التبرير ، التسويغ في ميزان النقد اللغوي بقلم: سلامة عودة
تاريخ النشر : 2017-12-11
التبرير ، التسويغ في ميزان النقد اللغوي  بقلم: سلامة عودة


التبرير والتسويغ
يشيع على الألسن ، وفي الكتابات كلمات تحتاج إلى تبصر في الحكم على صحة توظيفها، ومن هذه الكلمات كلمتا التبرير والتسويغ، ولوحظ أن مواقع إلكترونية ترى أن كلمة التسويغ أصح من كلمة التبرير، وأن العبارة الدارجة التي تقول : الغاية تبرر الواسطة ، وليس الغاية تسوغ الواسطة ، وبالرجوع إلى المعاجم ، وجدنا جل المعاجم لا تذكر أن الفعل (بَرَّرَ) يعني ( سَوَّغَ) ، ما خلا الوسيطَ الذي قال: " بَرَّرَ عملَهُ : زَكّاهُ، وذكر من الأسباب ما يُبيحُهُ ( محدثة)".
ولكن لدى البحث في مصنف محمد العدناني الموسوم بمعجم الأغلاط اللغوية المعاصر، قال : إن مجمع اللغة العربية في القاهرة قد أجاز ما شاع من استعمال التبرير في معنى التسويغ ، مستنداً إلى الجملة التي تقول : بَرَّ حَجُّهُ : قُبِلَ ، وتضعيفه : بَرَّرَهُ، جعله مقبولاً ، وتضعيف الفعل للتكثير والمبالغة.
وقد اختلف مع المجمع محجوب محمد موسى ، في مصنفه ( في تطهير اللغة من الأخطاء الشائعة)، إذ طفق يقول: إن التسويغ يختلف عن التبرير، فالتسويغ : تحسين الأمر وتزيينه ؛ ليصبح سائغاً ، أما التبرير فيفيد عند القائلين به : تحسين الأمر المرفوض ، والدفاع عنه ، والإرغام على قبوله أو التغاضي عنه.
إن التسويغ أجود من التبرير ؛ لأن المجمع استند إلى كلمة مبرور ، وهو مقبول ، عندما يقال للحاج : حج مبرور، لكن محجوب واتفق معه ، لا يرى علاقة بين مبرور، وتبرير، لا ختلاف المعنى ، وإن تشابهت الأصول.
والكلمة مطردة في العبرية ، ولكنها تقترب مما قاله محجوب ، فعندما نجد جملة إين بررا، ( אין בררה) ، تعني لا توجد إمكانية ثانية ، وإن حدث منفعة أو ضرر ، وتقف العبارة على الضرر أكثر ، ونجدهم يستخدمون مصطلح ( ברור)، برور، بمعنى واضح ومفهوم ، وفي العربية نجد من يستخدم التبرير للخروج من مأزق وقع فيه ، وقد يعتريه الزلل للتملص ، فهو مبرر له ، يحتمل الصدق وعدمه.
وترى معاجم العبرية ، أن الأصل في الكلمة ينصرف إلى معنى القبول الذي تناوله المجمع ، ولم يتفق معه محجوب ، إلا أن المعجم العبري أفرد للكلمة معنى خاصاً ، ولم يدمجه في المعاني الأخرى ، وقال : إن كلمة بررة ، من برر ، وهي على لسان العرب تقترن بالحج المبرور وفق معنى ما كتبه المعجم
وعلى ذلك ، نقول مسوغات أدق من مبررات ، وإن أجازها المجمع في اجتماع لجنة الأصول ، سنة 1967م ، فالمنطق مع الاستساغة ، لا التبرير.
كما لا يفوتنا أن نذكر أن الكلمة محدثة ، وقد تناقلها من يعمل ويحتك بالعبرية ، في كلمة متداولة : كلمة ( برارة ) ، ( أبر التفاح ،أوالتوت ) ، ومعناها السلبي لا الإيجابي، في استخدامها من العامل الذي يحتك ، والمسوغ معناه أيجابي ، فلم لا نوظف الإيجابي فقط في معرض الحديث عن شيء حسن مستمرأ ومستملح ، ونترك السلبي والمنفر من كلمة المبررات ، وتكون مسوغات أجمل وأصح ؟