أروي أفنيري والاعتراف بالجذور العبرية لإسرائيل بقلم: عميرة أيسر
تاريخ النشر : 2018-01-11
أروي أفنيري والاعتراف بالجذور العبرية لإسرائيل بقلم: عميرة أيسر


أروي أفنيري والاعتراف بالجذور العبرية لإسرائيل


حسبما جاء في كتاب الأستاذ جميل منصور والذي حمل عنوان أوري أوفنيري والصهيونية المستحدثة، وهو من الكتب القيمة جداً والقليلة في نفس الوقت والتي تناولت معظم أفكار هذا المفكر الصهيوني اليساري والذي يعتبر أحد أعمدة الفكر الإيديولوجي في إسرائيل، بالدِّراسة والتحليل والنقد وخاصة فيما يتعلق بالأفكار التي انتقد فيها أوفنيري الصهيونية العالمية والتي رأى بأنها عبارة عن حركة إمبريالية استعمارية مرتبطة بالغرب، وكان دائم النقد لآبائها اليهود الأوائل والذين تحالفوا مع الرجعية العثمانية أو الألمانية أو حتى البريطانية من أجل إقامة كيانهم السِّياسي بدل الاتجاه إلى الشعوب العربية التي كانت تعاني من الاحتلال البريطاني، أو الفرنسي والعمل بالتالي على تحريرها والاندماج معها فيما يسمى بالاتحاد السَّامي، فالمفكر الصهيوني ذو الأصول الألمانية بالرغم من ذلك، ظلَّ يدعو إلى نبذ الخلافات العربية اليهودية والتوحد في إطار تاريخي جامع تحت مظلة العرق السَّامي الهوياتي المشترك، فإنه لم يخفي نزعته الشوفينية الاستعلائية ككل المنظرين الكبار في الكيان  الصهيوني المُحتل، والذين يحاولون دائماً تبرير أفعاله اللاشرعية والاستيطانية بدعوى الحفاظ على تماسك تلك الوحدة السِّياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية التي تسمى إسرائيل، وخاصة في الشقِّ المتعلق بضرورة أن يعترف العرب بجذورها القومية العبرية في إطار الأمة السَّامية الجامعة، إذ يقول: بأنه على الطرف العربي أن يقبل بأن تكون الأمة العبرية أمَّة حيةً وحقيقية سوسيولوجية، وتاريخية لا يمكن له أن ينكرها، فهي تختلف من وجهة نظره على نظرة الصهيونية لها كفكرة عنصرية إقصائية، فهي بالتالي كما يراها أوفنيري تعبر عن قومية جديدة تختلف كليةً عن تلك القومية التي بنت عليها الصهيونية أفكارها على الأقل في دعوتها لإقامة أمة يهودية شاملة على أرض فلسطين. فالقومية العبرية الجديدة ما هي إلاَّ تسليم حتمي بواقع لا مجال لإنكار شرعيته الحالية، فهو كيان له جميع مقومات الدولة، من حدود قائمة وتختلف حسب المتغيرات المترتبة عن نتائج حروبه على الطبوغرافية الإقليمية المشتركة مع جيرانه العرب، ومؤسسات سياسية وإدارية ومُجتمعية وثقافية وجيش وأحزاب سياسية بالإضافة إلى علاقات دبلوماسية مع الكثير من الدول وعضوية دائمة في الأمم المتحدة...الخ، فهذا الكيان السِّياسي الذي يرى أوفنيري حسب معتقداته الفكرية والإيديولوجية وقناعاته الدينية، والسّياسية الذاتية الخاصة عبارة عن دولة، لها شعب واحد يتكلم أهله لغةً واحدةً وهي اللغة العبرية، و لهم تاريخ مشترك واحد، واعتنق أبائهم وأجدادهم ديناً مشتركاً واحداً، ويعتقدون في قرارة أنفسهم بأنهم يشكلون أمة منفصلة عن الأمة العربية،  ولقد عالج المفكرون السِّياسيون مسألة مقومات الأمة، وقد أعطوا لكل مكوِّن فيها درجة متفاوتة من الأهمية، وذلك باعتبار الدِّين والتاريخ واللغة، بينما على خلاف ذلك فإن نظرة أوفنيري لمقومات الأمة العبرية تنطلق من تأكيده على الهوية الذاتية التي فرضتها الظروف التاريخية، على الكيان الصهيوني وبناَ تحليله أو نظريته هذه على جملة من المعطيات  والنقاط، فهو يقلل بالتالي من حتمية تصادم التناقضات القائمة داخل المُجتمع الصهيوني، مثلاً هو يحاول أن يقلل من حجم التمييز العنصري داخل هذا المجتمع وبين أطيافه ومكوناته المختلفة، وخاصة بين السَّفرديم والأشكنازي.

