الفدْي بالنفْس .. يا قدْس! بقلم:د. المنجي الكعبي
تاريخ النشر : 2017-12-07
الفدْي بالنفْس .. يا قدْس!

بقلم الدكتور المنجي الكعبي
من وعد.. الى وعد.. إلا وعد ربك ! وما هو - تعالى - بمُخلف وعده.
وعود.. ولطالما تكسرت على صخرة الواقع، أو، إذا أردنا التشبيه بموضوع المناسبة، صخرة القدس.
رؤساء كثيرون، منذ أن صوت الكنغرس الأميريكي على نقل عاصمة إسرائيل الى القدس بنقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية اليها، أجفلوا ولا أقول أجّلوا نقل هذه الرمزية الى جوار بيت المقدس، لعلمهم بأنها لم تزل في نفوس المسلمين مكاناً مقدساً لا ينبغي تلويثه بالسياسية البراغمتية الأميركية المعروفة، وإلا يكون كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
لأن الوعد الذي قد يحرص ترامب على تنفيذه لحساباته الانتخابية وربوياته المالية، يمكن أن يكون بداية النهاية للكيان المغتصب لهذه الأرض المقدسة. وإن تكن لليهود وللعرب سوية بالتاريخ.. للإغتصاب الذي تأباه الأديان، وتكفر به القوانين. ولأمر آخر هو المعاونة عليه من طرف أمريكا التي لا شأن لها في الشرق الأوسط الا الاستحواذ على مخلفات الاستعماريين الأوروبيين الذين طالما تكسرت شوكتهم على الأزهر أو الزيتونة أو غيرهما من قلاع الإسلام التي فتحها أتباعه في أرض الله لنشره دينه الحق بعد أن طالت بالسنين الديانات السابقة وتحرّفت كتُبها لأغراض دنيوية. إلا من بقوا على فطرتهم وآمنهم الإسلام في عقيدة آبائهم.
ومن مصلحة اليهود، وهذا عرفه كثير من حكمائهم اليوم وأحبارهم، أن الاستعانة بأمريكا اليوم هو كالغريق المستمسك بغريق. وربما انحطاطها وتفككها منذر بتفكك وانحطاط كل ما وضعت يدها عليه للارتفاق به أو الاتكاء عليه. وما هي ببالغة النجاة من أزماتها السياسية والاقتصادية وقبل كل ذلك الأخلاقية.
وهذه القوْمة كالرجل الواحد اليوم في معابر السياسية الأميركية المعارضة للرئيس الجديد ترامب لا تبشر بخير لمصيره ولا لمصير بلاده اذا بقي على رأسها، وهو كالأهوج، حيثما ولى أثار وراءه غبار الفتن والشقاق والاحتراب، في الرياض وفي بروكسيل وفي شبه الجزيرة الكورية. كل همه عقد الصفقات المريبة والتهديد وخرق الاتفاقات والالتزامات والتعهدات بحجة انعاش أمريكا أولاً. فأين ستكون سياسة اسرائيل إذا كان أول ما لاحظه لها حينما زارها انها تبدو أكثر تقدما اقتصاديا وماليا ولذلك لم تعد محتاجة الى المساعدات الأمريكية مستقبلاً وكأنما كف لمناسبة الضيافة مطالبتها بالتعويض.
إسرائيل التي ما انفكت قوانينها الغاصبة والتمييزية التي قامت عليها تدفع اليمين اليهودي اليوم بأكثر قوة للضغط من أجل عودتها الى شريعتها التوراتية لعلها تكون أكثر تطهراً من آثام الدولة التي سارت عليها أولاً.
فسقوط ترامب مؤذن بسقوطها بسبب هذا الوعد الذي يمكن أن يورطها فيه باشتداد المقاومة لها في الأراضي المحتلة وفي سائر العالم الاسلامي، بسياساته الصدامية للشعوب وللأمم وللحكومات. خاصة وأنه سيفتح لناتنياهو آفاقاً لمشروع القدس الكبرى الذي سيصدر به قانون الى وقت مؤجل بعد تنفيذ ترامب لوعده بنقل سفارة بلاده الى القدس، ليشمل المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، لالتهام أكثر ما يكمن من الأراضي المحتلة بعد ٦٧ لفائدته.
وإذا كان في تقدير اسرائيل أنها كسبت القدس على مراحل من ٤٨ الى ٢٠١٧، فإن في تقدير حقائق الكون التي نزلت بها الديانات أن المدافعين على عقيدتهم في القدس بأنها حرم، نعم حرم إبراهيم عليه السلام ومسرى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سوف يكون الوعد به من أمريكا لإسرائيل عمود الهيكل الذي سقط على شمشون.
تونس في ٦ ديسمبر ٢٠١٧