التشكيلية سوزان كلوتز تراكمات الألوان وعمق الرموز جدليات المعاني البصرية في التعبير عن القضية الفلسطينية
تاريخ النشر : 2017-12-20
التشكيلية سوزان كلوتز تراكمات الألوان وعمق الرموز جدليات المعاني البصرية في التعبير عن القضية الفلسطينية


بشرى بن فاطمة

 Suzanne Klotz التشكيلية الأمريكية سوزان كلوتز
تراكمات الألوان وعمق الرموز جدليات المعاني البصرية في التعبير عن القضية الفلسطينية

لم تكتف الفنانة التشكيلية الامريكية سوزان كلوتز في تجربتها الفنية بمجرد خلق مسار يواكب التيار المعاصر في الفن بل اختزلت عناصر ودلالات لتفسير معاني الإنسانية بلغة الفن، فتمكنت من خلق بصمة  متكاملة في حضورها وعلاماتها ورموزها التزمت بالقضايا الإنسانية وخصوصا القضية الفلسطينية التي لم تفهم عمق عقدها ومعاناتها إلا حين زارتها في أول رحلة لها في التسعينات لترى عن قرب ومعايشة حياة الفلسطيني وتفهم معنى الاحتلال وجبروته وتدرك مدى ما يمارسه إعلام بلادها من تعتيم وتزييف للحقائق فقد اطلعت على فلسطين التاريخ والحاضر والخصوصيات التي أوقعتها في رحم الأرض والانسان بكل تلوناته وأحداثه.
 فقد عبرت بمواقفها الفنية الساخرة من السياسة والاعلام الأمريكي معتبرة أن المؤازرة التي تمنح للظالم تولد الإرهاب والعنف وبالتالي عدم تكافؤ القوى من الطبيعي أن يولد الحقد والانتقام، لينعكس أسلوبها الفني على أفكارها ومواقفها مشحونا بقلق متقن التعبير وتوتر مصفف الانفعالات يدويا وفكريا لخدمة المعنى الجمالي للموقف المنتصر للإنسان بتأمل وعمق وأمل مثير لجدليات الصراعات الأيديولوجية والفوارق في القوى التي تحاول الهيمنة والسيطرة فأعمالها تلقي الضوء على التشتت السياسي في المنطقة العربية وتعلق في الأرض المشحونة بالصراعات، منتقدة فنيا سياسة بلادها ومساندة القضية الفلسطينية بكل ما تعنيه الجغرافيا والطبيعة والتاريخ لتحارب الانحياز اللامتكافئ بكل ما أوتيت من رمز وعلامات وخامة وأفكار.
تعي سوزان الواقع بكل حقائقه فتواجه سطحيته بعمقها ومن خلال ذلك تتشكل هويتها الفنية الإنسانية التي تتمسك باللحظة الجمالية بعمق موقفها الذي يطوق أفكارها المتجددة.
تجربتها مركبة في مفاهيمية معاصرة التقنيات التنفيذية تبسط التعامل مع الخامة وتحوّلها من وظيفتها الواضحة إلى دورها الفني المعبر عن الفكرة والموقف فهي تعيد تركيب الخامات المختلفة التي تجمّعها من طبيعة الشرق وخصوصياته الحرفية اليدوية الخشب النسيج الورق الجلد الحجر الحديد فتعالجها تقليديا فلكلوريا في التطريز والحياكة والنحت والحفر والخط لتعبر عن الصدام في الفكرة الغابرة بين الشرق والغرب من خلال تركيزها على الرموز الثقافية والدينية حتى تتعمق في التاريخ وتتحكم في المساحة التي يبدأ فيها الحراك العنيف صداما في صعوبة تشكيل الرموز التي تتفجر بدموية لا متكافئة وبالتالي تشعر المتلقي بخطورة المساحة وتعقيدها الذي يحيل على اختلال وتناقض بين الاحتلال والديمقراطية بين انتهاك حقوق الأفراد وادعاء حقوق الانسان فتبقي المتلقي عالقا أمام التناحر الذي تفرضه القوى.
تركز كلوتز على الرموز الدينية في ثلاثية تتعانق وتتنافر إبهارا لروحانيات المعنى وتداخل المصالح فهي تخرسها وتنطقها تلونها وتعتمها معبرة عن رؤاها التي تتفاعل حسا وحضورا مع موقفها، وهو ما يميز تراكيبية الأعمال التي تقدمها وفق ركائز اللغة والثقافة والمعتقد والطقوس بين العفوية والغموض والفوضى والترتيب في التاريخ والحضارة في الحق والبقاء في الحرية والاحتلال.
تخصص كلوتز في أعمالها نقدا للصور والأفكار التي يقدمها إعلام بلادها تلك التي ينقلها لعقلية الأمريكي فتبعده عن الحقائق.
جمعت كلوتز أهم أعمالها وفسرتها باختلاف معانيها في كتاب عنوانه "فن الاحتلال" قدمته بالاشتراك مع "متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية" واعتبرت كلوتز هذا الكتاب دليلا للأرض المقدسة التي تصور فلسطين المحتلة ين 1990 و1995 تلك التي رأتها وعايشت تفاصيلها ووثقتها بعيدا عن فكرة أن تكون مجرد سائحة لأرض مقدسة فقد أدهشتها الممارسات الوحشية للمحتل الإسرائيلي فوثقت مشاعرها وأفكارها وعمق بحثها في أعمالها وطبعتها على صفحات كتابها الذي حمل مواقف لم تنقلها بشكل نقد هجومي فوضوي بل بترتيب الحقائق ثقافيا وحضاريا فقد عبرت عن فلسطين التقسيم والأراضي المقدسة عن الشتات والملاجئ.
كما قدمت كلوتز مشروعا فنيا متكامل الإنجاز الإنساني جمعها بحرفيات فلسطينيات قدمن التطريز والحياكة ونثرن حكاياتهن على القماش في رؤية فنية عميقة التجاذبات تحاكي تفاصيل المخيم والهوية الفلسطينية الراسخة وفكرة العودة التي لم تحد عن ذهن الفلسطيني فبين الخيوط وألوانها والعقد وجماليات اكتمالها غصة دمعة وأمل فرح وبقاء انعكس في جدارية حملت تفاصيل المخيم وحدت الفلسطيني على أرضه من خلال كتابة المدن والقرى التي ركبتها على الكوفية ورمزية المفتاح العلامة البصرية التي تعني الدار والاستقرار، الوطن والأمان والعودة .

  حملت سوزان كلوتز موقفا وصورة خاصة عن الشرق وعن قضاياه وعن التعامل الغربي معها والتعتيم الإعلامي فهي الفنانة الباحثة والأكاديمية لا تبحث عن التعبير الذي تنقله وسائل الاعلام سطحيا، بل تبحث عن الانسان في الذات المتشبثة بالأرض في رقصة الحياة التي تعني التمازج الفكري والإنساني الذي يتراكم إحساسه وموقفه في الألوان وفي الرؤية وفي الأسلوب الذي يجيد التعبيرعن الحقيقة بجمالية بصرية معاصرة ومثيرة.


*الأعمال المرفقة

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections