القيمة القانونية لإعلان ترامب وما يثيره من قضايا محلية ودولية بقلم:مجاهد هلالي
تاريخ النشر : 2017-12-12
القيمة القانونية لإعلان ترامب وما يثيره من قضايا محلية ودولية بقلم:مجاهد هلالي


مجاهد هلالي
باحث بالشأن الدستوري الفلسطيني
القيمة القانونية لإعلان ترامب وما يثيره من قضايا محلية ودولية
الإعلان هو تصرف قانوني دولي صادر بالإرادة المنفردة، ويعد من أشكاله الاعتراف، التصريح..، ومن المعروف أن التصرفات المنفردة تلزم مصدريها فقط لا غير، وتعبر من خلالها الدول عن موقفها وسياساتها اتجاه قضايا دولية.
ولكن هناك نوع من التصرفات المنفردة ملزمة بمطابقتها لمبادئ واتفاقيات وقرارات دولية او ما يصطلح عليها الفقه الدولي الأعمال الشرطية، لكونا تمثل أسناد لمراكز قانونية مستقلة خلقها القانون الدولي ولا تمثل أي توليد مستقل لمراكز، ولذا ينبغي أن تكون متوافقة مع الشروط التي وضعتها الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان لتلك المراكز القانونية.
وينبغي التذكير، بإنه يأتي على رأس الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون المعني بالاحتلال الحربي، حق الشعب في تقرير مصيره واختيار نظامه السياسي والدستوري بحرية، وعدم شرعية أي تغيير قانوني او تطويع لأطر الشرعية الدستورية على خلاف إرادة الشعب بالقوة غير المشروعة.
ومن المعروف أن قضية القدس لها مركز قانوني مستقل أكده توصيات الجميعة العامة للامم المتحدة، وينطبق عليه مبادئ الميثاق، والقرارات الدولية وعلى رأسها قرار التقسيم، والاتفاقيات الثنائية والتي جعلت لمدينة القدس مركز قانوني لا يجوز تغييره او حسم الخلافات حوله إلا بتوافق الطرفين في مفاوضات الحل النهائي...
ولذا التصرف الدولي أو إعتراف ترامب بالقدس عاصمة ل"إسرائيل" هو مخاف لكل ما وضعته الشرعية الدولية وجاء بالقانون الدولي لحقوق الإنسان من شروط ومقاصد ومبادئ والتزامات إتجاه مدينة القدس، الأمر الذي يجعله تصرفا غير مشروعا وباطل من الناحية القانونية وغير منتجا لأثر، وأي إحداث قانوني وسياسي مشروعا مقاومته وفقا لتوصيات الأمم المتحدة.
وينبغي الإشارة أن هذا النوع من التصرفات الدولية، وخاصة لكونه أصدر على وجه غير قانوني، لا تلزم سوى مصدرها، أولا لأنه بمثابة تصريح عن موقف، وليس قرارا دوليا تعاقديا ولكونه لم يصدر ضمن التوصيات التي يحسم بها مجلس الأمن على المستوى الدولي ويحدد أطر تنفيذها.
كما أنه، ووفقا لأطر الشرعية الدولية، لا يجوز للدول الإنجرار والاعتراف بهذا التغيير، لكونه غير مشروعا ومنعدم الأثر، كما أنه لا يجوز أن تأخذه موقفا سلبيا اتجاه ذلك، لكون إعلان ترامب هو تحديا للقيم والمبادئ والقواعد المنظمة للسلوك والفعل الدولي، كما أنه تجاهله لها هو تحديا لإرادتها الدولية وسيادتها اتجاه قضايا العدالة والكرامة الإنسانية.
وأي تغيير قانوني وسياسي على أرض الواقع لمدينة القدس يعطي حق للشعب الفلسطيني مقاومته بكافة الأشكال المشروعه وفقا لتوصيات الجميعة العامة للأمم المتحدة، كما يتوجب على البلدان الحرة مساندة مقاومة الشعب الفلسطيني في كافة المستويات وفي جميع المحافل وبمختلف الوسائل.
ويمثل أقلها بإصدار تصريحات مستنكرة لمثل هذه الأعمال القانونية المخالفة وغير الشرعية، لإثبات حسن نواياها وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وأن لا تعترف بّأي تغييرات في الوثائق والمعاملات الرسمية، وأن وان تأخذ موقفا في الاجتماعات المتوجب الدعوة لها من فلسطين وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لعدم إقرار هذا الإعلان والتبرى منه، ليكون ذلك أحد أشكال دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، بالرغم من كونه لا يلزم سوى مصدره.
