الكَذِب المُر بقلم:د . عز الدين حسين أبو صفية
تاريخ النشر : 2018-01-08
الكَذِب المُر بقلم:د . عز الدين حسين أبو صفية


الكَذِب المُر :::
،،،،،،،،،،،،،،،،،

كان يومه عادياً كباقي ايام حياته التي يعيشها في ظل ظروف معيشية صعبة ، وبالكاد يستطيع تامين لقمة العيش لزوجته و لأطفاله و تامين الشيء البسيط من مستلزمات الحياة .. 
يعمل سائقا لسيارة احد اصدقاء والده و لم يكن هذا العمل ينقذ حياة الفقر المدقع الذي يعيشه و اسرته .
في ذاك الصباح استوقفته سيدة ذات جمال مقبول متحشمة الهندام و قد وضعت مسحة من مساحيق التجميل على وجهها ليضفى بعض النضارة  و يخفي بعضا من مؤثرات الزمن عليه ، و ليخفي خلفه ايضا ما وقر من نوايا سيئة تضمرها في عمق مخططاتها لكسب رزقها ايضا ...
ركبت السيارة بعد ان استفسر السائق عن وجهتها ، وما ان جلست على الكرسي الخلفي و بعد صباح الخير ، بدأ سعيد كعادته الحديث المليىء بالتذمر من الوضع الاقتصادي و الفقر الذي يعاني منه و عما يحصل عليه من نقود لا تكفي لسد رمق اطفاله العشرة ، واخد حديثه تزداد وتيرة الحزن فيه ، خاصة عندما كان يتحدث عبر هاتفه النقال مع المَدين لهم ببعض الأموال  يطالبونه بسدادهم ديونهم المستحقة عليه لهم ، فيزداد عصبيةً وصراخاً وتذمراً وشكوىٰ ، مما دفع بالسيدة لتجاذب اطراف الحديث معه وتجامله ، محاولة تخفيف الألم عنه ، و هو يزيد من حديثه المؤلم ، فاظهرت تالمها لوضعة ، و بثوب الشفقة ، و كأنها حريصة على إنقاذه من مآسي فقره ... ففاجأته بالقول انا على أتم الاستعداد لاخراجك من هذا الفقر و سوء الحال وأسدد كل ديونك و ساجعل منك رجلاً غنياً بل غنياً جداً وأُوفر لك منزلاً و أثاث بيت غاية في الروعة والجمال و أُريحك من هذا العمل البائس .
ذُهل سعيد من كلام السيدة و هو يظن بان القدر تبسم له اخيرا ، و لم يكن يعلم بان القدر لازال بعيدا عن ان يسعده ، ولكنه وافق دون تردد على كل ما تحدثت به السيدة ... و تبسم ابتسامة عريضة ، كعرض منكبيه و بانت اسنانه الصدِئة من تدخين اردأ أنواع السجاير ..ثم صمت و قبل ان يبدا سؤاله ، قالت له كل ذلك بشرط واحد ..
فقال اشترطي ما تريدين ..
ان تتزوجني .....
و دون تردد و على الفور ، وافق  سعيد على شرطها ...
فبدأت تحدثه عن نفسها بأنها متزوجة من رجل ومطلقة منه ثلاث مرات ، وهي بحاجة لمحلل ليتزوجها ثم يطلقها لتعود لزوجها الأول  ، و ستدفع له  بعد ذلك كل ما حدثته عنه من فلوس وحياة رغيدة و منزل .
لم يتردد سعيد  ..
و في نفس اللحظة توجها الى المحكمة الشرعية لعقد قرانهما . 
كان اثنان من الرجال في متوسط العمر يجلسان عند الباب الخارجي للمحكمة و هما يحتسيان القهوة .
طلب القاضي اثنين من الشهود ، فغمزت السيدة للرجلين باشارة متعارف عليها بينهم ، فحضرا على الفور أمام القاضي الذي بعد الانتهاء من كتابة عقد القران ، طلب منهما التوقيع ، ومن ثم توقيع سعيد والسيدة ، وأخيراً  مَهَرَ القاضي توقيعه وختم وثيقة عقد القران بختم المحكمة ، بعد أن قامت السيدة بدفع جميع رسوم عقد الزواج ، ثم انصرف الجميع ..
بقيت السيدة مع سعيد في السيارة يتجولان والفرحة تكاد تتطاير من عيناه وهو يسألها عن البيت والفلوس التي وعدته بها ...
أخبرته بأن ذلك مشروطة بطلاقه لها....
وبدون تفكير وافق سعيد على تنفيذ الطلاق ...
تم الطلاق ، وأخبرته بأنها تريد احضار بعض الاغراض والفلوس من البنك لتعطها له..
توقف سعيد قبالة البنك ، ينتظر خروجها ، ولكنها لم تعد ...
مضت عدة ايام وهو يصابح  البنك حتى انتهاء مواعيد الدوام  ولم يعثر عليها بالمطلق ... و لم يسعفه تفكيره بان الموضوع قد يكون خدعه ...
في اليوم السابع دق باب منزله  ، و إذ برجل شرطه يسال عنه ، فأتى له و هو منهك القوى و خائب الظن و التفكير ...
بادره الشرطي بالسؤال ... انت سعيد ....
نعم انا سعيد ...
انت كنت متزوج من السيدة  نعيمة ...
نعم كنت ...
و طلقتها ...
نعم طلقتها ...
إذن وقع باستلام بلاغ المحكمة لك...
وبعدان وقع بإستام البلاغ وانصراف الشرطي وإغلاقه باب منزله ، حاول ان يقرا ما بالبلاغ  ...
بدأ سعيد بمحاولة قراءة ما جاء بالبلاغ ، و ما ان انهى قراءته وقَعَ على الارض مغشياً عليه .
عاود قراءة البلاغ بعد أن أفاق ، فكان يتضمن ، رفع السيدة نعيمة قضية نفقة عليه و عفش البيت و متاخر الصداق و حُدِدَ مجموعها بخمسة عشر الف ديناراً أردنياً ….
ذُهلَ سعيد ، ومن شدة الصدمة ، سَقَطَ على الارضِ جُثَهً هامدةً على أثَرِ إصابته بجلطةٍ حادةٍ في القلب .
 
     إنتهى ،،،

د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،