لابد من وضع النقاط على الحروف بقلم د. أيمن أبو ناهية
تاريخ النشر : 2018-01-19
لابد من وضع النقاط على الحروف بقلم د. أيمن أبو ناهية


لابد من وضع النقاط على الحروف

د. أيمن أبو ناهية

كثيرون كانوا يعلقون الآمال على اجتماعات المجلس المركزي، ويَرَوْن أن المطروح ليس أقل من ثورة، وستكون قراراته نقطة تحوّل في الصراع وفي العلاقة مع الاحتلال وأميركا، ما قبل هذه الاجتماعات لن يكون مثل ما بعدها! صحيح أن موقف السلطة وتصريحات مسؤوليها وتسريباتهم رفعت سقف التوقعات من الاجتماع وحمَّلته ما لا يحتمل، وصحيح أن جدول أعماله مكتنز بقضايا مصيرية، تمتد من سبل التصدي لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة الاحتلال والتحرر من رعاية واشنطن للمسيرة السلمية، إلى الرد دولياً على الاحتلال وقراراته، إلى مراجعة مرحلة أوسلو وآليات تفعيل المقاومة الشعبية ودور المجلس المركزي وحتمية المصالحة الوطنية.

انعقاد المجلس المركزي، مثله مثل كل التحديات، مكبّل بالمحددات، وبعضها محلي، يتسم بتجويف كثير من المرتكزات، إن لم يكن كلها. فلا المقاومة المسلحة ممكنة، ولا الانتفاضة ممكنة أو مقبولة شعبياً، ولا الثوابت متفقٌ عليها، ولا الفصائل والأحزاب موجودة كحقيقة. ويردف ذلك كله مؤسسات المجتمع المدني المرتهنة للعون الأجنبي المشروط إسرائيلياً، أما المحددات الإقليمية، فأفصحت عن نفسها في بيانات المؤتمرات وكواليس انعقادها في إسطنبول والجامعة العربية وفي عمان، متجنبة التصادم مع الإدارة الأميركية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ماذا يعني طلب المجلس المركزي من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعليق الاعتراف بإسرائيل؟! هذا كلام لا ينطلي على عقولنا، لأن المنظمة اعترفت بدولة الاحتلال وقد اعترفت الأخيرة بمنظمة وليس بدولة فلسطينية أي انه اعتراف غير متكافئ سياسيا، رغم كل هذا إن ما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس يبرهن على انه لن يسحب الاعتراف ببإسرائيل، لقوله: إن اوسلو الذي يقول البعض إنها خيانة، هو من أتى بالاعتراف المتبادل بين إسرائيل والمنظمة، وبأن اسرائيل انهت اوسلو، واوسلو تعاقد بين طرفين، وبالتالي القول: إن أوسلو قد انتهى، يحتاج الى موقف فلسطيني واضح ينهي اوسلو وما ترتب عليه، وليس عبارات مبهمة وغامضة وتحمل الكثير من التفسيرات والتأويلات للتهرب من الالتزام بتطبيق أي قرار قد يتخذه المركزي في ختام دورته، والحقيقة ان مسألة تعليق الاعتراف بالاحتلال ورفض القبول بمبادئ اتفاق أوسلو، جاء لتغيب مسألة مناقشة هذا البند عن جدول الأعمال، وكدليل آخر المفاجأة الكبرى التي فاجأت الجميع بخفض حدة المواجهة مع واشنطن بدعوة القنصل الأميركي في القدس لحضور اجتماعات «المركزي»، وفيما كان الحديث عن تجميد العلاقات، أصبح المقصود مقاطعة فريق السلام الأميركي وحده.

أما بالنسبة لطرح مسألة تحديد العلاقة مع الاحتلال، فلم يوضح المركزي طبيعة هذه العلاقة، وهل يكون ذلك كما كان مفترضا عن طريق وقف الالتزامات المترتبة على أوسلو؟ وخصوصًا التنسيق الأمني، وتغيير وظائف السلطة، أم أنّ المطروح هو إحالة الأمر للجنة التنفيذية للبدء بتنفيذها كما أوصت به اللجنة السياسية المكلفة بالتحضير للمجلس المركزي؟ فلا يجوز ترك الباب على الغارب دون تحديد وتوضيح الأهداف والمقاصد منها.

كما ان اجتماع المجلس المركزي انفض دون أن يفض الانقسام الفلسطيني ولا حتى وضع آلية جديدة لتحقيق المصالحة، صحيح ان حركتي حماس والجهاد الإسلامي رفضتا الدعوة للمشاركة معللين ذلك بأن الاجتماع عقد في أرض محتلة، وليس في أرض محررة أو ذات سيادة، والاجدى ان يعقد في غزة أو في إحدى العواصم العربية رغم كل الضغوط والأثمان المُحتملة لا يمكن مقارنتها بما يقوم به الاحتلال، إذ لن يتمكن الكثير من المدعوين لحضور الاجتماع من حضوره مباشرة بسبب رفض الاحتلال، ولم يترافق ذلك مع عرض خيار الفيديو كونفرنس بين رام الله وبيروت وغزة، خاصة أن الاجتماع يعقد في ظرف تجري فيه مصالحة، ولو شكلية، وفي وقت حساس تتعرض فيه القضية لأخطار غير مسبوقة.

فلا بد من وضع النقاط على الحروف، على افتراض أن اجتماع المركزي ليومين سيكون كافياً للمراجعة الشاملة للمسيرة السياسية، بدلا من تكرار الكلام والقرارات، بالتركيز على البديل، وإذا لم يكن متوفرًا يجب بناؤه، وإلا فلا مفر من المراوحة في نفس المكان، وإعادة إنتاج سياسة البقاء، والانتظار والمراهنة على تسوية لن ترى النور، لطالما هذه السياسة لم تطرح بديلًا قادرًا على تحقيق الأهداف والحقوق، حتى على مستوى دحر الاحتلال وتجسيد الدولة من دون بقية حقوق الشعب الفلسطيني، ورغم كل هذا التكرار وأننا لم نلمس جديدا في قرارات المركزي إلا أن ننتظر تطبيق قراراته التي أطلقها ورحلها الى التنفيذية ولا ان تكون مجرد شعارات زائفة.