مثلما جاء في كتاب إسرائيل صفحة 141، ويسخر من النظريات التي تقول بأنَّ هذا المُجتمع لابد أن يكون مآله الحتمي الزوال يوماً ما، لأنَّ التناقضات الموجودة داخله، ستتفاقم مع مرور الوقت، أكثر لخلق  شرخ في العمق الوجداني الجمعي له، وكذلك فهو قد عمل على استبعاد الانقسامات الداخلية الطبقية أو العرقية في إسرائيل، ويؤكد وجود الأمة العبرية بوجود شعور مشترك للإسرائيليين بذلك حيث يرى بأن أيَّ مجتمع جديد عندما يعي مصيره السِّياسي ووحدته، فإنه سيصبح بالتالي أمة، أماَّ التطبيق العلمي لهذه النظرية فهو كالأتي" الإسرائيلي العادي يرى بأن الوقت الحاضر ينبغي أن يكون الانتماء إلى الأمة  العبرية سهلاً"  وفي الندوة التي عقدها في العاصمة الفرنسية باريس سنة 1969م، والتي أكد فيها على تلك الحقيقة حسب وجهة نظره عندما قال" أماَّ الشعب الإسرائيلي فهو واقع، وهو ليس اختراع الامبريالية ولا اختراع السيِّد غروميكو، إذا أراد مليوني ونصف مليون رجل أن يكونوا شعباً، هذا يكفي لتكوين شعب. إنَّ هؤلاء الناس يعتقدون بأنهم شعب وبأنَّ بلادهم هي هنا، وهم مستعدون للموت بالتالي من  أجل ذلك" وهناك مكون أخر لهذه الأمة ذكره أوفيري في تلك الندوة، وأكد عليه من خلالها وهو شعور المنتمين إليها بأن لهم مجموعة من الخصائص التي تميزهم عن العنصر العربي المحيط بهم، أو بالخطر الذي يشكله هذا العنصر عليهم إن كان ذلك على المستوى العسكري أو الاجتماعي( أي خطر الذوبان الاجتماعي والثقافي في المنطقة) فكل من يعرف إسرائيل والإسرائيليين يفهم أنهم لن يتركوا البلاد حتىَّ ولو قاوم آخر واحد منهم، وأنه ليس لهم مكان آخر يعودون إليه، إذ ليس لهم وطن آخر كما جاء ذلك في مجلة هذا العالم الصهيونية الصادرة سنة 1968م في العدد رقم 48، أما فكرة خطر الذوبان الاجتماعي والثقافي داخل المحيط العربي، فينفيها أو يحاول إيجاد الحلول لها عن طريق نفيه لفكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، و تصنيفها بمنزلة إسرائيل الكبرى، فالإيديولوجية التي تتبناها حركة فتح تدعي والأمر كذلك بالنسبة لإيديولوجية دعاة ضم الإسرائيليين التي تقابلها، بأن الصهاينة الإسرائيليين والعرب يستطيعون حسب رأيه بعد 90 سنة من الحرب أن يتحولوا بين ليلة وضحاها إلى مواطنين في نفس الدولة، والعيش معاً بالتالي في دولة واحدة موحدة، فالفرق الوحيد بين أيديولوجيتي المتطرفين تكمن في الاسم الذي سيختار لهذه الدولة الجميلة والديمقراطية، والليبرالية غير القومية وغير المتعصبة،  هل هو إسرائيل الكبرى أم فلسطين الكبرى يا ترى؟.