ومن ناحية أخرى، يثير هذا القرار بعض الأمور المهمة محليا، وأحدها دوليا، ولكونه تحديا صريحا للعدالة الدولية فهو يشكل فرصة سياسية للوقوف والحسم بعدة قضايا:
أولا: على المستوى الفلسطيني:
يمكن مواجهة هذا القرار الباطل، على مستويين، الاول قانوني على مستوى مؤسسات الأمم المتحدة، كما حصل من خلال إجماع مجلس الامن باستثناء الولايات المتحدة الامريكية، وكذلك من خلال اللجنة القانونية للجمعية العامة، وكذلك من استصدار قرار دولي يحسم بهذه المسألة في الجمعية العامة، وكذلك من خلال محكمة العدل الدولية. وعلى المستوى الدبلوماسي من خلال حث الدول على إصدار تصرفات قانونية منفردة مستنكرة لهذا الاعلان.
والثاني سياسي، فهذا القرار يشكل فرصة سياسية لمراجعة إستراتيجية التفاوض، ومحددات الوساطة الدولية، وشروط عملية السلام، ومنطلقات الخيارات السياسية لحلول عادلة وجذرية لقضايا الحل النهائي، وإنهاء كل الممرات التي يسلكها الاحتلال لقطع المراحل المتطلبة لإنجاز أهداف الاستعمار الاستيطاني.

على مستوى الولايات المتحدة ألأمريكية فيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية التي ألزمت نفسها بهذا الاعتراف، فإنه إذا ما أرادت قيادة عملية السلام عليها أن تعلق هذا الاعتراف أو توضحه كأن تعترف بالقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية مع ضمان حرية الوصول إلى الأماكن الدينية.
على الرغم من أن تقسيم المدينة هو بمثابة تضيق الحريات الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين الفلسطينيين وفقا للعهد الدولي الخاص بهذه الحقوق.
ولكن لأن أي حل سياسي يتطلب أن تكون قاعدة المساواة والعدل مبنية على شقين الشق المتعلق بالقوميات والشق المتعلق بالحقوق الفردية، فإن أي حل مبني على العدالة والكرامة الانسانية والاعتراف بالحقوق القومية فإنه يجب أن يأخذ مختلفة الاعتبارات الحقوقية.
وبالنتيجة الآن فإن الولايات المتحدة الامريكية بإصدارها هذا الإعلان وانحيازها، تكون قد خرقت الشروط القانونية للوساطة الدولية، مما يفقدها ذلك صفة الوسيط الدولي.
على مستوى المنتظم الدولي: تأسيسيا على ان ملف القضية الفلسطينية هو معروض للتسوية الدولية منذ العام 1947، فإنه يتطلب من أجهزة الامم المتحدة استصدار قرارات تحسم من الناحية القانونية اتجاه التصرفات الدولية غير الشرعية.
كما  أن هذا الاعتراف غير الشرعي يشكل فرصة سياسية على المستوى الدولي لإثارة قضية مصداقية التنظيم الدولي وإعادتها إلى الواجهة، ذلك أن هذا قد وضع قيم الامم المتحدة والشرعية الدولية على المحك، ويأتي رفض العديد من الدول هذا الإعلان في هذا السياق، لأن استنكارها هو بمثابة تصرفات دولية ألزمها إتخاذها ضرورة إثبات حسن نواياها كما يدعو ميثاق الأمم المتحدة، ولذا ينبغي البحث من جديد في سبل تقوية آليات الديمقراطية في مؤسسات الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن.
وتأسيسا على ما سبق، فإن تصريحات العالم الحر، سواء على مستوى مجلس الأمن أو الدول منفردة وبلدان العالم العربي والإسلامي برفضها برفضها لإعلان ترامب أو تشكيكها بمصداقية عملية السلام، هي كذلك تصريحات قانونية صادرة بالإرادة المنفردة لها نفس الطبيعة للإعلان من الناحية القانونية لكنها ترفض اسناد العاصمة بوصفها مركز قانوني موجل اسناده إلى مفاوضات الحل النهائي وفقا لقرارات واتفاقيات دولية ولكونها محكومة باعتبارات خاصة ناتجة عن سمات المدينة الدينية والتاريخية، وهي تعبر بهذا الرفض ان عملية الاسناد هي عملية غير شرعية ولا تلزمها، وهي بذلك تؤكد حسن نواياها اتجاه الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان.