بعد اكتمال أركان جريمة قتل الشهيد ياسر عرفات يجب إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية
تاريخ النشر : 2017-11-18
بعد اكتمال أركان جريمة قتل الشهيد ياسر عرفات يجب إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية


هذا هو الإسلام
بعد اكتمال أركان جريمة قتل الشهيد ياسر عرفات يجب إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية
الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/ قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
لم يبالغ الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله حينما كان يقول أنه نجا من أكثر من 40 محاولة اغتيال إسرائيلية منذ عام 1964 ، منها 18 محاولة دبرها شارون وحده ، وبعد مرور السنوات الثلاثة عشرة على استشهاده أؤكد مجدداً أنه قتل بالسم ، وأن إسرائيل هي المتورطة في هذه الجريمة العلنية ، ولا أقول ذلك جُزافاً ، بل أستند إلى عدة حقائق :
أولاً : مشاهداتي الشخصية للرئيس رحمه الله في غرفة العناية المكثفة وبعد استشهاده وأثناء تغسيله ، ففي غرفة العناية الحثيثة وصفت حالته في الحلقة السابقة التي نشرت الأسبوع الماضي ، وأما بعد استشهاده فقد أسلم الروح الساعة الثالثة والنصف فجر يوم الخميس 11/11/2004م ، وبدأنا تغسيله أنا ومشايخ مسجد باريس الساعة الثامنة والنصف صباحاً أي بعد خمس ساعات من الوفاة ، فلاحظنا استمرار نزف الدم من عدة أجزاء من جسمه بصورة صادمة ومستغربة ، فاضطررتنا إلى وضع البلاستر الطبي على أماكن النزف في رأسه ووجهه ، لذا سألتُ أحد الأطباء الموجودين عن ذلك فقال : بعض أنواع السم تذهب خاصية التجلط في الدم وتؤدي إلى التميّع بحيث يخرج بغزارة من الجلد على هيئة عرق ، ولاحظتُ أيضاً وجود بقع زرقاء وحمراء على الرأس والوجه والذراعين والفخذين والساقين .
ثانياً: اعترافات ساسة إسرائيل بضرورة تغييبه عن المشهد ، ومنها مثلاً تصريحات شارون العلنية أكثر من مرة بأنه غير مسؤول عن حياة ياسر عرفات ، وتحذيراته لشركات التأمين على الحياة بعدم التعامل معه ، وأكثر من ذلك :
* تم نشر نص الحوار الهاتفي الذي جرى يوم 14/4/2004م بين شارون والرئيس الأمريكي جورج بوش عبر وسائل الإعلام ؛ حيث أعلن فيه شارون بأنه لم يعد يستطيع الوفاء طويلاً بالعهد الذي قطعه لبوش في شهر3/2001م بعدم اغتيال ياسر عرفات ، فقال له بوش [ ينبغي أن نترك مصير ياسر عرفات بيد العناية الإلهية فلم يتردد شارون بالقول : قد يحصل وتكون العناية الإلهية بحاجة إلى مساعدة صغيرة ]
* وفي يوم السبت 12/1/2013م نقلت الإذاعة الإسرائيلية مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس في شهر 9/2012م ، ونشرت يوم الأربعاء 9/1/2013م قال فيها [ ما كان ينبغي اغتيال ياسر عرفات ، أظن أنه كان بالإمكان التعامل معه ، ومن دونه كان الوضع أصعب وأكثر تعقيداً ]
إن هذا الاعتراف لم يأت بمعلومات جديدة ، لكن يجب إضافته إلى التصريحات الكثيرة التي سبق أن صدرت عن الساسة الأمريكيين والإسرائيليين بقتل الرئيس ياسر عرفات تصريحاً أو تلميحاً ؛ ففي عام 200 وفي كامب ديفيد هدده مدير المخابرات المركزية الأمريكية بحضور الرئيس كلينتون بسبب عدم اعترافه بأي حق لليهود في القدس والمسجد الأقصى المبارك بقوله : ستحصل تغييرات كثيرة في الشرق الأوسط ستكون أنت من ضمنها ، فوجه أبو عمار كلامه إلى كلينتون قائلاً [ أدعوك من الآن لحضور جنازتي ] .
* نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في ملحقها (سبعة أيام) بتاريخ 13/7/2012م تقريراً يحتوي معلومات خطيرة عن تخطيط إسرائيل للتخلص من الرئيس ياسر عرفات رحمه الله ، ومن أبرز ما جاء فيه [ ... بعد فشل المحاولات الاسرائيلية لاغتيال أبو عمار جاء دور الحالة المرضية الغامضة التي وضعت حداً لحياته ... وهناك احتمال بصدور توصيات بأنه قتل على يد أشخاص محترفين عملوا على عدم ترك أية ادلة تشير اليهم بهدف الإيحاء بأنه توفي في ظروف طبيعية ... واصلوا في اسرائيل التفكير طلية الوقت ماذا يفعلون بعرفات ، وكان هناك انقساماً في الآراء : هناك من اعتقد بضرورة قتله علناً ، وهناك من اعتقد بقتله سراً بشكل لا يربط مقتله بإسرائيل ، وهناك من اعتقد بإبعاده وطرده ، وهناك من قال يجب أن يتركه يتعفن داخل المقاطعة ... دارت محادثة بين شارون ورئيس الأركان موفاز اللَّذيْن جلسا بجانب ميكروفون ضمن مناسبة عامة دون أن يعلما بأن الميكروفون متصل بالقناة الثانية فسجل لهم المحادثة التي تضمنت وجوب تطيير أبو عمار ... قائد سلاح الجو دان حالوتس أيد فكرة إبعاد عرفات إلى جزيرة صغيرة قرب الساحل اللبناني مع اثنين من مساعديه وقليلاً من المؤن وبعدها الإعلان للعالم عن المكان الذي أبعدته إسرائيل إليه ، لكن شارون رفض هذه الخطة لأن عرفات حينها سيقود حكومة منفى في الخارج وهذا أخطر بكثير من بقائه محاصراً في المقاطعة ... سئل شارون من قبل صديقه المقرب إليه الصحفي أوري دان : لماذا لا تبعد عرفات أو لا تقدمه للمحاكمة ؟ فقطع محادثته معه بشكل غريب وغير متوقع قائلاً : اتركني أرتب الأمور على طريقتي ، بعد هذه المحادثة بدأ وضع عرفات الصحي بالتدهور ، وطيلة 13 يوماً مكثها في مستشفى بيرسي حاول طاقم كبير من الأطباء والخبراء إنقاذ حياته لكنهم وقفوا عاجزين أمام المرض الغريب الذي ألم به مع أنهم أجروا سلسة واسعة من فحوصات الدم والبول وفحوصات السموم الطبية وسموم المعادن الثقيلة وبعض المواد المشعة التي يمكنها تسبب حالة التسمم الاشعاعي ، وجميع الفحوصات كانت سلبية ]
ثالثاً : التقارير الطبية العالمية ، نظراً لنشر فضائية الجزيرة تحقيقاً حول تسميم الرئيس ياسر عرفات بمادة البولونيوم 210 المشعة السامة فقد تقرر فتح قبره لأخذ عينات من جسده ، وتم تسليمها إلى ثلاثة فرق طبية من فرنسا وروسيا وسويسرا :
* تقرير معهد لوزان الطبي السويسري في شهر 11/2013 أكد وجود بمادة البولونيوم المشعة في رفاته بنسبة عالية جداً وغير طبيعية وصلت إلى 18 ضعف النسبة العادية .
* دراسة علمية نشرتها المجلة الطبية السويسرية في شهر 12/2015 أكدت أنه تم إعطاء الرئيس ياسر عرفات عدة جرعات من سُم البولونيوم المشع وليس جرعة واحدة ، وفي يوم 12/10/2004م أعطي الجرعة الأكبر وبدأت بعدها الأعراض بالظهور وأدت الى استشهاده ، والهدف من تعدد الجرعات التمويه لعدم معرفة طريقة القتل .
* تقرير المركز الروسي للطب الجنائي في شهر 11/2013 أكد وجود نسبة عالية من البولونيوم المشع والرصاص في العينات المأخوذة من رفات الرئيس أبو عمار .
رابعاً : التصريحات السياسية ، وهي كثيرة ، ومن أبرزها :
* ادعى مدير الوكالة الفدرالية للتحاليل البيولوجية الروسية في شهر كانون الأول عام 2013م بأن ياسر عرفات توفي لأسباب طبيعية وليس جراء التسمم الإشعاعي ،
* وصرّح علماء فرنسيون في ذات الشهر بأنه توفي لأسباب طبيعية وبعد إصابته بالتهاب عام ، وهذا يتنافى مع الحقائق العلمية والطبية ،
* يضاف إلى ذلك أن مستشفى بيرسي تخلص من العينات البيولوجية لياسر عرفات من دم وبول عام 2008 ، أي بعد أربع سنوات على وفاته على غير المعمول به في المستشفيات الفرنسية .
* وكانت فرنسا قد طلبت رسمياً من السلطة الوطنية الفلسطينية في شهر 4/2015 عدم إعدام قاتل ياسر عرفات .
وكل ذلك يؤكد وجود دوافع سياسية تأتي في إطار المؤامرة الدولية على قتل الرئيس الشهيد ياسر عرفات وإخفاء أسباب قتله وعدم الكشف عن قتلته كما المؤامرة الدولية على القضية الفلسطينية .
إن هذا التناقض المفتعل في تقرير الخبراء واللجان المكلفة بالتحقيق سيضيّع الحقيقة على الرغم من أنها واضحة لا تحتاج جهداً لكشفها ، فأركان هذه الجريمة أصبحت مكتملة تماماً : القاتل والقتيل والأداة وهي السم والباعث على القتل، فلم يبق إلا البحث عن منفذ هذه الجريمة ، وهذا ممكن جداً بوضع تحقيقات لجنة التحقيق الفنية وكذلك الوطنية وتقارير المختبرات الدولية وكامل الملف أمام محكمة دولية محايدة سيؤدي حتماً إلى الكشف عن قتلة الرئيس الشهيد .
إن الشعب الفلسطيني لن يهدأ له بال حتى يتم الكشف عن قتلة الرئيس ياسر عرفات والقصاص منهم ، لأن هذه الجريمة استهدفت القضية الفلسطينية وثوابتها وتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني على مدى عقود طويلة بالشهداء والجرحى والأسرى وبكل مقدراته ، فقد ضحى بالغالي والنفيس من أجل دحر الاحتلال عن أرضه ووطنه ونيل الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس المباركة .