ســد الـنهـضـة بـين الإقـتـصـاد والـسـياسـة بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2017-11-18
ســد الـنهـضـة بـين الإقـتـصـاد والـسـياسـة بقلم:حسن زايد


حـــســــــن زايـــــــــد .. يــكـتـب :

ســد الـنهـضـة بـين الإقـتـصـاد والـسـياسـة

إن اجترار ما سبق الخوض في غماره ، فيما يتعلق بإشكالية سد النهضة فيما بين مصر وأثوبيا ، لم يعد مجدياً في معالجة نتائجه حالاً أو استقبالاً . فلن يفيد القول بأن مبارك ونظامه ، قد أهملا هذا الملف ، ضمن الإهمال العام للملف الأفريقي ، حتي تم توقيع اتفاقية عنتيبي . واتفاقية عنتيبي تنص علي إعادة توزيع مياه النيل، دون النظر إلي الإتفاقيات التاريخية ، وهذا يعني عملياً عدم الإعتراف بحصة مصر التاريخية . وبدلاً من إحكام غلق باب الحديقة الخلفية للبيت المصري في أفريقيا ، تركنا الباب مفتوحاً لمن يدخلها ، للعبث بها ، وتسميم تربتها ، وحقن أشجارها بأمصال تضرب في الخلايا الجزعية لها ، بما يبدل ويغير من طبيعتها . ويسهل من استقطاب دول المنابع والحوض للتوقيع علي الإتفاقية . وبذا تم عزل مصر عن القيادة ، وحلول أثيوبيا محلها ، وإن مارست أثيوبيا طرقاً احتيالية للقفز علي الإتفاقيات التاريخية.

وقد رفض نظام مبارك التوقيع علي اتفاقية عنتيبي ، بما قد يتيح لمصر فرصة الدفع بالإتفاقيات التاريخية في مواجهة الإجراءات الأثيوبية في حالة التصعيد القانوني علي المستوي الدولي .

وقد جاءت أحداث يناير 2011م ، بعد سنوات الإسترخاء المفرط المباركية ، لتزيد الموقف المصري ضعفاً علي ضعف ، لتبدأ أثيوبيا في عمل ما عجزت عنه إبان الحقبة الناصرية ، والحقبة الساداتية ، وهو البدء في بناء السد . وبدلاً من وجود دولة قادرة علي المجابهة والردع ، لأن مؤسساتها كانت قد انهارت ، أو كُبِّلَت ، انتظاراً لانقشاع الغمة ، تحركت الدبلوماسية الشعبية ، في مشاهد مهرجانية سيركية ، متوهمة أنها ستجلب الذئب من زيله . وبدلاً من ذلك ساهمت في تدعيم استراتيجية الخداع والتمويه التي مارستها أثيوبيا ، وتنويم وخداع وتخدير الشعب المصري .

ثم أتي حكم الإخوان ، ليتبدل اسم السد ، من سد الألفية ، إلي سد النهضة ، ولا أدري ما طبيعة الرابط الموضوعي بينهما . ومشروع النهضة الإخواني هو طائر الرخ الأسطوري الذي حط علي أرض مصر في عهدهم المشؤوم . وقد حدث الإجتماع السري للغاية لمناقشة كيفية مواجهة أزمة سد النهضة ، والذي أذيع علي الهواء مباشرة ، ليكشف للرأي العام مستوي القيادات السياسية المدنية الفاعلة فيه من ناحية ، ويعطي لأثيوبيا الذريعة للتشهير بمصر ، والدعاية المضادة لها ، والترويج الدولي لبناءالسد من ناحية أخري .

وبالقطع أنه لم يعد مقبولاً ولا معقولاً إجترار الخوض في هذه الأمور إلا من الزاوية التاريخية فحسب . واجترارها الآني لن يحل المشكلة .

كما أن كلام الخبراء في مخاطر السد علي الحياة في مصر ، من تعطيش للشعب ، وتصحر للأرض ، وتجويع بسبب تقلص النشاط الزراعي ، أضحي معلوماً بالضرورة لمتخذ القرار المصري ، والعزف علي أوتارها ، يحدث تآكلاً في تماسك الجبهة الداخلية . فضلاً عن إحداثه لشوشرة قد تحدث تشويشاً علي متخذ القرار . وهذا الكلام يفتح الأبواب علي مصاريعها ، للمزايدين علي السلطة السياسية ، والمنتقصين من قدرتها وكفاءتها ، علي التعاطي مع الأزمة ، علي خلاف الحقيقة .

ولقد أصبح من المعلوم في هذا الأمر بالضرورة ، أن ملف السد ليس ملفاً تنموياً ، كما تزعم أثيوبيا ، وإنما هو ملفاً سياسياً في المقام الأول . فلو كان التعاطي مع الملف تنموياً فقط ، لما كانت هناك حاجة للمراوغة والمناورة والتسويف والتلكؤ والمماطلة والمخادعة من جانب أثيوبيا ، وكانت قد تعاطت مع المفاوضات المكوكية بالجدية المطلوبة ، علي نحو يحفظ حقوقها في التنمية ، ويحفظ لمصر الحق في عدم الإضرار بها . وأظن أن القيادة السياسية تدرك ذلك .

وأمام مصر الطريق القانوني ، الذي لا ريب أنها ستسلكه ، حال انسداد كافة السبل وانغلاق أبوابها ، لحل تلك الأزمة ، وهو طريق التحكيم الدولي في القضية . وأظن أن هناك جهات سيادية مصرية قائمة علي إعداد الملف القانوني ، من باب الإحتياط ، علي قدم وساق .

وأعتقد أن مصر أكبر من استدراجها إلي ما لا تريده ، وكذا أكبر من أن تندفع وراء دعاوي حماسية ، سواء بريئة أو غير بريئة ، أو أن تستفز بدعاوي سلبية من هنا أو هناك . فهي تعرف متي وكيف وأين تضع قدمها في الخطوة القادمة .

وقد أعلنت القيادة السياسية في أكثر من مناسبة ، أن هذه القضية بالنسبة لمصر هي قضية وجود . قضية حياة أو موت . قضية نكون أو لا نكون . وقيادة تعي الأمر علي هذا النحو ، لن تسمح بوضع ظهر مصر للحائط . فإن وصلت الأزمة إلي حد تهديد الوجود ، فلا ريب أنه سيكون هناك أمر آخر .

والكلام في المياه الجوفية ، وتحلية مياه البحر ، ومخرات السيول ، ومعالجة مياه الصرف الصحي ، وترشيد استهلاك المواطن للمياه ، هو كلام مطلوب نقله من إطار الفكر ، ودوائر اللسان ، إلي أرض الواقع ، ليس باعتبار ذلك بديلاً لمياه النيل ، وإنما باعتبارها مصادر إضافية موازية ، تغطي إلي جانب حصة مصر من مياه النيل ، معدلات النمو السكاني الراهن ، والمستقبلي ، والتوسع العمراني القائم ، اللذان يمثلان عبئاً ثقيلاً ، تنوء به الجبال .

حــســــــن زايـــــــــد