فهذا المفكر الصهيوني البورجوازي لا يفرق بين دعاة إسرائيل الكبرى والصهاينة المتطرفين، وفدائي تحرير فلسطين من نير الاحتلال الصهيوني، بينَ الظلم والعدل، وبينَ التطرف المبني على سلب أرض الغير وتهجره منها قصراً وبالقوة، وبين الاعتدال المبني على استرجاع  الأرض ودعوة سالبيها إلى الحياة المشتركة في عدل و مساواة، وإذا اختلف القوميون العرب حول مفهوم تعريفي شامل لمفهوم الأمة السِّياسية والثقافية والاجتماعية العربية، فأنهم يجمعون على أن كل مقومات الدولة الحديثة المتطورة موجودة في إسرائيل حسب زعمه، دون أن يشير إلى أن جيش تلك الدولة المفترضة هو جيش استيطاني استعماري مجرم، وبأن مؤسساتها مبنية على الأكاذيب والدعايات المغرضة والتي قامت بتضليل الرأي العام العالمي منذ سنة 1948م، فأوفنيري نسي بأنَّ هناك قاعدة قانونية تقول بأن الحقوق لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وبأن كل ما ذكره في كتاباته وما طرحه من أفكار حول القومية العبرية لا يمكن له أن ينكر هذه الحقيقة التاريخية، والتي تقول بأن فلسطين تاريخياً كانت عربية، فالاحتلال لا يمكن له أن يعطي الشرعية القانونية لقيام ما يسميه هو وأمثاله بالدولة العضوية ذات الأبعاد القومية، فلا يعقل بأنَّ مستوطنين قدموا من أصقاع الأرض، ينتمون جميعاً إلى قومية واحدة أصلية، ولا يمكن أن يكتسب تجمع استيطاني صفة شعب له حقوق قومية على أرض احتلها بالقوة وطرد سكانها منها، فإذا أراد هؤلاء المستوطنون اعتبار أنفسهم كجزء من هذا الكيان، وهذه الأمة المصطنعة فهذا شأنهم الخاص ولكن ليس على أرضنا العربية المحتلة، فأوفنيري بالرغم من أنه حاول دائماً التأكيد على أصول هذه الأمة العبرية التاريخية، ويستند في ادعاءاته تلك على مجموعة من الأكاذيب الدينية التلمودية التي فنَّدتها الأبحاث التاريخية المستقلة، والبعثات الاستكشافية الأثرية والتي نفت الادعاءات العبرية فيما يخص أحقية اليهود الصهاينة في امتلاك العديد من المدن، والمواقع الأثرية التَّاريخية في فلسطين المُحتلة كالمسجد الأقصى وحائط البراق، وقبر النَّبي يعقوب وإبراهيم عليهما السَّلام...الخ. فهو كذلك يرفض مناقشة الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية خوفاً من الانجرار إلى مسالة اغتصاب الأرض حيث وفي مقال له نشر في مجلة هذا العالم الصهيونية حمل عنوان هذا" ما قلناه في حرب حزيران نداء إلى كل رؤساء الحكومات العربية" حيث يقول فيه" إنَّ سبب الأزمة الحالية غير مهم، هذا يهم المؤرخين وموضوع للسِّياسة والدعاية" وبالتالي فإنَّ أفكار أوفنيري التي تناول من خلالها الجذور اليهودية العبرية لإسرائيل، هي أفكار عنصرية استيطانية إقصائية، لا تختلف كثيراً عن أفكار تيودور هرتزل أو دايفيد بن غوريون، في تصوراتهم لدَّولة اليهودية المستقلة، فهو وإنَّ اختلف مع الحركة الصهيونية كحركة استيطان سياسي في منطلقاتها ومبادئها التفصيلية، فهو يتماهي معها في إقصائها للعنصر العربي الفلسطيني الذي يعتبر خارج المنظومة القومية العبرية لكيان الصهيوني يقيناً.  

  يعميرة أيسر-كاتب جزائر