حجــاب الــرأس أم حجــاب الـعـقــل ؟ !بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2017-11-21
حجــاب الــرأس أم حجــاب الـعـقــل  ؟ !بقلم:حسن زايد


حــســــــن زايــــــــد .. يـكـتـب :

حجــاب الــرأس أم حجــاب الـعـقــل ؟ !

كثر اللغط ، وزادت حدته ، حول قضية الحجاب . وقد شُمِّر عن السواعد ، وامتُشِقَت الأقلام ، وأُدْلِي بالدِّلاء ، حتي لا يفُوت ـ أو يُفَوِّت ـ أحد ، فرصة الخوض مع الخائضين . ففريق ينافح عن الحجاب ، منافحة من اختزل الإسلام فيه ، فلو ضاع ضاع الإسلام واندثر ، ولو بقي وثبت ، لبقي الإسلام وانتشر . وفريق يتمترس علي الضفة الأخري من النهر، رافضاً له باعتباره فكرة رجعية ظلامية ، وهو في الأصل عادة بدوية ، جري استجلابها ، من بيئة صحراوية بدائية ، وفرضت علينا باعتبارها فريضة اسلامية . وفريق ثالث أصابته الحيرة والتردد بدوارالعقل ، فلا إلي هؤلاء ، ولا إلي هؤلاء ، وإنما يميل هنا تارة ، ويميل هناك تارة أخري .

والفريق الأول يسوق من الآيات ، والأحاديث النبوية ، ومواقف الصحابة ، ما يدلل به علي فرضية الحجاب . والفريق الثاني يذهب في الدفاع عن موقفه كل مذهب ، فتارة يقولون بِلَيِّ عنق النص القرآني حين تفسيره ، أو أن الحديث حديث آحاد ، إن لم يكن ضعيفاً ، وتارة يذهبون إلي أن مواقف الصحابة صادرة عن عادة بيئية حاكمة كانت موجودة ، وثالثة تقول بأن ارتداء الحجاب ، وعلة وجوده ، بقصد الوقاية من أوضاع مناخية قائمة في بيئة صحراوية .

الفريق الأول يسعي جاهداً إلي إثبات فرضية الحجاب ، وأن الفرض واجب النفاذ ، لا علي سبيل التخيير ، وإنما علي سبيل الإلزام ، ومن ثم لا مجال فيه للحرية والإختيار ، من ارتدته فقد أطاعت ، ومن لم ترتديه فقد عصت . والطائعة مثابة ، والعاصية معاقبة بمعصيتها .

والفريق الثاني يسعي جاهداً إلي إثبات كونه عادة ، وليس عبادة ، وبذا يصبح باب التخيير فيه مفتوحاً علي مصراعيه ، لا محل فيه للإلزام أو الإلتزام ، وإتيانه ليس بطاعة ، والإمتناع عنه ليس بمعصية .

وأنا هنا لا أسعي إلي الإنحياز لطرف علي حساب آخر ، أو الإنتصار لطرف علي حساب آخر . وإنما فقط أسعي إلي إزاحة حجاب العقل ، وخلعه بالكلية ، حتي يتبين لنا الخيط الأبيض ، من الخيط الأسود من الأمر .

وهنا نقول بأن الكلام محصور فيما بين المؤمنين بوجود إله لهذا الكون ، أما الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود إله لهذا الكون ، فهم خارج إطار المناقشة لأن الكلام لا يعنيهم في شيء ، من قريب أو بعيد .

وقد حصرنا الكلام فيما بين المؤمنين بوجود إله في الكون ، كي نتباحث في أصل القضية ، ونتساءل : من وراء إرتداء البشرية للباس ، بقصد الستر ابتداءًا ؟ . مؤكد أنه الله . وهو الذي حدد ما يُري ، وما لا يُري من جسم الإنسان ، وأن ما لا يُري يسمي عورة تستوجب الستر ، والحجب ، عن رؤية الغير لها ، وما خلاف ذلك مباح ، لحكمة إرتآها جل شأنه ، قد تتكشف لنا إخباراً ، أو استنباطاً ، كلها أو بعضها ، وقد لا تتكشف . حتي لا نقول مع من يقول:بأن الأحكام تدور مع علتها ، وجوداً وعدماً ، فالأحكام ـ في رأيي ـ باقية ، وإن زالت علتها . وحتي لا نزايد علي الله في علمه بمن خلق .

