غمارٌ لا نهائي بقلم: عطا الله شاهين
تاريخ النشر : 2018-01-14
غمارٌ لا نهائي بقلم: عطا الله شاهين


غمارٌ لا نهائي
عطا الله شاهين
يعتريه الحزن في هذا الزمن، فيجلس في غرفته المعتمة منذ زمنٍ منعزلا ليعرفَ إلى متى سيظلّ الحزن جاثما في عينيه من استمرار ما يراه من اقتراف الذبح لأناس أبرياء مساكين، هم ضحايا لحكام يتنافسون على حكم المنطقة، ويتملّك الفتور ويحتلّ النوم ويأسر الهدوء ويختطف الضعف، كي يقترف هلاكه المؤجل ويمطّه بعيدا عن كلمة الأنا، التي قدْ توبّخه وتزجره إلى مصادر الصحو البدائية. يشتهي أن يعيش… وجها أَمْ برعما لشبحٍ أَمْ سطتْ واقعا من كرْبٍ أَمْ بعض من أصواتٍ تغوص في غمار أَمْ تفاصيل مرحلة من خام أَمْ فيء عتمةٍ أَمْ نتوءات مستورة في عالم مجنون، لا اختلاف! يشتهي أن يعيش.. يشتهي أن يستردّ رجولته، فيغتسل من الذّنْب حتى يعيش..
يريد أن يعيش ليعيش زمن الانهزام من غير أن يقرّ به أو ينكفئ عنه أو يفرّ منه أو يمكث فيه أو يطمح إليه أو يسمع له أو يعانده. يحشدُ صوته الخارس ويعبئه بالإقدام ليجسر على المغادرة صوب واد من سديم أحمر الحُبّ ضبابي القدّ، فيفوز في أن يجهّز مأدبة من مرحلة قادمة لزمن ليس الزمن ذاته. لا مصدر له، فهو الأساس المتجذّر البعيد المحبوب الشفوق الثابت الأزلي المستتر وراء لغات وجهة كيوبيدية الأثر! يشتهي أن يعيش. بريعِه العطريّ وقهقهاته البكر. لن يتنازل عن رحيل غرائبه ولن ينتسب إلى وغىً من عبقِ البادية الباردة ابنة الزمهرير وعاشقته. لهذه البادية مأثرتها الغريبة ولغتها الصفراء ودربها الصافي الخالص.. ومعركة الفارّين وتراجيديا المشرّدين… يشتهي أن يعيش.
هو النهر الصافي ولونه شفاف وطهارته طهارة السعير عطره أزكاه القمح من هذه الأرض وهو الطريد المشرد الضائع الرومانسي الطائع العاق القصي المُضحى به الفارّ، العليل المحللّ إلى ذراته الأساسية، وهو الشّابّ العاق العاصي الممتنع المكون من عناصر اللاتراب. يشتهي أن يعيش، ليحتفل بأمس لم يحن وقته لو أن الشاب زلطة. يشتهي أن يعيش. هو لص الدقيق وحرامي سدد الأرامل، وصاحب نساء الملوك، وفيء المارّين، وشيخ العرافين، وإمام المنافقين. وهو الشابّ الحنطي البشرة بعد ال لو يشتهي أن يعيش.. كلا، يشتهي أن يعيش.
يريد أن يعيش، وما هو سوى ذرة رملٍ لم تتمكن ولن تقدرَ جرّها كثبان رمالهم الخبيثة! لا جسر أهوج، سيشتهي أن يعيش ورِعا ترهبه الكلمات.. لا ورع لها وأبجديّة سرمدية سيخشاها إله لغتهم. سيشتهي أن يعيش. يشتهي أن يعيش.
منصات الدجل وتمثيلية النصر وألبسة وحوانيت أنسجة مزركشة وجنون الانتصار الذي هي انهزامه. يريد أن يعيش..
لا هو ورِع. خطابٌ بدون تحضير، وسترُ طيورِ الطريق الأخيرة، وشتاء يحلّي وجع أشهر تشارين، ووساخة حسنة الأفول. لا جدول في أوان القرّ، ولا مطر وراء الكثبان. كل الدهر عبقُ قتلٍ استباحه وكتاب التناسل. لا تطلبن المقتول عن ذبحه، فقد يحلو قتله لمن لا يشتهون إماتته. أهو الهالك أم أهو صريع الكذابين في زمن الخديعة. يشتهي أن يعيش.
حكم أقلية الأخلاق ولا نهائية غمار ورعاع الذبح وبادية الخيال المتناغم كأنما لا علياء من غير ذبح مُسنّ.. ناموس الذبح وسوقة الأخلاق، وزمن مجنون كواعظينه وغزو أنجلو ساكسوني على أرض نقية وجيوش هكسوسية تخرب الكلمات ودمار العصيان على كود الدي أن إيه، وخصوم الدنيا.. يريد ألا يعيش. فمكروه العشق عفّة الروح وفضله وألمُ الجنان.
لم ينته الديجور من فعل لمعانٍ من نارٍ، ولا روحه من تصليحِ معبده القديم، ولا أشياء المكان من الميل عن خطوطها الفيثوغورسية، ولا هو من دواء بطاقة الأُس في الحساب وفي حجّة هي الحديث البارّ. انزلْ عن جوادك أيها الجُندي الإسبرطي المضطرب الطريد المنفي، وتنبَّه لأهلك من مملكة طروادة المكروبين الصّالحين، فلعلّها تمدّدت خيالية التصلب لنظركما أو لبعض شيء من حرارة سكوتك أو سكوت حرارته. كان له روح، والآن له بعض منها، أو مثلها أو جميعها، حينما تكون خطيفة إصرار انهزامها..