التحول في بوصلة الصراع في المنطقة ينسجم مع السياسة الإسرائيلية بقلم محمد جبر الريفي
تاريخ النشر : 2018-01-12
التحول في بوصلة الصراع في المنطقة ينسجم مع السياسة الإسرائيلية بقلم محمد جبر الريفي


لم يعد الصراع في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما له علاقة كبيرة بملفات القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية كما كان سابقا فقد تراجع النضال ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية وسياسة الأحلاف الاستعمارية كحلف بغداد مثلا كما كان الحال في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكذلك اختفت حركات التحرر الوطني على مستوى بلدان العالم الثالث بتحرير غالبية الشعوب من الاستعمار ولم يبق سوى شعبنا الفلسطيني يرزح تحت أطول وآخر احتلال في العالم وبانهيار الاتحاد السوفييتي واختفاء المعسكر الاشتراكي و التحاق أكثر بلدانه بمنظومة البلدان الراسمالية تراجع على المستوى الدولى التناقض الرئيسي بين الراسمالية والاشتراكية وحل الصراع القومي بين الدولتين القوييتين الأعظم في العالم محل الصراع الطبقي فروسيا السلافية الأرثوذكسية الان ليست هي الاتحاد السوفييتي الشيوعي السابق والصراع بينها وبين الغرب ينطلق أساسا من المصالح القومية وليس من التناقض الطبقي ...في المشهد السياسي العربي الحالي وبعد انحراف بوصلة ثورات ما يسمى بالربيع العربي التي انطلقت ضد ظاهرة الاستبداد السياسي للسلطة الحاكمة والعمل على تحقيق الديموقراطية. ..بعد هذا الانحراف طغي العامل الديني والطائفي على غيره من العوامل الأخرى فالصراع الآن يقوم في الدول العربية التي تشهد حروبا طاحنة بين قوى المعارضة والنظام السياسي ..يقوم على خلفية دينية وطائفية ويرتبط بعوامل إقليمية ودولية تغذيه وترسم له مسارات التسوية ولعب صعود تيار الاسلام السياسي في الحياة السياسية قبل وبعد ثورات الربيع العربي على هذا التحول.. قديما وفي ظل تراجع المد القومي أثر هزيمة يونيو حزيران 67 و قبل ذلك تعثر مشاريع الوحدة العربية حصل تغير كبير على مزاجية الجماهير العربية والإسلامية التي أصبحت ترى في مشاريع الإسلام السياسيي الأسلوب الوحيد للرد على مخططات الاستعمار الغربي وهكذا انخرطت فئات اجتماعية عديدة في الأحزاب والتنظيمات الإسلامية وأصبح هدف مواجهة الغرب وسياساته وكذلك تحرير فلسطين يمر عن طريق المشروع الإسلامي وبذلك أصبح شعار عودة دولة الخلافة الإسلامية هو الهدف الرئيسي للجهاد الأمر الذي توارى به الهدف الوطني والقومي عند هذه الأحزاب والتنظيمات الإسلامية وراء هذا الشعار التاريخي الحضاري الذي له قدسيته في الموروث الثقافي العربي والإسلامي .. وهذا ما يفسر أن تنظيمات اسلامية عديدة وكبيرة لم تضع في أجندتها شعار الجهاد من أجل تحرير فلسطين واقتصر عملها الذي يوصف بأنه جهادي على دول الغرب المسيحية وايضا على مناهضة الانظمة السياسية العربية العلمانية وهذا ماتمارسه بالفعل الآن تنظيمات القاعدة و داعش والنصرة وبيت المقدس و.... وكل التنظيمات الاسلامية المتطرفة في المنطقة وقد افسح انتعاش وتمدد ظاهرة الإسلام السياسي على إذكاء الخلاف بين التيارات و المذاهب والطوائف الإسلامية وأصبح الصراع بين السنة والشيعة وهو خلاف وصراع تاريخي قديم ومتجدد هو الظاهرة البارزة الآن في صراعات بعض دول المنطقة وعامل اساسي في استمرار هذه الفوضى الأمنية والسياسية وهذا ما يؤكده التوتر الحالي بين ايران الشيعية والسعودية السنية وما يحدثه هذا التوتر من استقطاب على صعيد دول المنطقة....هذا المشهد السياسي في المنطقة يلحق أكبر الضرر بالقضايا الوطنية والقومية والاجتماعية العربية وبالخصوص القضية الفلسطينية التي تراجعت في أولوية واهتمام دول رئيسية في النظام السياسي العربي وأصبحت تنظر للكيان الصهيوني بمعزل عن التناقض الرئيسي الذي يحكم العلاقة بينه وبين الأمة العربية كما أن هذا التحول في بوصلة الصراع في المنطقة ينسجم مع السياسة الإسرائيلية ذات التوجهات الدينية التوراتية المتطرفة والتي من مصلحة الكيان أن يتحول الصراع مع الشعب الفلسطيني إلى صراع ديني و هو يمارس بالفعل هذه السياسة الصهيونية التهويدية من خلال الاعتداءت على المسجد الأقصى الذي تستبيحه قطعان المستوطنين الصهاينة كل يوم بهدف تقسيمه زمنيا ومكانيا كما حدث للحرم الإبراهيمي في الخليل تحميهم في هذه الإعتداءات العنصريةجنود وشرطة الاحتلال وقد عزز إعلان ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ليعزز من هذا التوجه اليهودي الصهيوني العنصري والهدف من وراء تحول الصراع الى صراع ديني هو نزع الاعتراف الغلسطيني والعربي بيهودية الدولة وجعل هذا المطلب أحد شروط القبول بمشروع حل الدولتين الذي وصل إلى مأزق حاد ... ان الخطر الكبير على مستقبل الوجود الصهيوني في فلسطين كما تراه الأحزاب الصهيونية هو في استمرار الصراع مع المشروع الصهيوني على خلفية وطنية وقومية اي صراع فلسطيني إسرائيلي بين هوية وطنية وقومية متجذرة تاريخيا وحضاريا في أرض الأجداد وبين هوية صهيونية احتلالية طارئة على نسيج المنطقة لأن في استمرار ذلك من شأنه أن يبقى الصراع يقوم في اطار التناقض الرئيسى بين المشروع الصهيوني العنصري وترابطه بالمصالح الراسمالية الاستعمارية والإمبريالية وبين الامة العربية أي العودة به إلى جذوره الحقيقية باعتبار أنه صراع مصيري وحضاري ومستمر وطويل ومن الضروري أن يحافظ النضال الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة على هذا الطابع من الصراع من أجل هزيمة الفكر الصهيوني وإسقاط مخططاته العنصرية التهويدية الجارية على ارض الواقع الآن ...