حـضــارتـنـا وحــواجــز الـعــصر الـحــديـث بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2018-01-14
حـضــارتـنـا وحــواجــز الـعــصر الـحــديـث بقلم:حسن زايد


حــســـــن زايــــــــد .. يـكـتـب :
حـضــارتـنـا وحــواجــز الـعــصر الـحــديـث

كانت الخطوة الأولي ـ بعد التقدم خطوة والتراجع خطوات ـ هي السؤال عن مفتاح العصر ، الذي بحث عنه الكثير من مفكرينا علي مدار عقود من الزمان ، هل نحن نملك مفتاح العصر ؟ . هل وقعت عليه أعيننا ، فأدركنا وجوده ، ووضعنا أيدينا عليه ، وأمسكنا به ، وأدرناه ، فانفتح لنا العصر علي مصراعيه ، ودخلناه من أوسع أبوابه ؟ . أم أن قضية عثورنا علي مفتاح العصر ، مجرد أضغاث أحلام ، أفقنا من نومنا الكهفي ، لنجدنا خارج العصر ، وأننا لم نلج من بابه بعد ؟ .
الواقع أننا أمة لم تعثر علي مفتاح العصر بعد ، ويرجع ذلك إلي علل ، حالت بيننا وبين البحث عنه من الأصل . وأولي هذه العلل حالة انخداع النفس التي مارسناها علي أنفسنا ، أو مارسها غيرنا علينا ، ودفعتنا إلي التوهم بأننا أمة قد بلغت من أوج المجد سنامه ، وتغنينا بالمجد التليد ، فلنا من الحضارات التي ملأت الأرض علماً وثقافة ونوراً ، وقت أن كان غيرنا يغط في نوم عميق ، وفي سبات أقرب إلي سبات الأموات في الليل البهيم . فلدينا الحضارة الفرعونية ، والحضارة البابلية ، والحضارة الآشورية ، وهي بحق حضارات تدعو للفخار والتغني . والعلة في عدم البحث عن مفتاح العصر ليست فيها ، وإنما في الخلط الذي وقع فينا بمعوله ، فجعلنا نندفع دون أن ندري ، إلي عدم القدرة علي التفرقة بين ما كان من مجد قديم ، وما كان يجب أن يكون من مجد جديد ، ورغم إدراكنا أن ما كان لا يغني ما هو كائن ، عما يجب أن يكون ، إلا أننا ركنا إلي ما كان ، في الإستغناء عما يجب أن يكون ، وظننا ظن السوء أن ذلك في ميزان الأعمال يكفينا .
وثاني هذه العلل أن غالبية أصحاب الرأي فينا ، من مفكرين وكتاب ومثقفين ومبدعين ، يكتفون بما يردده العوام فينا ، سواء عن العصر الحالي أو العصور الغابرة . ويكتفون بالإقتيات علي ما تخلفه حضارة اليوم من قشورفتات علي موائد الثقافة والفكر . ولم تتولد لديهم الرغبة بعد ـ عجزاً أو كسلاً أو تآمراً ـ في البحث عن مفتاح العصر ، في محاولة دؤبة لإيجاده ، واستخدام مشرط الجراح لاستكشاف مخابئه ، واستئصال ما يعوق استخراجه ، ومداواة الجراح ، واستشفائها . ثم الذهاب به إلي بوابة العصر ، وإدارته في قفلها ، كي تنفتح البوابة علي مصاريعها ، ويتقدم أصحاب الرأي والمشورة الصفوف في الولوج منها ، إلي باحة العصر ودهاليزه ، فيجري استكشافه ، والمشاركة الفاعلة فيه ، مشاركة حية متحركة نشطة . حتي يمكننا الذهاب باطمئنان إلي القول بأننا أبناء هذا العصر .
وثالث العلل التي ساهمت بقسط وافر، في الحيلولة بيننا وبين محاولة البحث عن مفتاح العصر ، أننا بالنظر إلي حياتنا ، والحياة من حولنا ، وحياة غيرنا ، لوجدنا أنه لا فارق يكاد يذكر بين حيواتنا جميعاً . حيث تنغمس تلك الحيوات إلي أذقانها ، في صنوف الأدوات والمعدات والآلات والأجهزة ،علي اختلافها كماً وكيفاً وعدداً ، وتنوعها تنوعاً يفوق الحصر ، ويتعدي حدود التصور، فيما تنتجه من سلع وخدمات ، ضرورية ، وترفية ، وترفيهية ، وفوق ترفيهيه ، نشترك في استهلاكها والإستفادة منه جميعاً ، بدرجات متفاوتة ، لا تنفصم معها عن العصر من هذه الزاوية .
وما دمنا كذلك ـ توهماً وانخداعاً ـ فنحن نعيش العصر ، ونملك ناصيته ، مثلنا في ذلك مثل غيرنا . ولا حاجة بنا إلي مفتاح قصر نحن بداخله ، والبحث عنه نوع من العبث الذي لا لزوم له ، ولا ضرورة تقتضيه ، أو تلجئنا إليه . ومثلنا في ذلك ، مثل من يري في نومه حلماً ، يعيشه واقعاً حياً متحركاً في منامه ، فإن استيقظ وجد نفسه ملقاً به علي قارعة الطريق ، عارياً بغير غطاء يستر عورته .
وذلك لأننا قد نسينا في غمرة الأحداث ، وخضم الحياة ، أننا نعيش مظاهر العصر ، وأن هذه المظاهر صنيعة غيرنا ، لا صنيعتنا ، وأن العلوم المتجسدة فيها تطبيقاً ، هي علوم غيرنا ، لا علومنا . وإن كان لنا من فضل في تجسيدات العلوم تطبيقاً لها ، فهو في شراء منتجات أو خدمات ما تسفر عنه هذه التطبيقات . وإن كان لنا من فضل في تلك العلوم ، فلا أكثر من حفظها ـ إن حفظناها ـ عن ظهر قلب ، ورددناها ترديد الببغاوات لما تعيه أذنها ، وجري اختبارنا في هذا الحفظ ، وأصبح معياراً للنجاح والتفوق ، والإنتقال من سنة إلي أخري ، ومن مرحلة تعليمية إلي مرحلة أخري .
وللخروج من هذا المأزق ، والوقوف حتي علي باب العصر دون دخوله ، لابد أن نضع أيدينا علي مفتاح العصر ، والتخلص من تلك العلل التي تكبلنا بالأغلال ، فتحول بيننا وبين السير في ذات الطريق المفضي إلي هذا العصر . ولا ريب أن الطريق المؤدي إلي العصر بالضرورة ، هو الطريق الذي يبدأ بالقراءة الصحيحة لمفردات هذا العصر ، وتغيير منهج الرؤية ، والزاوية التي نطل من خلالها علي تلك المفردات ، ونقرأ الكون وكائناته باللغة المجدولة من هذه المفردات . فهل نحن فاعلون ؟ ! .
حـــســـــــــن زايـــــــــــــــد