إذن فالستر قضية منتهية باعتبارها فرضاً ، ومواضع العورة محددة سلفاً كذلك ، وهناك اختلاف بين هذه وتلك ، فيما بين الرجل والمرأة . وعلي ضوء ذلك تحدد للمرأة لباساً أو زياً ، يتناسب ومواضع العورة فيها ، فقيل في شأنه : أنه لا يصف ، ولا يشف . أي لا يصف تقسيمات الجسم علي نحو كما لو كان الجسم عارياً ، ولا يشف : أي لا يظهر ما تحته من الجسم . وقد يبالغ البعض بالذهاب إلي القول بألا يكون ملفتاً في ذاته ، باعتباره من الزينة . ويرد عليه بأنه حتي ولو كان ملفتاً في ذاته ، فمن باب إلا ما ظهر منها .

ثم يأتي القول علي الحجاب ، لأن اللباس أصبح مفروغاً منه ، واستقر في جبلة البشرية وفطرتها ، بحيث أصبحت تأنف أن تتعري في العلن ، إلا من آتي ذلك علي سبيل الشذوذ عن القاعدة . ونقول : أن هناك نهي بعدم إبداء الزينة باستثناء ما ظهر منها ابتداءًا ، والوجه محل الزينة الظاهرة ابتداءً ، وكذا الرأس ، فترك الوجه ، وأمر بتغطية الرأس والجيوب ، لأن الأصل في الخمار أنه غطاء للرأس ، فخمار الرجل عمامته ، وموضعها الرأس ، فيصبح بذلك الضرب علي الجيوب بالخُمُر ِزيادة علي الأصل ، وليس نفياً له ، فلا يصح عقلاً القول بضرب الخُمُر علي الجيوب دون الرأس . هذا عن النص القرآني القائل بفرضية الحجاب . أما الحديث النبوي ، وإن قيل فيه أنه حديث آحاد ، فهناك من العلماء من يقول بجواز العمل به في فضائل الأعمال ،وهناك السنة الإقرارية ، وفعل الصحابة ، وعمل أهل المدينة ، وشرع من قبلكم ، وما جرت عليه العادة ، من مصادر التشريع الإسلامي .

وقد يقول قائل : أين الحرية في كل ذلك ؟ . وهنا نقول بأن الحرية مقررة سلفاً ، في القمة ، حيث تُرِك الإختيار للإنسان في الإيمان من عدمه ، في مسألة العقيدة ، وهي القمة ، ورأس الأمر كله . فإن آمن الإنسان ، فإن هذا الإيمان يُرتِّب إلتزامات ، فيما يتعلق بالأمر والنهي . وإن كفر فلا تكليف عليه لا بأمر ولا بنهي .

والأصل في التشريع منفعة الإنسان ، كما يعلمها خالقه ، لا كما يعلمها هو ، لأن علم الله مطلق ومحيط ، وعلم الإنسان نسبي ومحدود ، ومن هنا جاء القول بأنه أينما تكون المصلحة ، فثم شرع الله . والله شرع للمرأة الحجاب فرضاً ، صيانة لها ، وحفظاً لأنوثتها ، وجاذبيتها ، وحظر علي الرجل رؤية مواضع الزينة والجمال من المرأة إلا بحقها ، وهو الزواج . أما لو رأي منها قبل الزواج ، ما يراه بعده ، فلا قيمة لما رآه مجاناً عندما يصبح لديه. وبذلك تفقد المرأة إنسانيتها ، وتصبح مجرد مستجلبة للشهوة وحسب ، شأن بقية الكائنات .

ويبقي القول بأن من لم تجد في نفسها القدرة علي قبول الإتيان بهذا الأمر، وأنها غير راغبة فيه ، ولا محبة له ، فلا ضير من إقرارها بوجوبه وفرضيته ، حتي تحسب عند الله عاصية وحسب ، بدلا من أن ترد الأمر علي الآمر ، نقداً ، ورفضاً ، ومزايدة ، ومبارزة لله . فماذا أنتن فاعلات ؟ .

حــســـــن زايــــــــــد