المتعة في كتاب " نقش الريح" نعيم عليان بقلم: رائد الحواري
تاريخ النشر : 2018-01-11
المتعة في كتاب
" نقش الريح"
نعيم عليان
النصوص الجميلة بالتأكيد تمنحنا الفرح، بصرف النظر عن نوعها، إن كانت رواية أم قصة أم قصيدة أم نثر أم مسرحية، فجمال النص كافا لإمتاعنا، من جمالية هذه النصوص أنها خفيفة وسهلة الهضم، ففها كل عناصر تخفيف التوتر والضغط الواقع على الشاعر وعلينا، فالمرأة حاضرة والطبيعة كذلك والكتابة والثورة، كل هذا يشير إلى أن الشاعر "نعيم عليان" في الا شعور يستخدم كل ما يمكن أن يخفف ويهدئ وقع الحال عليه ثم على المتلقي.
فيقول في نص "الحوراء":
"علقيني فجرا
على جيدك المرمري
احفريني حروفا كنعانية
في جدران الضلوع
ارسميني لوحة عاشق
بين سطور الشعراء
أسمعيني نشيدا
من عروق الحياة
اقرئيني قصيدة حب
في المساء" ص7و8، ما يحسب لهذا النص أنه يستخدم الألفاظ البيضاء بشكل مطلق إذا ما استثنينا فعل "احفريني" وهذا لوحده كافا لإعطاء لإراحة المتلقي شيء من الهدوء والسكينة، وبما أن المخاطب امرأة فسيضاف إلى ما سبق اهتمام أكثر من المتلقي للنص، لأن المخاطب امرأة/انثى وهذا الأمر يثيره ويشده إلى النص، وبما أن الشاعر استخدم مشتقات وتوابع فعل الكتابة من خلال "حروف، ارسميني، سطور، الشعراء، نشيد، اقرئيني، قصيدة" سيجد المتلقي دافعا نحو التواصل مع كتاب "نقش الريح" لأنه استنتج أن "نعيم عليان" يدعوه بطريقة غير مباشرة إلى التوجه نحو الكتابة والقراءة، وإلا ما كان استخدم هذا الألفاظ في فاتحة الكتاب.
الطبيعة كانت حاضرة أيضا في هذا الكتاب، إن جاءت بشكل عابر في النصوص أو من خلال تخصيصها في نص كما هو الحال في "ألف عام" والتي يقول فيه:
"أبحث عن وجهك بين السطور
المسافرة على ظهر غمامة في الفضاء
أبحث عنه في البحار
بين الأمواج المجنونة..
أسمع صوتك في غابات الصبر
يسكرني
يوقظني
يلهمني
أطارده سابحا أنا في الهواء
أرتعش..
أنتعش..
أعانق السماء" ص35و36، إذا ما قارنا هذا النص بمن سبقه سنجد هناك ألفاظ قاسية وشديدة كما هو الحال في "المجنونة، الصبر، أطارده، أرتعش" رغم أن المخاطب أيضا هو المرأة، فلماذا استخدم هذا الألفاظ القاسية؟ ولماذا لم يكن ناعما وهادئا كما في النص "الحوراء"؟ نجيب أن العقل الباطن للشاعر في النص الأول كان يهيم في المرأة والكتابة، مهدئان ومخففان من حدة الواقع، لكنه عندما استخدم المرأة والطبيعة، فهما حالتين متباينتين، المرأة تمنح الراحة، والطبيعة مضطربة وفيها الخيف والشتاء والصيف والربيع والجبال والسهول والانهار والبحار الهادئة والهادرة، من هنا يمكننا أن نقول من أين وكيف جاء التباين في النصين، فهما متوافقان تماما مع الحالة المهدئة التي استخدمها الشاعر.
أم الثورة فيقدمها لنا في "ثورة قلم" وتالتي يقول فيها:
"اكتب أيها القلم النازف دوما
نورا ودما
لأجل آهات المحرومين
وصرخات المعذبين
وجوع الأطفال
في أكواخ الصفيح وخيام الريح
انسج من معاناتهم
قمرا غاضبا
اجعل من أحزانهم
بذوراً فقمحاً فرغيفاً" ص38و39، تكاد الالفاظ المستخدمة فيما سبق مطلقة السواد، "النازف، دما، آهات، المحرومين، صرخات، المعذبين، جوع، الصفيح، خيام، الريح، معاناتهم، غاضبا، أحزانهم" كلها الفاظ قاسية وصعبة، بينما الألفاظ الهادئة كانت أقل عدداً وهي "اكتب، القلم، الأطفال، انسج، قمرا، بذوراً، فقمحاً، فرغيفاً" وكأن الشاعر ـ من خلال عدد الألفاظ القاسية ـ أراد أن يقول لنا أن الظلم كبير والوجع مؤلم وشديد، لهذا لا بد من إزالته، ليكون الفرح القليل والضعيف أكثر وأكبر من القسوة والألم، من هنا يمكننا القول أن هناك انسجام توافق بين المضمون والفكرة من جهة وبين الألفاظ من جهة ثانية.
هناك نص جميل ومتقن الصياغة بحيث يمكن للقارئ أن يقرأه معكوساً "الحصاد"
ما أجمل الساعد الذي يعانق النار
ويكتم الأسرار
الجبال شامخات هنا لا تحني هاماتها للريح
والنخل باسقات للسماء
والشمس مشرقة لأبناء الحياة
والصبح لألاء بندى الفجر
فالليل مندر، والقيد منكسر
والسجن يهدم جدرانه الثوار" ص44،
ويكون بهذا الشكل:
" والسجن يهدم جدرانه الثوار
فالليل مندر، والقيد منكسر
والصبح لألاء بندى الفجر
والشمس مشرقة لأبناء الحياة
والنخل باسقات للسماء
الجبال شامخات هنا لا تحني هاماتها للريح
ما أجمل الساعد الذي يعانق النار
ويكتم الأسرار" فالنص يمكن أن نأخذ منه عين الفكرة والأثر إن قرأنها كما جاء أو عكسناه، وهذا يمثل حالة فريدة في الكتابة، ويشير إلى أن "نعيم عليان" لا يكتب نظماً أو كلمات، بل يكتب ذاته، ما يشعر به، لهذا نجد الانسجام بين الفكرة واللفظ والشكل.
الكتاب مطبوع عام 2016، بدون اسم لدار نشر.