتصرة حديثا (الأمريكية الروسية) ؟
لاشك بأن أوراق قوة كثيرة يمتلكها القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها قدسية القضية وإرادة الشعب ، وتعاظم تعاطف الرأي العام العالمي مع القضية وانضمام فلسطين الى المنظمات والمعاهدات الدولية، لكن أوراق القوة هذه لا يمكن استثمارها أو الاعتماد عليها إلا في إطار مشروع وطني واضح المعالم يقوم أولا على مشروع الصراع مع الاحتلال وعدم الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية كراعية للسلام مع كيان احتلال فمن قدم الدعم للاحتلال وقدم للكيان كل مقومات القوة والبقاء ، ومن دمر العراق ، ومن يسيطر وينهب مقدرات وثروات الأمة لا يمكن له أن يكون عادلا أو راعيا للسلام .
وبالتالي فإن القرار الأمريكي الذي أجبرنا على النهوض من كبوتنا وأوهامنا يجب أن لا يتوقف عند النهوض ، وإن كان النهوض خطوة أولى لابد منها ، ولكن بعد ذلك علينا الاسراع بإعادة ما خسرناه طوال السنوات الماضية عندما وضعنا الأوراق كلها بالجيب الأمريكي ، وعملنا على تأسيس سياسات ومؤسسات وقيادات من الصفوف الأولى والثانية والثالثة انغمست بأحلامها إلى درجة لم يعد باستطاعتها النهوض وان نهضت بأمر القيادة فلن يكون في مقدروها القيام بعمل مؤثر بمسار الأحداث .
الرئيس محمود عباس ورغم الصدمة أو الصفعة الأمريكية أكد أن القيادة الفلسطينية مازالت تراهن على عملية السلام برعاية المجتمع الدولي والاتحاد الاوربي والرباعية إلى جانب المقاومة الشعبية السلمية ولكن هل في مقدور هذه الأطراف أن تؤثر بشكل فاعل على مسار الاحداث في المنطقة ، وهل يمكن لها أن تقف في وجه المشروع الامريكي الروسي الذي يعمل بجدية اليوم لتقسيم المنطقة وجاء وعد ترامب كما قال الرئيس كما جاء سابقا وعد بلفور ؟
لاشك بأن مواقف الرئيس محمود عباس مواقف متقدمة ويؤسس عليها لمرحلة جديدة ، لكن من الضروري أن تكون هذه المواقف في إطار سياسة فلسطينية جديدة وجادة وفاعلة تعمل على تنفيذها مؤسسات واطر عمل وقيادات وكوادر قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ستنتج عنها ، فالولايات المتحدة وكذلك الحكومة الاسرائيلية ومن يدور في فلكهما لديهم أيضا من أوراق القوة ما يكفي لتوجيه ضربات قاسية للمشروع الوطني الفلسطيني خاصة وأن الأطر والقيادات الفلسطينية ليست جميعها في وارد الوحدة على أسلوب المواجهة وتحديد آلياتها .