راعية وصوت مزمار رخيم بقلم:إيناس ثابت
تاريخ النشر : 2017-11-21
راعية وصوت مزمار رخيم بقلم:إيناس ثابت


راعيةوصوت مزمار رخيم
 
إيناس ثابت
 
كانت تراقب إشراقة الشمس، تنشر نورها وبهجتها على كوخها الريفي الصغير. تتسلل أشعتها الذهبية المتناثرة بخفة النور عبر نافذة صغيرة، تفضي إلى فناء واسع وفضاء بلا حدود. والشمس تضفر شعرها بلون السنابل وتلف جدائلها حول جيدها، وتكحل عينيها بنور خالق الكون البديع. ضوءها البرتقالي الخجول يغمر وجهها الهادئ الصبيح، ويسطع على جبينها وأجنحة قلبها المشرعة للريح، فيتسرب إلى كيانها نور يضيء ما خبا  في أعماقها لتخضر روحها وتبتهج أيامها وتينع أشجار روحها بالربيع. تمد بصرها إلى الأفق البعيد والشمس تجري لمستقرها، تمجد خالق الكون الفسيح، وألق الحب  يمجد الرب ذا العرش العظيم.  
 
بسعادة وثقة وأمان؛  تسوق أغنامها إلى المراعى والحقول، لا ترافقها إلا عصاً في يدها تهش بها القطيع، دون ما يشغلها عن القطيع كل هموم الدنيا وصعوبة سائر الأمور. ترعى أغنامها في البراري والحقول، والراعية راضية بقسمتها، وما جادت به الأرض الطيبة من خيرات لمواشيها الوديعة، وما وجدته من كلأ للقطيع، فلا تعتدي نعجة على أختها ، فتشكر الصبية ربَّها وما  وما أنعم به على الأرض وساكنيها الطيبين.
 
 يجول بصرها في الأفق كأنه صفحات كتاب ساحر الألوان، أو معرض فني زاخر بالفتنة ولوحات أخاذة، رسمتها يد الخالق رب السماوات والأرض. مناظر زاهية الألوان ترق لها القلوب وتخشع أمامها العيون. الطبيعة مرآة مصقولة تعكس ما في النفس من عظمة وإبداع .. صورة عن جنة تفتح بابها لأولي الألباب من المتأملين المتنورين، تلجها النفس المتعبة فتجلو عنها أوصابها، وما علق بها من التعب والهموم. تستقبل يومها بذراعين مفتوحتين كأميرة عذراء تسربت حكايتها من عمق الأساطير.
 
ما جادت به يد الرب؛ تفوق هندسة وعبقرية بشر خلقوا من ماء وطين مهين. ابتسامة المراعي والحقول الواسعة وما حوته من تلال وروابي ، وما جادت به الأشجار من مختلف الثمار، ووديان وسهول وجنان وبساتين، وأوراق مصفوفة بدقة على الأغصان، تستر وجه الثمار من كل صنف وطعم ولون، وقطرات ندى كأنها نعمة الزهور عند الصباح.
 
زهور رقيقة فواحة الروائح أرجوانية الثغور، تسكب عطرها مع هبات النسيم في كل ناحية وصوب. وارتعاش سحب تغازل قمم الجبال، وتفوق في ارتفاعها ما شيدته يد الإنسان من قصور ومعابد عالية تكاد  تلامس الغمام، وطيور الفضاء ووحوش البراري، والماء سر الحياة يروي ظمأ الكائنات تنوله الشفاه يسرا بلا  مشقة أو تعب، يجري من الينابيعٍ ويتحول إلى  ساقية ونهر وغدير، والسماء تكحل عينها على مدى بساط الطبيعة الأخضر  في الأفق البعيد.
 
 تتغذى روحها من حسن الطبيعة، وتغرق في دافئات الأماني بما أنعم  به خالق الأكوان من الصنع البديع. يضحك قلبها لريح الصبا، ويهمس الأمل في سمعها أغنية تحفزها على حياة وأمل يتجدد في النفوس. تمر أمامها صور أخرى فتنشي قلبها وفكرها؛ وعند الغروب تعود أدراجها بالقطيع، تستقبل في قلبها رسائل حب وسلام، لايراها إلا أصحاب القلوب المؤمنة بقدرة النفوس الطاهرة على الحب العظيم. لكأنها تعب في خاتمة نهارها كأسا من خمر تنشي روحها، لتتحد مع الكون وتعزف معه لحن مزمار رخيم، ولسانها لا يتوقف عن الصلاة ودعاء إلى الله لكي يبارك قطيعها ونعاجها البيضاء، ويجود عليها بالخضرة والربيع.