اليهود الكنعانيون واليهود الأوروبيون بقلم: ناجح شاهين
تاريخ النشر : 2017-12-07
اليهود الكنعانيون واليهود الأوروبيون بقلم: ناجح شاهين


اليهود الكنعانيون واليهود الأوروبيون

ناجح شاهين
"ذهب سكان المدن/المملك الكنعانية المسبية إلى بابل كنعانيين وثنيين وأعادهم إليها الفرس بعد قرون، وقد أصبحوا يهوداً نصف موحدين."
تم حل ألغاز اليهود واليهودية منذ أزيد من عقدين، خصوصاً بعد صدور كتاب تومبسون الشهير "التاريخ القديم لإسرائيل". وقد أصبح واضحاً بتوافر العديد من الأدلة القاطعة أن اليهود القدماء هم قبائل كنعانية من حيث العرق والثقافة واللغة.
أولاً يجب الإشارة إلى أن التوراة نفسها تشير إلى لغتها ولغة اليهود بوصفها "سفة كنعان" أي شفة كنعان أو لغة كنعان. وقد أثبت علم الاثار بما لا يدع مجالاً للشك أن الدويلات القائمة في "يهودا" و"السامرة"من قبيل مملكة القدس كانت ممالك كنعانية تمارس العادات والطقوس والديانات التي تسود العالم الكنعاني كله في فلسطين وسوريا ولبنان.
بالطبع ليس هناك من شك اليوم في أن قصة استعباد اليهود في مصر وخروجهم منها...الخ هي مجرد أسطورة لا سند لها من التاريخ. كما أن الحروب المزعومة التي قام بها موسى ويوشع وصولاً إلى المملكة الموحدة وسليمان وداود والهيكل...الخ هي أيضاً أساطير كتبت في فارس بتأثير الامبراطورية الفارسية.
وعند تفحص الأساطير التوراتية فإن من السهل بمكان إثبات أنها جميعاً مشتقة من التراث الكنعاني بما في ذلك فكرة بناء الهيكل التي تقابل حرفياً بناء هيكل بعل بعد أن اعتلى عرش ألوهية الأرض نتيجة لشيخوخة ايل وعجزه (الجنسي) عن إخصاب الأرض. كذلك نلاحظ التطابق التام في قصص مثل وعد "ياهو" لإبراهيم بولد وهو عجوز في مقابل وعد "بعل" لدانيال بأن يعطيه ولداً بعد أن أصبح عجوزاً، ومثلما تحتج سارة أنها أصبحت عجوزاً غادرتها "عادة النساء" كذلك تسبقها زوجة دانيال إلى الاحتجاج ذاته. وتتماثل التفاصيل كلها في ذبح الكبش وإطعام الضيوف...الخ.
الامبراطوية الفارسية المعادية لمصر منافستها الأساس في ذلك الوقت لقنت الكنعانيين المسبين مبادئ التوحيد الزرادشتي المتعالي، لكن دون جدوى. إذ لم يستطع الكنعانيون الذين كانوا في طريقهم الى التحول الى "يهود" من استيعاب التوحيد الزرادشتي الخالص والقاسي فبقي إلههم "يغار" من الآلهة الأخرى ويتصارع مع يعقوب...الخ
في الأحوال كلها أعاد الفرس الكنعانيين المسبيين الذين حملوا معهم معتقدات وقصص وأساطير تشربوها في فارس ومزجوها بتراثهم الكنعاني. وبمرور الأيام تنصر جزء كبير من هؤلاء الذين أصبحوا يهوداً ثم اسلم جزء آخر مع ظهور الإسلام (في العصر العباسي المتوسط أم المبكر؟).
يمكن القول اليوم بشيء كبير من الثقة أن أحفاد اليهود القدماء هم الفلسطينيون المعاصرون. لقد أصبح الكنعانيون يهوداً في لحظة معينة ثم عاد معظم هؤلاء ليصبحوا عرباً مسيحيين ومسلمين.
حتى دليل الجينات لا يترك لنا مجالاً للشك، لأن اليهود القدماء ويهود "الصابرا" المعاصرين يتطابقون جينياً مع العرب الفلسطينيين، بينما يختلفون جذرياً مع يهود أوروبا ويهود الحبشة ...الخ.
إذن لا نستطيع إلا أن نقول إن أوروبا في سياق مشروعها لاستعمار العالم قد وظفت أساطير التوراة لتزعم أن مواطنيها اليهود الأوروبيين لهم حق في فلسطين. غني عن البيان أن هذا تخريف من الناحية المنطقية لأنه يعني مثلاً أن يطالب سكان مدريد وبرلين وباريس وروما ببيت لحم والقدس لأنهم مسيحيون، أو أن يطالب مسلمو البوسنة والصين والهند ونيجيريا بمكة أو القدس لأنهم مسلمون.
اليهود المعاصرون الذين شكلوا "إسرائيل" هم مستعمرون بيض لا علاقة لهم بفلسطين أو باليهود القدماء (الكنعانيين) من قريب أو بعيد.
أذكر أن المؤرخ المعروف ايلان بابيه رد على سؤال في "جراند بارك" رام الله حول مصير اليهود القدماء مبتسماً: "ربما تكونون أنتم الجالسون أمامي معشر الفلسطينيين المعاصرين أحفاد أولئك اليهود القدماء."
ليس هناك من يهود كنعانيين ينتظرون العودة: اليهود الذين استوطنوا فلسطين في الزمن المعاصر هم مجرد مستعمرون أوروبيون بيض لا يختلفون في شيء عن أسلافهم الذين استوطنوا أمريكا وأبادوا سكانها وزعموا أنها أرض الميعاد وأطلقوا أسماء بيت لحم وجروزلم وهيبرون والناصرة على مدنها التي أقاموها على جماجم السكان المذبوحين بلا رحمة.