ذكريات أنيقة بقلم : محمود حسونة
تاريخ النشر : 2018-01-13
ذكريات أنيقة بقلم : محمود حسونة


الحنين : (هو الوجع الذي يشبه الهواء النقي القادم من أعالي الجبال البعيدة ، وجع البحث عن فرح سابق )
**حنين 1
تُبدع الذكريات في اختراق جسدي و روحي و قلبي ، تجري في عروقي لتلدني مرة تلو مرة ، بلا مخاض أو صرخة ، أنا لست وحدي دائما !!( وجعك فرح غائب،وتمشي تحت المطر واحداً في اثنين ) أنا وجميع الصور و الذكريات هادئا و صاخبا ، جميلا وقبيحا ، و أردد النغمات التي غناها النسيم ، نغمات تأتي و تهرب ، هناك صورة تغني ، تطربني ، تضيء سمائي لكنها تسأل عن المغادرين ، تحرث دمي ، فيتوهج جمري ، فماذا أقول لها ؟! أنا أكره الفراق و الموت !! أأخضع لقدري أم أرفضه أم أدافع عنه في جدلية معلقة في رقابنا ؟؟ !!
** حنين2
تمتلئ العينان بالدمع الحار وتزدحم الذاكرة بالحكايا و الصور ، ويشهق القلب بصوت مسموع من فرط الشوق ، في محاولة شاقة لالتقاط شيئا كاد يسقط إلى أعماق غامضة ، تشتعل حواف الروح فجأة بألم داهم ناعم ، و تتزاحم نبضات القلب كما يحدث لحظة العناق وقت الفراق ، وتختلط بتيار سري صاخب و جارف يسحبك إلى مساحة قاحلة ممتلئة بأطلال الأحبة وروائحهم ، ذاك هو الحنين(ألم الشوق ) .
( إلى الأحبة الذين أدهشونا ، و نالوا من قلوبنا ثمّ غابوا ، إلى الذين حلقوا بنا بعيدا في سماء الوجد لنستمتع أكثر بألق الحياة وبهجتها ، نناشدكم ألا تنسوا قلوبنا المتعبة من الفراق و من الزمن )
** حنين3
تنفتح أبواب الذاكرة عن آخرها ليدخل الزائرين بعد غياب ، حنين يجذبك في تيار شاهق إلى أمواج عنيفة تلطم سواحل الروح ، تجيء وتروح بعناد ، ثم تنحسر وتتركك هزيلا مشوشا ، تعاني ألم الشوق ووخز الحنين الرشيق ،أنت تقف على أطلال الماضي الجميل ...( ليس الحنين ذكرى ، بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة ، الحنين انتقائي كبستاني ماهر )
** حنين 4
يعصف بنا الحنين من كل جانب بلا قسوة ، و يهيم بنا ، حنين لا تكفي كل الكلمات لتعبر عن انطباعات الذين ينتابهم ، حنين يجعل أعمارنا أكثر اشتعالا و لوعة ، ويستر جروحنا المضيئة في عمر أقصر من انتظار لقاء . شعور صارم يحبسك مثقلا ومصلوبا في قفص ذهبي ترغبه بعيدا عن فضاء ملوث ، ذكريات تسأل عنك و تسأل عنها ، تفيض بها و تفيض بك ، أعرفك قديما يا ذكريات ، هيا نولد معا من جديد ، في الضوء ، أو على غيمة فوق ساحل البحر؛ لتصير الأرض كلها سجادة نصلي عليها .(والله ما سئمت بحرك الأزرق ولا طائر الدوري المحلق في سماء عينيك الهائلتين …)
** حنين 5
هل صحيح أن الزمن له أسلوبه الخاص في جعل الماضي أكثر جمالاً ؟؟!!
حنين ينبت في حديقة الروح ، حديقة شاحبة الأغصان ، مكتظة بأعشاش العصافير و الحمام، وعبقة برائحة عتيقة ناعمة شجية ، حنين يتجاوز ركام الزمن عبر أجنحة عطر إلى صور الأحبة و أطلالهم ، حنين يمرح في ساحة القلب ، تشيخ الأيام و يشتعل الشوق كثيفا في غابة الروح ، يتوق لاصطياد هواجس حارة من أصداف بعيدة في أعماقه .
(أنتَ و هي، تركضان تحت المطر ، بلا مظلة و بلا قبعة، سعيدين بفضيحة شريفة )
** حنين6
ترى عالما أبيضا ناعما يسكن قلبك ، تنقّب في حناياه الخصبة لتلتقط صورالأحبة ، تقلبها و تقبلها في ذروة الحنين لأيام خلت مبللة بالحنين ، تتهدل صورهم بثوبها الذهبي فتتداعى دافقة أيام غابت ، يعود طيفها يراودك ، تعالي وانثري بخورك على روحي المتعبة ، وبلسمي جراح الزمن ، ولتختف كل الصور الكريهة المغلقة التي تشوه مشهد حاضري ، فهل تهدأ حرارة الحنين بعد أن صبغت السعادة المكان و الظلال ؟؟!( الحنين يكذب ولا يتعب من الكذب لأنه يكذب بصدق)
**حنين 7
نعود بعد غياب ، نستريح من وقع خطانا تحت شجرة ، ونستتر في ظل الموت الكامن فينا ، ونتساءل : لماذا لا تموت الذكريات ؟! ونموت نحن في ظل الذكريات !! ( الحنين هو اختلاط النار بالماء )
** حنين8
حمام يحلق في صدري ، يغسل دمي بالماء ، فتنبت عشبا حارا ، ويضمّد النزيف في روحي المتعبة من الفراق ومن الزمن ، تناديني : اتبع فضائي الفسيح وصوتي وينبوعي ، إنّي أراك ، فهل تراني رغم الدهشة ؟!! فهل يتوقف نزف الحنين ؟! ، هل نرغب في وقف نزف الحنين ؟!
( تعصف الصحراء وقد ضلّ الدليل
لم يبق لي من صحب قافلتي سوى ظلي
وأخشى أن يفارقني
وإن بقي القليل
هل كان عدلٌ أن يطول بي السُّرى
وتظلُّ تنأى أيها الحبيب ...
الرحيل كأن قصدي المستحيل )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )