التمرد الشعبي والاحتجاجات الطبقية في تونس والمنطقة.. لماذا تندلع بين فترة وأخرى..؟بقلم: زياد عبد الفتاح الاسدي
تاريخ النشر : 2018-01-13
العنف والاحتجاجات الطبقية في تونس والمنطقة ... لماذا تندلع بين فترة وأخرى ...؟؟؟
مع انحسار أحداث العنف الاخيرة في ايران وقبلها في المغرب, تندلع في تونس موجة أخرى من الغضب والعنف والحراك الشعبي لاسباب اقتصادية وطبقية شبيهة لما حدث في إيران والمغرب . ...وإذا كان خروج الاحتجاجات عن الطور السلمي في إيران يعود في معظمه لاسباب تآمرية وتحريضية خارجية بهدف إضعاف الدور الاقليمي المُقاوم للجمهورية الاسلامية , فإن خروج أحداث العىف عن الطور السلمي في بعض المدن والمناطق التونسية يعود على الاغلب إلى عوامل سياسية واقتصادية تُعبر عن حالة التذمر والاحباط المُزمن والغضب الشديد لدى الشباب العاطل عن العمل والطبقات الفقيرة في العديد من المناطق التونسية المُهمشة ... كما يُمكن إرجاع كم لا يُستهان به من أعمال العنف لاهداف تخريبية داخلية, سواء التي وقفت وراءها بعض الجماعات التكفيرية التي تسعى لنشر الخراب والدمار والفوضى الامنية .. أو التي وقفت وراءها أحزاب وقوى سياسية داخلية (عادة ما تكون موالية للسلطة) معادية بشدة لكل أشكال الاحتجاجات والحراك الشعبي ,وتسعى بكل الوسائل لتشويهه والنيل من الاحزاب والقوى السياسية التي تُسانده كاحزاب اليسار والحركة الشعبية والاتحاد التونسي للشغل .
ولما كانت الحالة التونسية هي الاكثر شيوعاً وتكراراً بالمقارنة مع حالات الحراك والتمرد الشعبي التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الاخيرة ... فاالسؤال الذي يطرح نفسه هنا ..هو لماذا تتكرر حالة الاحتقان وأحداث العنف في معظم المناطق التونسية من شمال وجنوب ووسط البلاد ولاسيما في بعض المُدن والارياف والمحافطات المُهمشة كالقصرين وسيدي بوزيد وبنزرت في الشمال وغيرها ... ؟؟؟ ..ولماذا تعجز السلطات التونسية وأحزاب الائتلاف الحاكم السابقة والحالية عن إيجاد حلول فعالة للتخفيف ولو بشكلٍ جزئي من حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع التونسي منذ اندلاع الثورة التونسية أواخر عام 2010 والتي قادت الى سقوط نظام زين العابدين بن علي وتحول تونس الى نظام ديمقراطي وبرلماني إنتخابي تعددي ....؟؟؟
يُمكننا إرجاع الاسباب الرئيسية للاحتقان المُزمن في الشارع التونسي الى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية ....من أهمها :
أولاً : غياب الوعي السياسي والطبقي لشرائح اجتماعية واسعة من المجتمع التونسي بسبب جهل هذه الشرائح بطبيعة الاحزاب السياسية الي يتم انتخابها وطبيعة السياسات الاقتصادية التي قد تتبناها وطبيعة القوى السياسية والطبقية التي تقف وراء هذه الاحزاب التي تُمسك بعد انتخابها بزمام السلطة والقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.. بكل ما يحمله ذلك من تأثير على مختلف المكونات الاجتماعية والطبقية في المجتمع التونسي .
ثانيا ً : إتبعت أحزاب الاغلبية المنتخبة للمجلس الوطني التاسيسي بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي وتشكيلها لحكومات إئتلافية لقيادة البلاد , سياسات أقتصادية لم تختلف في مضمونها عن سياسات الانفتاح الاقتصادي تجاه الاستثمارات الخارجية والدول الاوروبية التي أتبعت في العقود السابقة ,فيما بقيت سياسة الانفتاح الاقتصادي تخضع لتسهيلات القروض الخارجية وصندوق النقد الدولي الاستغلالية ... وهذا ما حدث بالفعل منذ تشكيل حكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي التي تشكلت من أحزاب حركة النهضة وحزب المُؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي .. لتُسجل السنوات الاولى بعد الثورة تراجعاً كبيرأ في النمو والاداء الاقتصادي التونسي الذي ترافق مع ازدياد معدلات البطالة في ظل ارتفاع المستوى التعليمي للشباب التونسي .. وهذا ما زاد من حالة الغضب والاحتقان في الشارع التونسي .
ثالثاً : أوقف صندوق النقد الدولي بالكامل قروضه المالية للدولة التونسية مع استمرار التدهور في الاقتصاد التونسي واستمرار التزايد في معدلات التضخم والبطالة وتراجع مؤشرات النمو الاقتصادي , وذلك بعد أقل من عام على فوز حزب نداء تونس في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في نوفمبر 2014 وتشكيله لحكومة ائتلافية بالتعاون مع حركة النهضة .. وتم توقيف كافة القروض المالية حينها من قبل صندوق النقد الدولي بحجة عدم استكمال الدولة التونسية لحزمة الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية المُتفق عليها مع الحكومة .. وهي في الحقيقة لا تعدو كونها حزمة من الاجراءات التقشفية التي تؤثر بشكلٍ مُباشر على طبقة الموظفين والطبقة العاملة عموماً ... باعتبارها تُطالب الدولة التونسية برفع الدعم عن المحروقات وبعض المواد الاستهلاكية الاساسية وتجميد الاجور ورفع سن التقاعد وضبط الانفاق في مؤسسات القطاع العام .... الخ ...وكانت رسملة المصارف العامة والحكومية من أهم شروط البنك الدولي لعودة ضخ المزيد من القروض الخارجية لإعادة التوازن للاقتصاد التونسي .... وهذه السياسة الاستغلالية التي إتبعها صندوق النقد الدولي , لم تكن سوى حقن من الادمان على القروض والتخدير المالي لمنع إنهيار الاقتصاد التونسي واستمرار اعتماده على القروض والاستثمارات الاجنبية , من أجل للحصول على احتياطيات كافية من النقد الاجنبي لسداد الديون الخارجية وقروض صندوق النقد الدولي , وبالتالي بقاء شريان الحياة الاقتصادي على قيد الحياة .
رابعاً : الصعوبات والازمات المُزمنة التي يُواجهها الاقتصاد التونسي تُؤكد بلا أدنى شك أن أحزاب اليمين الاخواني واللبرالي وغيرها من أحزاب الطبقة اليمينية الحاكمة في تونس ليست فقط عاجزة عن إيجاد حلول اقتصادية فعالة لانقاذ الاقتصاد التونسي والتخفيف من أجواء التمرد والاحتقان في الشارع التونسي ...بل أن مصالحها الطبقية تمنعها من إتخاذ حلول اقتصادية حقيقية لمصلحة المواطن التونسي والطبقات العاملة والفقيرة والمُهمشة ... وهي لم تُقدم لحل الازمة الاقتصادية المُتفاقمة سوى المُزايدات والوعود الكلامية الفارغة والخطابات الرنانة سواء في مداولات المجلس الوطني التاسيسي ووسائل الاعلام , أو في الحملات الانتخابية المليئة بالكذب والنفاق .